انتشار الرسم بالرمال في مصر لاجتذاب السياح

يعتمد على الزجاج ويحوي عروضا فنية متحركة

أحد العروض في مسرح الجمهورية بدار الأوبرا
أحد العروض في مسرح الجمهورية بدار الأوبرا
TT

انتشار الرسم بالرمال في مصر لاجتذاب السياح

أحد العروض في مسرح الجمهورية بدار الأوبرا
أحد العروض في مسرح الجمهورية بدار الأوبرا

في العاصمة المصرية والكثير من الموقع السياحية بالبلاد، بدأت تنتشر ظاهرة الرسم بالرمال للترويح عن المشاهدين، ولاجتذاب السياح، حيث يعتمد الرسامون على الزجاج باستخدام مؤثرات ضوئية أو لونية، بينما تحوي بعض العروض الفنية حركة للرسوم نفسها، في مشهد بديع يصفق له الجمهور بإعجاب كبير.
وهنا في القاهرة، توقف مايكل روماني، رسام الرمال، كما يحب أن يلقبه معجبوه، ونظر للوحته التي لم تكتمل بعد وفكر مليا قبل أن يبدأ كلامه قائلا: «للرسم طبيعة وجذب من نوع خاص جدا، فرغم أني أنهيت دراستي في كلية الهندسة قسم التصميم الميكانيكي فإنني اتجهت لأصعب أنواع الرسم على الإطلاق وهو الرسم بحبات الرمال، الذي بدأت أنجذب إليه وأمارسه منذ أوائل عام 2008 عندما بدأت أشاهد عددا من أشرطة الفيديو لفنانين يرسمون بالرمال حول العالم واستهوتني الفكرة ثم بدأت أعلم نفسي».
ويقول أحد مشاهدي عروض الرسم على الرمال ممن يتابع فنونها من مكان لمكان: «قد نسمع عن فن النحت وقد نسمع عن الرسم، أما أن نخلق عروضا فنية مبهرة بصور متحركة باستخدام حفنة من الرمال هذا ما لم يكن يصدق قبل عدة سنوات من الآن، وتحديدا قبل ظهور الفن النادر واطلاع الجمهور عليه قبل أقل من عشرين سنة من الآن».
ويعد فن الرسم بالرمال حديثا نسبيا، إذ بدأ ينتشر أوائل الألفية الجديدة، وتحديدا عام 2003 عندما بدأت مجموعة من الفنانين الكوريين الترويج له عبر مقاطع فيديو انتشرت آنذاك على الكثير من المواقع الإلكترونية، ليأخذ الفن منحى الجد وينتشر أكثر في العالم العربي وبالتحديد في منطقة الخليج، ومن ثم مصر وصولا إلى فلسطين والأردن، كما أن عدد رسامي الرمال في الوطن العربي ما زال قليلا، نظرا لصعوبة الفن وندرته وعدم وجود ورش لتعليمه حتى الآن، رغم أنه بدأ ينتشر بشكل واسع في الكثير من الأوساط الفنية الإبداعية والمراكز الثقافية التي تتيح تقديم عروض له يطلبها ويقبل عليها الكثير من هواة فن الرسم بالرمال.
وانتشر الرسم على الرمال سريعا في العاصمة المصرية وعدة محافظات أخرى، خاصة المحافظات السياحية على البحر المتوسط والبحر الأحمر. وتستعين بعض الأسواق التي تسعى لإنعاش الحركة السياحية فيها برسامي الرمال من مختلف المدارس للترويج وجذب السياح. وأصبحت توجد طرق مختلفة في مصر لاستخدام الرمل والزجاج.. فهناك الرسم على الزجاج والرسم داخل الزجاج، والبعض يستعين في ذلك بالمؤثرات الضوئية، والبعض يقتصر اعتماده على الألوان سواء ألوان الزجاج أو الرمل نفسه.
ويقف الشاب روماني ليواصل رسم لوحته.. ومع انسياب الموسيقى الكلاسيكية الهادئة التي صدرت ضمن مكملات المشهد، كانت حبات الرمال تنساب بين أصابعه في رقة واضحة لتصطدم باللوح الزجاجي، الذي استقبلها مشكلا لوحة جميلة تثير المشاعر والوجدان.
هكذا كان واقفا على صندوقه الضوئي ذي النور الخافت، عكف على رسم لوحة هي لمعالم مصر التاريخية، تستطيع أن تشاهدها على شاشة العرض المثبتة بالصندوق تتشكل شيئا فشيئا كأنها لحظة ميلاد جديد لتاريخ يكتب بحبات من الرمال.
ويقول متابع آخر لعملية الرسم التي تتكون أمام أعين المشاهدين، إنه وبالتدقيق أكثر فأكثر تبدأ معالم اللوحة تظهر بشكل واضح شيئا فشيئا، وتستطيع أن تحدد الفكرة مع أول تشكيلة بحبات الرمل، تظهر على اللوح الزجاجي الشفاف، فهذا طبعا أبو الهول وهذه طبعا أهرام الجيزة، وهذا رجل بدوي يجر ناقته التي تساعده في أسفاره وتعينه على تحمل الجو الصحراوي شديد الحرارة..
لوحة أخرى لمنطقة أهرام الجيزة الشهيرة أيضا، وما إن تبدأ بإدراك اللوحة وتسلم بها حتى تبدأ القصة والحكاية على التبدل شيئا فشيئا لتبدأ معالم لوحة جديدة تتشكل أمامك وتسلب اللب إلى مشهد مغاير تماما يبدو أنه بدأ بأحد الجسور التي يمر أسفلها مركب شراعي صغير متجها نحو اللانهاية، ومن أسفله تنهمر المياه في انسيابية واضحة ومع تغير القصة لمشهد جديد.
وأضاف الرسام مايكل وهو ممسك بحبات الرمال في يده وينظر للوحه الزجاجي بتركيز شديد: «الرسم بالرمال يحتاج إلى تخيل وتحكم في إمساك حبات الرمال بشكل كبير، والجديد والمستحدث في فن الرسم بالرمال هو نظرية البانوراما التي يتيحها للمتابع، فأنت تتابع مجموعة من الصور والألواح والمشاهد في عرض واحد، تنقلك معها حبات من الرمال شكلت مشاهد متنوعة في أسلوب قصصي شائق، كأنك تروي رواية صامتة تصاحبها الموسيقى التي تتناسب معها والتي تكون كلاسيكية في أغلب الأحيان».
ويقول مايكل وهو يمسح المشهد الأخير استعدادا للبدء بواحد آخر: «فن الرسم بالرمال لم يأخذ حقه بعد مثل باقي الفنون الأخرى رغم أنه لا يجيده إلا قليلون، وأنا لدي طموحات في المجال بشكل عام مثلما لي طموحات بشكل خاص وفردي، فأنا أطمح وأتمنى أن ينال فن الرسم بالرمال جزءا من الاهتمام الموجه لباقي الفنون مثل الغناء والتمثيل وغيرهما، مثلما أطمح أن أمثل بلدي في المعارض والمسابقات الفنية الدولية، وأن أنشر هذا الفن الجديد الجميل في ربوع أوطان بلادنا العربية، وتحديدا بلدي مصر».
هنا، بدأت معالم المشهد الجديد تتشكل، فاللوحة تجسد مشاهد من الثورة المصرية بكل آلامها وانتصاراتها. ومع تصاعد وتيرة الموسيقى الخلفية المصاحبة للمشهد الجديد، بدا أن القصة في آخرها، وأن المشهد هو الأخير في رواية اليوم.
وبادر مايكل بالكلام دون أن يمسح المشهد الأخير قائلا: «أهم حاجة أني أرسم جميع اللوحات والمشاهد من قلبي، وأشعر في كل لوحة أرسمها بكل وجداني، ومن دون إحساس لا يمكن أن يكون هناك إبداع، وأحب اللوحات إلى قلبي هي (قصة الثورة) التي تؤرخ لأحداث الثورة المصرية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».