موائد الرحمن في مصر ترفع شعار «لا أحد يجوع في رمضان»

أصبحت سباقا للخير في المجتمع ومظلة للفقراء والمحتاجين

أجواء رمضان على احدى موائد الرحمن في حي شعبي بالقاهرة
أجواء رمضان على احدى موائد الرحمن في حي شعبي بالقاهرة
TT

موائد الرحمن في مصر ترفع شعار «لا أحد يجوع في رمضان»

أجواء رمضان على احدى موائد الرحمن في حي شعبي بالقاهرة
أجواء رمضان على احدى موائد الرحمن في حي شعبي بالقاهرة

«لا أحد يجوع في شهر رمضان».. شعار ترفعه بشكل ضمني موائد الرحمن التي تتنوع أشكالها في العاصمة القاهرة ومعظم أقاليم مصر، وتشكل نوعا من سباق الخير الرمضاني في المجتمع، فهناك موائد الرحمن الكبيرة، التي تقام غالبا في باحات المساجد الكبرى، وتسع المئات من الناس، وهناك موائد رحمن بسيطة تسع العشرات، وهذه تقام أمام المحلات والمقاهي الشعبية في الشوارع والنواصي.
ورغم تنوع الطعام بحسب الأحياء التي تقام فيها موائد الرحمن، والأشخاص الذين ينفقون عليها، فإنها في مجملها تقدم وجبة إفطار شهية وكافية لروادها من الفقراء والمحتاجين وعابري السبيل، كما يسود موائد الرحمن جو رمضاني حميم، يشكل مناخا طيبا لاكتساب المودة والمحبة من أناس قد لا تعرفهم، لكنك تستأنس بهم، وتسعد بمجاورتهم على مائدة الرحمن، على مدار الشهر الكريم.
ومن أرقى الأحياء إلى أشدها فقرا تستطيع أن تجد موائد الرحمن وقد تزينت مداخلها بالزينة الرمضانية البسيطة، وانتشرت بداخلها المقاعد المتعددة والطاولات الطويلة التي أصبحت سمة من سمات تلك الموائد، وعلى تلك الطاولات تجد كثيرا من الفقراء والمحتاجين وقد جلسوا في انتظار مدفع الإفطار كإشارة خضراء على انتهاء فترة الصيام، التي امتدت طويلا خلال ساعات النهار.
يقول خميس الزواوي أحد المشرفين على مائدة رحمن في إحدى ضواحي حي مدينة نصر (شرق القاهرة): «الأصل في موائد الرحمن هو محاولة بعض القادرين التزكية عن أموالهم وفعل الخيرات في الشهر الكريم. ومن هذا المنطلق تقام كثير من موائد الرحمن طيلة أيام الشهر لاستقبال أعداد كبيرة من ضيوف الرحمن عليها».
ويضيف الزواوي: «نبدأ عادة يومنا وتحضيراتنا في الواحدة ظهرا بإعداد الوجبات الخاصة بالضيوف، وتجهيز بعض المشروبات الرمضانية، وذلك يستغرق منا عادة نحو ست ساعات بمشاركة ثلاثة طباخين وبعض المساعدين. بعدها نقوم بترتيب الموائد وإعدادها حتى يقبل الصائمون عليها، وبعد الإفطار نبدأ في تنظيف المكان وتحضير وجبات أخرى خاصة بالسحور، التي تكون عادة غير متوافرة في كل موائد الرحمن إلا القليل منها».
ترجع فكرة موائد الرحمن إلى الولائم التي كان يقيمها رجال الدولة في عهد الفاطميين، وتطورت موائد الرحمن في صورة قيام أصحاب المصانع والورش بإعداد هذه الموائد لعمالهم بوصفها نوعا من البر واستمرار سير العمل في رمضان، كما ظهرت خلال العشر سنوات الأخيرة كمية كبيرة من موائد الرحمن بشكل لافت للنظر، منها الموائد التي كان يقيمها الفنانون والراقصات وبعض السياسيين. وقد اختلف موقف المصريين تجاهها بين الرفض والسخرية والتندر، كما يقول حسين لطفي المشرف على إحدى موائد الرحمن بميدان المساحة في حي الدقي بمحافظة الجيزة: «كانت أيام ما قبل الثورة المصرية الأولى تنتشر كثير من موائد الرحمن التي كانت تخص بعض الفنانين والفنانات وبعض رجال السياسة ورجال الأعمال في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، كما أقامت بعد الثورة بعض القوى السياسية الثورية الكثير من موائد الرحمن في ميدان التحرير رمز الثورة المصرية».
ويضيف لطفي وكأنه يتذكر شيئا ما: «الواقع أن عدد موائد الرحمن تقلص بشكل كبير بعد أحداث الثورة المصرية، ويرجع ذلك إلى تردي الحالة الاقتصادية الخاصة بالمصريين في أعقاب أحداث الثورة، وهو ما أثر على أعداد موائد الرحمن بشكل كبير».
ومن إقامة موائد الرحمن انطلاقا من الواجب الديني الذي يلتزم به البعض، يرى كثير من القوى الثورية والأحزاب السياسية أن رمضان فرصة لإقامة تلك الموائد، وبالتالي كسب شعبية واسعة وضمان عودتهم إلى الشارع السياسي من جديد، كما اكتفى كثير من تلك القوى بتوزيع «شنط» تحوي السلع الرمضانية الأساسية، مع الاكتفاء بكتابة عبارة «فاعل خير» عليها، في محاولة لدرء شبهات شراء أصوات الناخبين من فقراء الشعب المصري في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وفي سباق الخير الرمضاني، نظمت القوات المسلحة المصرية ما يقرب من 140 مائدة رحمن هذا العام في مختلف أنحاء مصر، لتغطي كثيرا من المحافظات مع التركيز على أكثر المناطق فقرا التي تحوي أكبر عدد من المحتاجين، ويعلق رمضان محمد أحد سكان منطقة النهضة بمحافظة الجيزة على تلك الموائد قائلا: «الجيش يقوم بكل ما يخدم المواطن، بدءا من تأمينه وانتهاء بإطعامه، وأنا أفطر يوميا في مائدة الجيش بمنطقة النهضة، وأستطيع أن أقول إنها من أفضل الموائد المقامة من حيث الخدمة وجودة الطعام المقدم ونوعيته أيضا». ويضيف محمد: «ربنا يخلي لنا الجيش المصري».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».