النظام يسلّم قوائم بأسماء معتقلين قضوا في سجونه

TT

النظام يسلّم قوائم بأسماء معتقلين قضوا في سجونه

مصير المعتقلين في سجون النظام السوري أحد أهم الملفات المعلقة التي تشغل آلاف العائلات السورية، مع فقدان المعارضة كثيراً من الأوراق التي قد تساعد في إطلاق سراح المعتقلين أو الكشف عن مصيرهم، في حال التفاوض مع النظام.
«ماذا عن أخي وأبناء عمومتي؟»، تسأل زهرة التي نزحت من حمص عام 2012، إلى ريف دمشق، بعد أن فقدت زوجها واعتقل شقيقها و3 من أبناء عمومتها في حي الخالدية، ما يقلق زهرة أن الحرب بدأت تحسم نتائجها لصالح النظام: «إذا انتصر النظام في درعا، على ماذا سيفاوضون النظام لإطلاق سراح المعتقلين؟».
أما صفاء التي تستعد للالتحاق بأبنائها الذين هاجروا إلى أوروبا عام 2015، فتقول: «لم يبقَ لنا ما نراهن عليه وقد تكون الهجرة أفضل الخيارات للابتعاد عن الجحيم»، وكان زوج صفاء قد اقتيد من منزله في مدينة حماة عام 2012، وللآن لا تعلم عنه شيئاً: «أخذوه ليلاً من فراشه ولم يأخذ معه أي شيء، لا بطاقة شخصية ولا أي وثيقة ثبوتية، هناك من قال لي إنه أعدم فوراً مع عدد من رفاقه اتهموا بإسعاف جرحى المظاهرات، وهناك من أكد رؤيته حياً في أقبية أحد الفروع الأمنية بحماة. لكن لم أحصل على أي معلومة مؤكدة ولم أوفر وسيلة في البحث والسؤال لكن دون جدوى». تتابع صفاء: «في الصباح أترحم عليه، وفي المساء أصلي ليعود!! أصارع أحاسيس متناقضة لا يشعر بألمها إلا من يشاركني المصاب ذاته».
مأساة المفقودين التي تعانيها آلاف العائلات السورية، أعاد النظام نبش جراحها لدى تسليمه خلال الأيام الماضية دوائر النفوس في عدة مناطق بريف دمشق وحماة وريفها، قوائم بأسماء معتقلين قال إنهم ماتوا في السجون.
وأفادت مصادر حقوقية معارضة لـ«الشرق الأوسط» بأن «محكمة الميدان العسكرية الثانية بدمشق سلمت دائرة النفوس بمعضمية الشام بريف دمشق الغربي، قوائم بأسماء نحو 165 معتقلاً قضوا في السجون»، علماً أن العدد الإجمالي لمعتقلي معضمية الشام بحسب أرقام المجلس المحلي أكثر من 700 معتقل، ومن بين الأسماء الواردة في القوائم معتقلون منذ 7 سنوات.
وبحسب المصادر، قامت دائرة النفوس بالمعضمية بتعليق قوائم الأسماء المكتوبة بخط اليد على جدران مقرها، ليتمكن الأهالي من قراءتها والتعرف على الأسماء الواردة فيها، لإتمام إصدار وثائق الوفاة. وأشارت المصادر إلى أن قوائم مماثلة تم «تسليمها لدوائر النفوس في منطقة الزبداني بريف دمشق وتضم نحو 19 اسماً بريف دمشق وفي مدينة حماة وريفها وفيها أكثر من 120 اسماً». ولفتت المصادر إلى أن حكومة النظام دأبت ومنذ انطلاق الثورة عام 2011 على إصدار وثائق وفاة طبية للمعتقلين الذين يقضون تحت التعذيب، أو إعداماً أو قتلاً بالرصاص، تفيد بأنهم قضوا نتيجة أسباب صحية طبيعية كالإصابة بأزمة قلبية أو نتيجة حادث... إلخ من أسباب يتم إكراه ذوي المعتقلين على توقيعها والإقرار بصحة ما ورد فيها لإتمام معاملات وثيقة الوفاة أو تسليم الجثة إن وجدت.
أم أحد المعتقلين اطلعت على القوائم ولم تعثر على اسم ابنها الذي اختفى عند حاجز بريف دمشق، وتقول: «مع كل تسريب لصور أو أسماء أو أي شيء يخص المعتقلين أموت ألف مرة». وتضيف: «أنا أم لشابين قتلا ظلماً أثناء المظاهرات عام 2011، لا أشعر حيالهما بالقلق واللوعة فهما عند رب رحيم، لكن قلبي يحترق على ابني المعتقل عند عبد لئيم».
ونشرت اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات صوراً للقوائم التي وصلت إلى دائرة النفوس بمعضمية الشام ودعت أهالي المعتقلين للتأكد من الأسماء الواردة فيها. وتقدر الشبكة السورية لحقوق الإنسان عدد المعتقلين لدى النظام بنحو 215 ألف معتقل. وكان تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية (أمنيستي) عام 2016 قد أكد أن النظام قتل 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا.
وتزامن كشف النظام عن موت عدد من المعتقلين لديه مع تأسيس عدد من العائلات السورية من ذوي المعتقلين الذين نشرت صورهم ضمن ما يعرف بـ«صور قيصر»، «رابطة عائلات ضحايا قيصر» كمنظمة مدنية بالتعاون مع المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM) ومركز توثيق الانتهاكات (VDC).
و«قيصر» اسم مستعار لسوري انشق عن الشرطة العسكرية التابعة للنظام عام 2014، وكانت مهمته تصوير الجثث في السجون قبل إحالتها إلى القضاء، ومنذ اندلاع الثورة 2011، اقتصر عمله على توثيق صور جثث ضحايا التعذيب في سجون النظام، حيث وثق نحو 55 ألف صورة لجثث تعود لنحو 12 ألف معتقل قتلوا تحت التعذيب، وتمكن قيصر من تهريب تلك الصور خارج البلاد حيث قدمها للجنة التحقيق ووسائل الإعلام.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.