«تسريب» أسئلة امتحانات يثير جدلاً في العراق

إلغاء اختبارات التربية الإسلامية... والوزارة تلوم «سحب صلاحياتها»

ايزيديات في دهوك (أ.ف.ب)
ايزيديات في دهوك (أ.ف.ب)
TT

«تسريب» أسئلة امتحانات يثير جدلاً في العراق

ايزيديات في دهوك (أ.ف.ب)
ايزيديات في دهوك (أ.ف.ب)

تواصل الجدل الذي أثاره إلغاء امتحانات مادة التربية الإسلامية لطلاب المرحلة الإعدادية في العراق، على خلفية «تسريب» أسئلته، واضطرت وزارة التربية، أمس، إلى نفي ما تردد عن تسريب جديد لأسئلة مادة اللغة العربية.
وهذه المرة الأولى التي تقدم فيها وزارة التربية على إلغاء شامل لامتحان أي مقرر دراسي. وحدث في بعض السنوات بعد عام 2003، أن قررت وزارة التربية إلغاء نتائج بعض المديريات ومراكز الامتحانات. وفتحت الوزارة تحقيقاً عاجلاً بشأن «تسريب» الأسئلة، وأصدرت السبت الماضي قراراً بإلغاء امتحان مادة التربية الإسلامية للصف السادس الإعدادي، وحددت موعداً جديداً لها.
ودخل مجلس الوزراء، أول من أمس، على خط الأزمة، وأصدر مجموعة قرارات بشأن تسريب الأسئلة. وقال مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي في بيان، إن المجلس «صوّت على وضع معايير مهنية في اختيار القيادات التربوية وإبعادها عن المحاصصة».
وقرر المجلس «مراجعة آليات امتحانات الوزارة، بالاستفادة من التقنيات الحديثة، بما يضمن رصانة المستوى العلمي والالتزام بالسياقات القانونية فيما يتعلق بالحفاظ على الاختصاصات الاتحادية، بجوانب المناهج والتقويم والامتحانات والإشراف التربوي، وعدم تدخل أي جهة في ذلك».
وأشار البيان إلى أن «المجلس صوّت على قيام وزارة التربية بإنجاز التحقيق الإداري في قضية تسرّب الأسئلة، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بموجب أحكام قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام، والقرارات الصادرة بهذا الشأن، وإحالته إلى القضاء».
ورغم الأنباء التي تحدثت عن أن مسؤولاً في دائرة تربية قضاء الفلوجة يتحمل مسؤولية تسريب أسئلة مادة التربية الإسلامية، فإن المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية سرمد سلام لفتة، قال إن «التحقيقات جارية في جميع المحافظات العراقية لمعرفة المصدر المسؤول عن تسريب الأسئلة، ولا تختص التحقيقات بمحافظة أو بقضاء محدد».
وأضاف لفتة لـ«الشرق الأوسط» أن «وزارة التربية ستعلن عن الجهة المسربة للأسئلة، حين تنتهي من التحقيقات الواسعة التي تجريها بمساعدة الأجهزة الأمنية المختلفة والأمن الوطني وجهاز المخابرات»؛ لكنه رأى أن «جزءاً مهماً من المشكلة يعود إلى نقل نحو 70 في المائة من صلاحيات الوزارة وإعطائها إلى الحكومات المحلية، وذلك الإجراء أضر كثيراً بالعملية التربوية».
وأشار إلى أن «مشكلة التسريب لم تحدث إلا هذه السنة، وتزامنت مع نقل صلاحيات التربية إلى المحافظات. الوزارة تضع معايير مهنية محددة لاختيار المسؤولين عن التربية في المحافظات. أما اليوم فإن الحكومات المحلية لا تراعي تلك التعليمات، ويمكن أن تقوم بتعيين مديرين لأقسام التربية استناداً إلى أسباب حزبية».
وبشأن الآليات التي ستعتمدها وزارة التربية لترميم الثقة بها بعد سرقة الأسئلة وتسريبها، قال لفتة إن «إعلان الوزارة عن موضوع التسريب يفترض أن يعزز من سمعتها ومهنيتها، إذ كان بالإمكان نفي الخبر وعدم الاعتراف بحادث التسريب؛ لكنها أصرت على إعلانه كي ينال المسيئون جزاءهم وتثبت الوزارة صدقيتها أمام الطلبة وعموم المواطنين».
وأعطى التعديل الثالث لقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم الصادر في مايو (أيار) 2017، صلاحيات واسعة للحكومات المحلية، انتزعها من الوزارات الاتحادية في الصحة والتعليم والبلديات. وكان النائب الأول لرئيس مجلس النواب همام حمودي، طالب، أول من أمس، مجلس الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء بفتح تحقيق عاجل مع وزارة التربية بوزيرها ووكلائها ومديريها، والجهات ذات العلاقة.
كما طالب مسؤول المكتب السياسي لـ«التيار الصدري» ضياء الأسدي، وزير التربية ووكلاءه بتقديم استقالاتهم، على خلفية تسريب أسئلة الامتحان، وطالب رئيس الوزراء بإحالتهم إلى التحقيق.
يُشار إلى أن قطاع التربية والتعليم في العراق يعاني منذ عقود من مشكلات كبيرة، نتيجة سوء الإدارة والفساد المتفاقمين في السنوات الأخيرة. وتشير مصادر رسمية إلى أن البلاد بحاجة إلى أكثر من 5 آلاف مدرسة ابتدائية وثانوية، بعدما دفع النقص الحاصل في عدد المدارس إدارات التربية إلى دمج أكثر من مدرستين أو ثلاث في بناية واحدة، إضافة إلى الأرقام المرتفعة في أعداد الطلبة في الصف الواحد، والتي تتراوح بين 40 و50 طالباً.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.