ماذا تعني الأخلاق وكيف تتغير؟

الفيلسوف بول دروا يبحث في أصولها وتفسيراتها المختلفة

ماذا تعني الأخلاق وكيف تتغير؟
TT

ماذا تعني الأخلاق وكيف تتغير؟

ماذا تعني الأخلاق وكيف تتغير؟

للمركز القومي للترجمة سلسلة بعنوان «الأفكار الكبرى للشباب» وهي تضم لائحة من الكتب المترجمة للعربية والموجهة للناشئة، لما تتميز به من تبسيط وسهولة في التناول. ومن الكتب المترجمة الصادرة حديثاً، كتاب للفيلسوف والناقد الأدبي روجيه بول دروا (Roger - Pol Droit) بعنوان: الأخلاق مفسرة للجميع (L›éthique expliquée a tout le monde)، نقلته للعربية الدكتورة نهيلة بسيوني وراجعته دينا مندور بعنوان اقتصر على: «الأخلاق».
يبدأ المؤلف كتابه بمقدمة يظهر فيها أن لفظة أخلاق قد أصبحت مستخدمة على نطاق واسع، وفي كل المجالات، فهي تحضر بقوة في المال والأعمال نظرا للأزمات التي تستوجب القواعد، وفي الرياضة نظرا لانتشار المنشطات التي تدمر المنافسة الشريفة، وفي وسائل الإعلام حيث كثرت المعلومات الكاذبة وأحيانا المضللة والمغرضة، وفي مجال الطب الذي أصبح مسرحا لمنجزات تهدد بمسار إنساني غير معهود خاصة مع الثورة الجينية الهائلة... لكن يضيف المؤلف أن حضور كلمة أخلاق بشكل بارز وفي كل قطاعات الحياة، لا يعني دائما أنها واضحة الدلالة، ولهذا السبب بالضبط أصدر هذا الكتاب بسؤال محوري هو: ماذا نقصد بالضبط حين يتعلق الأمر بالأخلاق؟
كجواب على هذا الإشكال، قسم المؤلف كتابه، الذي لا يتجاوز 93 صفحة، إلى 6 فصول.
جاء عنوان الفصل الأول بعنوان: «مغامرات كلمة»، حيث عمل المؤلف على الحفر في جذر كلمة أخلاق عائدا إلى جذورها اليونانية والرومانية، محاولا التفرقة من جهة بين مصطلح: MORALE الذي يعني كل المعايير والقواعد الموروثة والمتعارف عليها منذ القديم، أي هو تلك الأحكام سابقة الإعداد والتشكل... ومن جهة أخرى مصطلح ETHIQUE الذي أصبح يعني كل المعايير والقواعد، لكن قيد الإنجاز والإعداد بل التعديل أحيانا، إنها بمثابة حدود مبتكرة يصنعها الإنسان لمجابهة التغيرات الطارئة والحالات التي لم تكن معلومة بالنسبة للأجيال السابقة كالتخصيب في المختبر، وآلام الحامل بطفل لامرأة أخرى، والاستنساخ... ناهيك بكل الأزمات البيئية التي يعيشها كوكبنا... وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الكثير من الباحثين الذين يكتبون بالعربية يحتفظون بلفظة «إتيقا» كما هي، للتمييز بينها وبين الأخلاق بالمعنى المتوارث.
أما بخصوص الفصل الثاني فكان بعنوان: «مجال بلا حدود»، حيث وضح فيه المؤلف كيف أن سلوكيات الإنسان يمكن فهمها ومقاربتها بيولوجيا ونفسيا واقتصاديا ومعنويا... لكن يمكن أيضا وضعها في ميزان أخلاقي حينما نطرح سؤالا: ماذا علي أن افعل؟ كيف يمكنني أن أتصرف؟ ما هو الاختيار الأفضل؟ وفي حالة الاختيار، فعلى أي أساس وبأي معيار يتم التصنيف؟ فالمنتقم يعتبر سلوكه المؤذي والمليء بالغل والكره هو الأفضل، ونفس الأمر يقال عن اللص والمجرم والديكتاتور فكل هؤلاء يريدون الأفضل. إن هذا الفصل من الكتاب جاء ليؤكد على تعقيد سؤال الأخلاق، أي كيف علينا أن نتصرف؟ وأنه يصيب كل المجالات ويتخلل كل تفصيل في الحياة صغيرا كان أو كبيرا، فرديا أو جماعيا، محليا أو دوليا؟ كما يركز المؤلف على أن الاختيار بين البدائل في السلوك ليس هو المشكلة بالضبط، بل الأساس المعتمد في الاختيار هو أخطر قضية في الأخلاق، فنحن نحتاج إلى التبرير الذي نُشرعِن من خلاله الإقدام على تصرف دون آخر، بل إن الاختيار الذي يقدم عليه المرء بتلقائية ودون تفكير هو أيضا مشحون ولا يخلو من أخلاق، لأنه يقدم نموذجا للآخر، فنحن لا نتصرف لحسابنا فقط، إنما نقرر أيضا بشكل غير مباشر للآخرين وللعالم كله، حتى في سلوكياتنا شديدة الأنانية نشرك فيها الغير، وهو الأمر الذي عبر عنه الفيلسوف الوجودي: جون بول سارتر بعبارة شهيرة وهي: «عندما أختار نفسي فإني أختار الإنسان». بل حتى لو قررت الانزواء في ركن والادعاء أني أعيش بالمفرد، فإني أقدم مثالا للأفضل. باختصار كل اختيار هو تقديم لنموذج، إنه اقتراح للأفضل. إذن، لا سلوك يخلو من الأخلاق.
الفصل الثالث «بين الدين والفلسفة» خصصه المؤلف للبحث في مصدر الأخلاق؟ ليحدد لنا 4 أجوبة وهي: أولا، الأخلاق ليست من صنع البشر، فهي سابقة عليهم وخارجة عن إرادتهم، فهي موجودة في عالم آخر مواز وهو ما عبر عنه مثلا أفلاطون بعالم المثل، فالخير خير دائما، وجد الإنسان أو لم يوجد، فهو كذلك في ذاته. ثانيا الله هو مصدر الأخلاق فهو من اختارها وصاغها وأرسلها إلى البشر عبر رسله، وليس عليهم إلا التطبيق والتنفيذ. ثالثا الأخلاق هي نتاج الطبيعة الإنسانية وليست شيئا غريبا عنهم أو يأتي من عالم مفارق، فلكي نعرف الخير والشر، ليس علينا أن نفكر طويلا، ولا أن نتبع نصائح رجل الدين. إنما نستشعر ذلك بشكل عفوي، بحركة طبيعية وهنا يستحضر المؤلف الفيلسوفين جون جاك روسو وشوبنهاور اللذين جعلا من الرحمة والشفقة منطلقا للأخلاق، فحينما نرى طفلا يقترب من السقوط في بئر، فإننا نسارع لإنقاذه بعفوية ودون سؤال عن من هو الطفل ومن أين جاء ومن والده...؟ فالأمر فطري تماما وجزء من جبلتنا الأصيلة، بل حتى من نرى فيهم قسوتهم وغلظتهم، فهم فقط قد دربوا أنفسهم على قتل صوت الطبيعة فيهم. أما رابعا وأخيرا، يعد أصل الأخلاق بشريا خالصا، فهي صناعة تاريخية تمت مع احتكاك الإنسان بالعالم ومروره بظروف وتقلبه بين ثقافات متعددة، بل هي مجرد تمرد على العبثية وقسوة المصير الإنساني، لأن الإنسان هو فقط من يسعى إلى وضع المعنى في عالم يغيب عنه المعنى، فالكرامة والخير والعدل وكل القيم هي صرخة ضد مأساوية المآل الإنساني، وهذا رأي من آراء الوجودية وخصوصا عند ألبير كامي.
إذا اتجهنا صوب الفصل الرابع، فنجده يتحدث عن الأخلاق من حيث الواجب أو النتائج، بمعنى هل العبرة في اختيار السلوك يجب تكون لذات السلوك أو لنتائجه؟ فحينما أنقذ طفلا يغرق، لكن أفشل في ذلك! فهل أحكم على سلوكي بأنه فاضل؟ فيلسوف ككانط سيجيب بنعم. فالأساس هو الفعل الأخلاقي بصرف النظر عن النتائج. هذا تصور يدخل في إطار فلسفة «الواجب لذاته» لكن في مقابل ذلك هناك من لا يهتم بالسلوك إلا من جهة المردود المترتب عنه، فاختراع طبي مثلا تكمن قيمته من حيث ما سيجنيه كثير من المرضى من علاج على الرغم من أن مكتشف العلاج كان طامعا في الثروة. وبالطبع لا ينسى المؤلف أن يتحدث عن انعكاس هذين التصورين على مسألة السعادة وبشكل مباشر، فالتصور الذي يتحرك بمنطق الواجب لذاته قد يفضي إلى التعاسة والبؤس وليس بالضرورة إلى السعادة، فالأخلاق في هذه الحالة تأخذ منك أكثر مما تعطيك، فإن تعترف لأن الاعتراف فضيلة، قد يقودك إلى السجن مباشرة.
أما الفصلان الخامس والسادس فقد خصصهما المؤلف لما يسمى بالأخلاق التطبيقية وهي مختلفة عن الأخلاق العامة، على اعتبار أن هذه الأخيرة تحاول أن توضح المبادئ الكبرى وأسس الخير والشر التي يمكن من خلالها توحيد عمل الإنسان. أما الأخلاق التطبيقية والتي كثر استعمالها في السنوات الأخيرة، فهي محاولة لإلغاء الفجوة بين المبادئ العامة والحالات الملموسة الطارئة على البشرية. فظهور الأنظمة الشمولية، وتهديد البشر بالفناء، وتلوث البيئة وظهور التكنولوجيات الطبية والطفرة الهائلة في الهندسة الوراثية والتعديل الجيني... كلها أمور جديدة وغير معهودة عند الأجداد، وتحتاج تفكيرا جماعيا ودوليا واتفاقا في الأسس من أجل اختيار أفضل. واختيار الأفضل هي قضية الأخلاق الأولى. فلا هرب إذن، من الأخلاق!


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما
TT

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما» Simon Schama، في كتابه «قصة اليهود» The story of the Jews الصادر عن دار نشر «فينتغ بوكس» في لندن Vintige Books London، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين في دلتا النيل في مصر سنة 475 قبل الميلاد حتى نفيهم من إسبانيا سنة 1492 ميلادية. وهو يذكر أنهم في البداية كانوا عبيداً في مصر وطُردوا بشكل جماعي، وهم حتى اليوم يحتفلون بذكرى تحررهم من العبودية في مصر. وقد أمرهم إلههم بعدم العودة إلى مصر لكنهم عصوا أمره وعادوا مراراً وتكرارً إليها. واعتماداً على أسفار موسى الخمسة، وعلى آثار عمليات التنقيب في مصر، كانت بين يدي الكاتب مادة خصبة أعانته على جمع أدلة تفيده في نثر كتابه الذي يتناول مدة زمنية أسهمت في تكوين مصير مَن حُكم عليهم بالعيش حياة الشتات في الشرق والغرب.

ويذكر الكاتب أن اليهود عاشوا حياة الشتات، وأنهم أقلية مسحوقة دائماً بين قطبين، وبين حضارتين عظيمتين؛ بين الحضارة الأخمينية وحضارة الإغريق، بين بابل ووادي النيل، بين البطالمة والسلوقيين، ثم بين الإغريق والرومان.

وهكذا عاشوا منغلقين في قوقعة في أي مجتمع يستقرون فيه ، فمثلاً فترة انتشار الإمبراطورية الإغريقية وجدوا صعوبة في الحصول على المواطَنة الإغريقيّة لأنها كانت تعتمد على ثلاث ركائز: المسرح، والرياضة (الجيمانيزيوم) التي لا يمكن أن تتحقق من دون ملاعبَ العريُ التامُّ فيها إلزاميٌّ، الشيء الذي لا يتماشى مع تعاليم اليهودية، والدراسة الأكاديمية، التي لا يمكن أن يصلوا إليها.

صحيح أنهم عاشوا في سلام مع شعوب المنطقة (سوريين، وإغريقاً، وروماناً، وفُرساً، وآشوريين، وفراعنة، وفينيقيين) لكن دائماً كانوا يشعرون بأن الخطر على الأبواب، حسب الكاتب، وأي حدث عابر قد يتحول إلى شغب ثم تمرُّد ثم مجزرة بحقهم. ومن الطبيعي أن تتبع ذلك مجاعة وصلت أحياناً إلى تسجيل حالات أكل الأحذية وحتى لحوم البشر، ومذابح جماعية تشمل الأطفال والنساء وتدنيس المقدسات. ويضرب الكاتب هنا مثلاً بمحاولة انقلاب فاشلة قام بها القديس ياسون على الملك السلوقي أنطيوخس إبيفانيوس الرابع، فتحول هذا الأخير إلى وحش، وأمر بقتل كل يهودي في شوارع القدس وهدم المقدسات، وقدَّم الخنازير أضحية بشكل ساخر بدلاً من الخراف، وأجبر اليهود على أكل لحم الخنزير، وأخذ آلاف الأسرى لبيعهم في سوق النخاسة. وبعد فترة استقرار قصيرة في القدس، وأفول الحضارة الإغريقيّة لتحل مكانها الحضارة الرومانية، ذهب وفد من اليهود إلى الملك الروماني لمناشدته منح اليهود في القدس حكماً ذاتياً.

طبعاً هذه كانت مماطلة لا تُلغي وقوع الكارثة لكن تؤجلها. حتى إن الملك غاليكولا أمر ببناء تمثال له على هيئة إله وتنصيبه وسط معبد اليهود الذين كانوا يَعدّون ذلك من الكبائر.

حتى جاء اليوم الذي وقف فيه على أبوابها الملك الروماني بومبي الكبير فارضاً حصاراً دام عامين انتهى باصطحابه الأسرى اليهود مقيدين بالسلاسل لعرضهم في شوارع روما، تلت ذلك هجرة جماعية كانت آخر هجرة لهم. وهم فسروا ذلك بوصفه عقاباً إلهياً «لأنه لا يمكن أن يكون الله قد تخلى عنهم في وقت السلم كما في وقت الحرب. لأن السلم لم يكن سلم عزٍّ بل كان ذلاً».

وفي أوروبا العصور الوسطى، كان مفروضاً عليهم ارتداء شعار خاص لتمييزهم أيضاً عن باقي الناس، ومُنعوا من العمل في الوظائف الرسمية الحكومية مثل مهن الطبيب والمحامي والقاضي، حتى المهن الحرفية تم حرمانهم من التسجيل في نقاباتها. هذا بالنسبة ليهود الأشكنازي، أما بالنسبة ليهود إسبانيا السفاردي، فقد أصدرت الملكة إيزابيلا سنة 1492 (نفس سنة خروج الإسلام من إسبانيا) قانوناً لطرد اليهود من إسبانيا، ومنع اليهود من ارتداء الملابس الفاخرة، والتجول فقط في النهار، والعيش في أحياءً منعزلة، كما لا يحق لهم العمل مع المسيحيين أو العكس أو يكون عندهم خادمة مسيحية مثلاً، ومنعهم من امتلاك عقارات أو منح القروض إلا بشروط معينة...

لكن ما سبب هذا الاضطهاد بحق اليهود؟

حسب الكاتب، هناك سببان: أولاً وشايتهم إلى الملك الروماني وتحريضه لمحاكمة يسوع وهتافهم وقت صلبه «اقتلوه... اقتلوه»، أما السبب الآخر فهو أن الملكة إيزابيلا وضعت أمام اليهود الاختيار بين ثلاثة احتمالات: اعتناق المسيحية أو القتل أو الطرد، في حملةٍ لتطهير البلد من اليهودية. القليل من اليهود اعتنق المسيحية؛ خوفاً، وكان يطلق عليهم اسم «كونفرتو»، أو «المسيحيون الجدد»، لكن في السر استمروا في ممارسة طقوسهم اليهودية، وكان يطلق عليهم اسم «Marranos».

كتاب «قصة اليهود» لم يقتصر فقط على ذلك، فإلى إلى جانب فصول عن الحملات والحروب، هناك فصول عن اليهود في شبه الجزيرة العربية فترة النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، ويهود الأندلس، وصلاح الدين الأيوبي، ويهود مصر، وكذلك يهود بريطانيا، ويهود إسبانيا. وكذلك يفتح لنا الكتاب نوافذ على الحياة الاجتماعية والثقافية لشعوب ذاك الزمان، ويسرد تفاصيل الهندسة المعمارية بجماليّاتها خصوصاً لدى الإغريق، حيث اشتهرت عمارتهم بالأعمدة والإفريز والرواق والفسيفساء، الشيء الذي أخذه منهم اليهود.

لكنَّ هناك نقاطاً أخفق المؤلف في تسليط الضوء عليها أو طرحها في سياق المرحلة التاريخية التي يتناولها الكتاب، ومنها مرحلة حياة عيسى، عليه السلام، من لحظة ولادته حتى وقت محاكمته وصلبه، رغم أهميتها في مجريات الأحداث بتفاصيلها التي كانت انعطافاً كبيراً في تاريخ اليهود خصوصاً والعالم عموماً. ثانياً، وعلى الرغم من دقة وموضوعية المعلومات ورشاقة السرد، فإن الكاتب لم يذكر لحظات أو مراحل إيجابية عن حياة اليهود بقدر ما ذكر أهوال الحروب والحملات ضدهم وتوابعها عليهم.

وأعتمد المؤلف على المخطوطات parchments، أو رسائل على ورق البردي، وعلى قطع فخارية أثرية اكتُشفت في القرن الماضي ضمن حملات بتمويل حكومي ضخم لبعثات أثرية بريطانية وأميركية وفرنسية تسمى «Fact finding expenditures»، أي «بعثات البحث عن الحقيقة». وكذلك على وثائق تروي قصص ناس عاديين من عقود زواج أو ملفات دعاوى قضائية، بالإضافة إلى مؤلفات المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيو.