فضيحة «قناطير الكوكايين» تزعج الحكومة الجزائرية

سجن 12 شخصاً ومزاعم عن تورط «مسؤولين كبار»

TT

فضيحة «قناطير الكوكايين» تزعج الحكومة الجزائرية

اضطرت الحكومة الجزائرية للخروج عن صمتها، بعد حوالي شهر من التداول الإعلامي والجدل السياسي، بخصوص مزاعم عن «تورَط مسؤولين كبار» في قضية تهريب أكثر من 700 كلغم من الكوكايين، وهي شحنة صادرها خفر السواحل يوم 29 مايو (أيار) الماضي في عرض البحر وهي قادمة من ميناء فالنسيا بإسبانيا، متوجهة إلى ميناء وهران بغرب الجزائر. وانطلقت الباخرة المحملة بالمخدرات من البرازيل.
وخرج وزير العدل الطيب لوح، أمس، عن صمته، بإيعاز من رئاسة الجمهورية، لـ«وضع القضية في إطارها الصحيح»، بحسب تصريحات أطلقها في البرلمان خلال لقائه بصحافيين. وكشف الوزير أن النيابة أمرت بسجن 12 شخصاً على ذمة التحقيق، في قضية مصادرة شحنة المخدرات الصلبة، التي جاءت على ظهر باخرة ليبيرية من البرازيل، مصحوبة بأطنان من اللحوم الحمراء، استوردها رجل أعمال معروف في البلاد.
ومن بين الموقوفين على ذمة التحقيق في القضية صاحب البضاعة كمال شيخي، بالإضافة إلى اثنين من أشقائه، وأحد شركائه في مشروعات عقارية ضخمة. كما تم توقيف قاضيين يُشتبه في علاقتهما بتمكين شيخي من تسهيلات وامتيازات هامة من أجل الفوز بمشروعات في المزاد العلني. وفضائح العقار التي ارتبطت بشيخي، تم اكتشافها، بحسب لوح، بناء على التحريات القضائية في القضية الأولى، وهي كمية الكوكايين المصادرة. وهدد وزير العدل قطاعاً من الإعلام بالمتابعة القضائية على إثر نشر أسماء قضاة على أساس أنهم ضالعون في «تطويع القانون»، ليفوز شيخي بصفقات عقارية، في مقابل تلقي رشى وعمولات. وقال الوزير إن هؤلاء «أبرياء وقد تم التشهير بهم بسبب نشر أسمائهم في الصحافة، ما ألحق بهم وبعائلاتهم ضرراً معنوياً، ومن حقهم إطلاق متابعات قضائية ضد من أساؤوا لهم من الصحافيين».
وأوضح وزير العدل أن النائب العام وقاضي التحقيق بمحكمة الجزائر العاصمة «كانا بصدد الاشتغال على قضية المخدرات، وظهر أثناء استجواب المشتبه بهم، أن هناك أنشطة مشبوهة تُورّط المتهم الرئيسي (كمال شيخي)، ويتعلق الأمر بتسهيلات وامتيازات حصل عليها بفضل موظفين عموميين في قطاع السكن والعمران». وتحدث لوح عن «تبييض أموال ضخمة» في هذه القضية، فيما قدّرت قيمة كمية الكوكايين المحجوزة بـ70 مليون دولار.
ومن بين المشتبه في ضلوعهم في الشق الثاني من القضية، نجل وزير سكن سابق ورجل أمن يشتغل سائقاً شخصياً لمسؤول كبير في جهاز الشرطة، وهما منذ أسبوع في الحبس الاحتياطي، لكن الوزير لوح لم يذكر ذلك كما لم يذكر أن قاضيين يوجدان في السجن على ذمة التحقيق، كانا على صلة بشيخي. وشدد وزير العدل على أن رئيس الجمهورية «لن يقبل بإفلات أحد من العقوبة، في حال ثبت تورطه في هذه القضية. وأنا كوزير سأحرص على أن يأخذ القانون مجراه في هذه القضية». وأعلن إطلاق «إنابات قضائية» باتجاه القضاء في إسبانيا والبرازيل (وهما بلدان على صلة بشحنة الكوكايين)، لمعرفة الجهات أو الأشخاص الذين لهم صلات مفترضة مع قضية الكوكايين. يشار إلى أن شيخي يموّن وزارة الدفاع ومئات الثكنات العسكرية باللحم المستورد، وتوجد شكوك في تورط مسؤولين عسكريين في أنشطته التجارية إذا ما ثبت أنها مشبوهة.
واحتجت نقابة القضاة على ما اعتبرته «أخباراً لا تقوم على أساس» نشرتها وسائل إعلام «من دون تمحيص ولا محاولة للتأكد من صحتها»، ما أدى إلى «التشهير بقضاة والمساس بسمعتهم».



انقلابيو اليمن يشعلون مزيداً من الصراعات القبلية

غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يشعلون مزيداً من الصراعات القبلية

غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)

بالتزامن مع بيانات أممية أكدت اتساع رقعة الفقر في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، تواصل الجماعة المدعومة إيرانياً إشعال الصراعات القبلية التي تحولت إلى أحد مصادر كسب الأموال لدى قادتها، إلى جانب إشغال فئات المجتمع بالصراعات البينية لتجنب أي انتفاضة شعبية نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية.

وذكرت مصادر قبلية أن وجهاء محليين في محافظة الجوف (شمال شرقي صنعاء) أبرموا اتفاقاً للهدنة بين قبيلتي «المعاطرة» و«ذو زيد» بعد أسبوع من المواجهات القبلية التي أدت إلى وقوع 16 قتيلاً وجريحاً من الجانبين.

عناصر حوثيون في صنعاء خلال حشد دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)

وأوضحت المصادر أن الوسطاء أعادوا فتح الطرقات بين منطقتي المواجهة التي تأتي في سياق تغذية الصراعات القبلية في المحافظة لإضعاف القبائل وإبعادها عن أي مواجهة مرتقبة مع الحوثيين.

واندلعت الاشتباكات - بحسب المصادر - نتيجة خلافات قبلية على ملكية جبل يسمى «نهم» يفصل بين القبيلتين، ويدَّعي كل طرف ملكيته، لكنها اتهمت قيادات في جماعة الحوثي بالوقوف خلف تلك الاشتباكات بعد تغذيتها للخلافات بين الطرفين منذ ما يقارب الشهرين، وعدم فصلها فيها رغم لجوء الطرفين إلى المشرفين الحوثيين هناك.

نزاع في إب

وفي مديرية الشعر التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) قام القيادي الحوثي أشرف الصلاحي، وهو المسؤول عن إدارة المديرية، بشن حملة لاختطاف العشرات من السكان، وتغذية خلافات بين عائلتي «شهبين» و«عبية» على خلفية السعي لافتتاح طريق فرعي يمر عبر أراضٍ زراعية تملكها الأولى، رغم وجود طريق رئيسي تم تعبيده على نفقة السكان، ويُستخدم منذ عشرات السنين.

ووفقاً لما ذكره سكان في المنطقة التي تعد واحدة من بؤر المعارضة لسلطة الحوثيين، نشب خلاف بين الأسرتين في قرية «الشريحيين» بعزلة الأملوك حول استحداث طريق إضافي في المنطقة، حيث رفضت عائلة «شهبين» ضغوط القيادي الحوثي الصلاحي المعين مديراً للمديرية لفتح الطريق بقوة السلاح.

حملة عسكرية أرسلها الحوثيون لنصرة طرف ضد آخر في محافظة إب (إعلام محلي)

وأكد السكان أن الوضع في طريقه للانفجار في ظل إصرار القيادي الحوثي على انحيازه إلى أحد الأطراف، والحصول على أموال مقابل ذلك الموقف، وتمسُّك المعارضين بموقفهم.

وطبقاً لما روته مصادر قبلية متعددة لـ«الشرق الأوسط»، فإن المسؤولين الحوثيين في معظم المناطق يعتمدون على الجبايات في جمع الأموال، وتدبير نفقاتهم وإدارتهم، حيث يرغمون السكان على دفع نفقات تحرك أفراد الشرطة لمعاينة أي حادثة أو إحضار أحد المطلوبين، كما يحرصون على أن يكونوا محكمين في أي قضايا خلافية بين السكان للحصول على مبالغ مالية والحيلولة دون وصول هذه القضايا إلى المحاكم.

العبث بالقضاء

كانت الجماعة الحوثية قد شكلت قبل عامين ما سمته «المنظومة العدلية» بقيادة محمد علي الحوثي، ابن عم زعيم الجماعة، بهدف إدارة المحاكم والقضاة ومراقبتهم، واتخاذ العقوبات اللازمة بحقهم.

وأخيراً منحت الجماعة نفسها من خلال التعديل الأخير على قانون السلطة القضائية، حق تعيين معممين طائفيين قضاة في المحاكم، كما أضافت مادة إلى القانون تمنح هؤلاء القضاة حق معاقبة المحامين بالمنع من الترافع لمدة 3 أعوام إذا رأوا أن مرافعاتهم لا تسير وفق هوى الجماعة.

ابن عم زعيم الجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء (أ.ف.ب)

التعديلات التي قوبلت باعتراض رسمي وشعبي واسع رفضتها نقابة المحامين اليمنيين؛ إذ عبّرت عن أسفها من إقدام ما يسمى مجلس النواب في صنعاء الذي يضم عدداً لا يزيد على 40 فرداً أغلبهم تم انتخابهم من قِبل الحوثيين بعد وفاة الأعضاء الأساسيين، على إقرار مشروع التعديل الخاص بقانون السلطة القضائية دون نقاش.

وبينما أكدت النقابة تمسُّكها الكامل بموقف المحامين الرافض للتعديلات القانونية برمتها، وإدانة تمرير المشروع، رأى محامون أن إفراغ القضاء والعد التنازلي لإنهاء استقلاله في مناطق سيطرة الحوثيين بدأ منذ قبول ما يسمى مجلس القضاء «الخضوع والتماهي مع مخططات الجماعة»، وإجبار القضاة على حضور دورات طائفية حتى يحافظوا على فتات لقمة العيش التي يحصلون عليها.

ووصف المحامون تلك التعديلات التي أُدخلت على قانون السلطة القضائية بأنها نتيجة التنازلات المؤلمة التي أصبح ضحيتها الشعب بأكمله.

اشتداد الفقر

تأتي هذه الممارسات الحوثية بينما لا يزال انعدام الأمن الغذائي مرتفعاً، حيث يعاني واحد من كل اثنين من الأسر من استهلاك غير كافٍ للغذاء، في حين تأثرت نحو 43 في المائة من الأسر في مناطق سيطرة الجماعة بشكل كامل.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن درجة استهلاك الغذاء الرديئة، وهي مقياس للحرمان الشديد من الغذاء، تعكس مستويات مثيرة للقلق حيث تأثرت نحو 20 في المائة من الأسر سلباً، وفق ما ورد في بيانات أممية حديثة.

مع اتساع رقعة الفقر يخشى الحوثيون من انتفاضة شعبية (الأمم المتحدة)

وطبقاً لبيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) فإن انعدام الأمن الغذائي في مناطق سيطرة الحوثيين يرجع في المقام الأول إلى خفض المساعدات الإنسانية، ما يؤثر في أولئك الذين اعتمدوا عليها بشكل كبير، جنباً إلى جنب مع الفيضانات الأخيرة والانحدار العام في سبل العيش.

وأدى ذلك - وفق المنظمة الأممية - إلى صدمات للأسر وفقدان الدخل في تلك المناطق، حيث أثرت على نحو 59 في المائة من الأسر، وهي نسبة أعلى بكثير مقارنة بالشهرين الماضيين، أما في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية، فقد واجهت نحو 53 في المائة من الأسر صدمات خلال شهر.