ولي العهد الأردني يصطحب الأمير ويليام إلى جرش الأثرية

محطات كثيرة لزيارة الأمير البريطاني شملت احتفالاً بعيد الملكة وزيارة إلى كتيبة عسكرية

TT

ولي العهد الأردني يصطحب الأمير ويليام إلى جرش الأثرية

اصطحب نائب الملك ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، أمس، الأمير ويليام دوق كمبردج، في زيارة إلى مدينة جرش الأثرية، التي تعد أكبر مدينة رومانية متكاملة المرافق على مستوى العالم، خارج إيطاليا.
وجال الأميران في مواقع المدينة الزاخرة بالمعالم الأثرية والتاريخية، مثل «معبد أرتيمس، وشارع الأعمدة، والمسرح الشمالي، والمدرج الروماني. كما تابعا في المدرج الجنوبي عدداً من الفعاليات والعروض الشعرية والكرنفالية والفلكلورية التي قدمها أطفال وشباب من محافظة جرش، وشارك معهم مجموعة أطفال من اللاجئين السوريين، المستفيدين من برنامج «مكاني» إحدى مبادرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) المخصص لدعم الأطفال في الأردن.
واطلعا على الخدمات التي يقدمها برنامج «مكاني» الهادف إلى توفير بيئة آمنة وصحية للأطفال ضمن ثلاثة محاور، هي النشاطات اللامنهجية، ومهارات الحياة، والدعم النفسي والاجتماعي. وتبادل الأمير ويليام الحديث مع عدد من أسر اللاجئين السوريين الذين تواجدوا في المكان، حول الخدمات التي تقدم لهم من قبل منظمة «يونيسيف» في الأردن.
كما زار الأمير ويليام أمس الموقع السياحي في منطقة المشيرفة بمدينة كفرنجة في عجلون شمال الأردن، حيث اطلع على مرافق المتنزه السياحي الذي يضم عدداً من المشروعات الاجتماعية والتنموية والإنتاجية، منها مختبر تقطير الوردة الشامية والنباتات العطرية، ومطبخ تقليدي، ومعرض لعرض منتجات سيدات كفرنجة، ومنطقة حرفية لإحياء الحرف التقليدية في المنطقة. ويعتبر هذا المشروع من المشروعات السياحية الرائدة وموقعاً سياحياً مؤثراً كخدمة المجتمع في محافظة عجلون بإشراف «مؤسسة الأميرة تغريد للتنمية والتدريب» وبالتعاون مع جمعية المبدعات ودعم صندوق الأمم المتحدة الإنمائي UNDP.
كما اطلع على البيت الريفي ومعارض المنتجات، منها صناعة الصابون والقش والأكلات الشعبية وخبز الطابون.
كما زار الأمير ويليام كتيبة رد الفعل السريع -81، إحدى كتائب لواء رد الفعل السريع بموقعها الجديد في المنطقة العسكرية الشمالية برفقة ولي العهد الأردني، وكان في استقبالهما، لدى وصولهما إلى موقع الكتيبة، قائد لواء رد الفعل السريع العميد الركن زيد العضايلة.
واستمع الأميران إلى إيجاز قدمه قائد الكتيبة المقدم الركن خلدون الكعابنة عن موقع الكتيبة الجديد، وما يتمتع به من طبيعة ومعالم جغرافية تساعد على العملية التدريبية لمنتسبي الكتيبة للوصول بهم إلى أعلى مستوى من الكفاءة التدريبية والقتالية.
وكان جدول الأميرين حافلا يوم أول من أمس أيضاً، حيث صحب الأمير الحسين الأمير ويليام في زيارة إلى مؤسسة ولي العهد التي تعنى بإدارة مبادرات ولي العهد للشباب. والتقى الأمير الحسين والأمير ويليام، خلال الزيارة التي تضمنت جولة في مختبر مصنع الأفكار، إحدى مبادرات المؤسسة، عدداً من شباب مبادرات ولي العهد، الذين عرضوا مشروعاتهم التي تم العمل على إعدادها وتنفيذها.
وقدمت المديرة التنفيذية لمؤسسة ولي العهد، الدكتورة تمام منكو، شرحاً عن محاور عمل المؤسسة والمبادرات التابعة لها، ومرافق مصنع الأفكار، وهو مختبر مخصص للتصنيع الرقمي FabLab، يهدف إلى تشجيع التعليم التقني وتعزيز منظومة الابتكار في الأردن من خلال الجمع بين الشباب والأفكار والموارد.
وعرض طلبة من جامعة الحسين التقنية التابعة للمؤسسة مشروعات هندسية قاموا بتنفيذها وهي ذراع روبوتية متعددة المحاور، والروبوت الرسام، وآلة البيع، ونظام طيارة دون طيار ذاتية التحكم، وذراع روبوتية يتم التحكم بها بعضلات الذراع. كما عرض فرسان مبادرة حقق، إحدى مبادرات المؤسسة الهادفة لتعزيز مفاهيم القيادة والعمل التطوّعي لدى الشباب، مشروع متحكم بلوتوث للإنارة، ومشروع نظام تتبع للخلايا الشمسية، في حين عرض طلبة مبادرة مسار الهادفة إلى إطلاق أول قمر صناعي أردني مصغّر، النموذج التشبيهي للقمر الصناعي الذي تم العمل على تصميمه وتنفيذه بأيادٍ أردنية.
وخلال الزيارة، تواصل الأمير الحسين والأمير ويليام، من خلال اتصال تلفزيوني عبر شبكة الإنترنت، مع شباب أردنيين ممثلين عدداً من الأندية الإبداعية والثقافية في مناطق عدة من المملكة. وتسلم الأمير ويليام من رئيس مجلس أمناء مؤسسة ولي العهد، الدكتور فواز حاتم الزعبي، هدية تذكارية، عبارة عن نموذج لمجسم تم تصنيعه في مختبر مصنع الأفكار
ومساء أول من أمس، رعى دوق كمبردج الاحتفال الذي أقامه السفير البريطاني إدوارد أوكدن في منزله، بمناسبة عيد ميلاد الملكة إليزابيث الثانية الـ92، بحضور عدد من الأمراء والمسؤولين والأعيان والنواب والسفراء والمدعوين. وقال الأمير ويليام، خلال الحفل، إن العلاقات الملكية بين البلدين تمتد عبر الأجيال، مشيراً إلى أن جدته والملك الراحل الحسين قد تسلما العرش في العام نفسه 1952، وتفصلهما فترة شهر واحد، وإن الملكة حتى اليوم تتحدث باعتزاز عن رابطة الصداقة الخاصة التي كانت قائمة بينهما، مؤكداً أنه يتطلع إلى مواصلة تعزيز هذه العلاقة بين عائلتينا في السنوات المقبلة.
وقال، إن زوجته لم تستطع الحضور معه في هذه الزيارة بعد أن وضعت مولودها، لكن عائلتها تتذكر باعتزاز قرابة ثلاث سنوات التي قضتها هنا طفلةً عندما كان والدها يعمل لدى الخطوط الجوية البريطانية في عمان.
وأضاف: «تجربة كاترين ليست فريدة - التبادل بين بلدينا عميق وعميق: العمل والدراسة والسياحة والروابط العائلية، وإن علاقاتنا وصداقتنا التاريخية يتم تمثيلها في حياة الآلاف من الناس الذين يعتبرون كلا البلدين الوطن».
وزاد: إن الروابط بين شبابنا هي التي تثيرني قبل كل شيء؛ لأنها تظهر بوضوح ما نحن قادرون على تحقيقه معاً، مشيراً إلى أن زيارته فرصة لمقابلة الكثير من الشباب الأردنيين الموهوبين.
وأكد أن بريطانيا تعمل بشكل وثيق مع الأردن للمساعدة في تمكين الشباب وخلق فرص العمل وتعزيز الاقتصاد.
ونقل إلى المشاركين رسالة من الملكة والأمير فيليب تضمنت تحياتهما، وتستعرض ذكرياتهما الجميلة عند زيارتهما الرسمية للأردن عام 1984؛ حيث تمكنا من استكشاف تاريخ البتراء وتجربة سحر وحسن ضيافة عمان والعقبة. وأضافت الملكة، في الرسالة: «يسعدني أنه بعد مرور 34 عاماً، سيكون دوق كمبردج قادراً على تجربة الترحيب القلبية التي تلقيناها في الأردن بنفسه في عام 1984».
وكان الحفل بدأ بالسلامين الملكيين الأردني والبريطاني، وألقى السفير البريطاني كلمه ترحيبية، أشار فيها إلى أهمية هذه الزيارة التي تأتي في إطار العلاقات المتميزة بين البلدين.
يذكر أن الأمير ويليام وصل أول من أمس (الأحد) إلى مطار ماركا العسكري في زيارة للمملكة الأردنية تستغرق يومين، كان في استقباله الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، وعدد من المسؤولين المدنيين والعسكريين، والسفير البريطاني في عمان وأعضاء السفارة.


مقالات ذات صلة

ميغان ماركل «الطباخة»... في مسلسل

يوميات الشرق ابتسامةٌ للحياة (أ.ف.ب)

ميغان ماركل «الطباخة»... في مسلسل

أعلنت ميغان ماركل عن بدء عرض مسلسلها المُتمحور حول شغفها بالطهو، وذلك في 15 يناير (كانون الثاني) الحالي عبر منصة «نتفليكس».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لقطة من فيديو تُظهر الأمير هاري يمارس رياضة ركوب الأمواج (إنستغرام)

الأمير هاري يصطحب نجله آرتشي في رحلة ركوب أمواج بكاليفورنيا

نُشرت لقطات للدوق البالغ من العمر 40 عاماً وهو يرتدي بدلة سباحة سوداء برفقة الطفل البالغ من العمر 5 سنوات في مدرسة ركوب الأمواج في كاليفورنيا.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا (الولايات المتحدة))
أوروبا ملك بريطانيا تشارلز الثالث والملكة كاميلا خلال وصولهما قداس عيد الميلاد في كنيسة مريم المجدلية في نورفولك بإنجلترا (أ.ب)

في رسالة عيد الميلاد... الملك تشارلز يشكر الفريق الطبي على رعايتهم له ولكيت (فيديو)

وجّه الملك تشارلز الشكر إلى الأطباء الذين تولوا رعايته ورعاية زوجة ابنه كيت أثناء تلقيهما العلاج من السرطان هذا العام، وذلك في رسالة بمناسبة عيد الميلاد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الملك تشارلز في زيارة لمصنع الشوكولاته (غيتي)

الملك تشارلز يسحب الضمان الملكي من شركة «كادبوري» بعد 170 عاماً

ألغى الملك البريطاني تشارلز الثالث الضمان الملكي المرموق لشركة كادبوري بعد 170 عاماً، على الرغم من أنها كانت الشوكولاته المفضلة لوالدته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الملك البريطاني تشارلز (أ.ف.ب)

علاج الملك تشارلز من السرطان... هل ينتهي هذا العام؟

كشفت شبكة «سكاي نيوز»، اليوم (الجمعة)، عن أن علاج الملك البريطاني تشارلز من السرطان سيستمر حتى العام الجديد.

«الشرق الأوسط» (لندن)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)