مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة يحتفي بـ«معارف الأسلاف»

الدورة الـ24 تشهد مشاركة موسيقيين ومنشدين من أفريقيا وأوروبا وآسيا وأميركا

الاميرة للا حسناء لدى افتتاحها مهرجان فاس
الاميرة للا حسناء لدى افتتاحها مهرجان فاس
TT

مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة يحتفي بـ«معارف الأسلاف»

الاميرة للا حسناء لدى افتتاحها مهرجان فاس
الاميرة للا حسناء لدى افتتاحها مهرجان فاس

تحت شعار «معارف الأسلاف»، تتواصل في مدينة فاس فعاليات الدورة الـ24 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، برعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، وذلك لغاية 30 يونيو (حزيران) الحالي، ببرمجة غنية تربط بين موروث حرفي فريد تعد ركيزته الأساسية المعطى الروحي والإبداع المعاصر الذي يفتح الباب أمام آفاق جد واعدة.
انطلقت التظاهرة، بافتتاح تمحور حول «معارف الأسلاف»، شعار الدورة، ترأسته الأميرة للا حسناء، شقيقة العاهل المغربي. اقترح مقاربة شعرية وموسيقية كبرى للعلاقة المميزة القائمة في فاس المغربية بين المعمار والصناعة التقليدية والفرق الصوفية والحرف اليدوية.
يشكل المهرجان الذي يعرف مشاركة موسيقيين ومنشدين من أفريقيا وأوروبا وآسيا وأميركا، حسب منظميه، فرصة فريدة للاستماع إلى هؤلاء الفنانين في عدد من المواقع في المدينة: ساحة باب الماكينة، ساحة بوجلود، جنان السبيل والقصور الفخمة التي تبدو خارج سياق الزمن، مثل دار عديل ودار التازي.
من جانبه، أوضح عبد الرفيع زويتن، رئيس مؤسسة المهرجان، أن دورة هذه السنة ستربط «بين التراث الصناعي الاستثنائي الذي سيبقى حجره الأساسي الروحانية وبين الإبداع المعاصر مانحاً آفاقاً جد واعدة»، من خلال برمجة موسيقية لأكثر من عشرين دولة، وانطلاقاً من التضامن الدولي مع كوران بريكوفيتش ورسائله إلى سراييفو، وعبوراً بـ«ديوان الجمال والغرابة» للتونسي ظافر يونس الذي يجاور بين الموسيقى العريقة والتنويم الصوفي وفن الجاز المعاصر؛ والنسيج الموسيقي لجوردي سافال في عرض تحت عنوان «ابن بطوطة»؛ وأورفوس 21 و«موسيقى من أجل الحياة والكرامة»؛ والرّقص التعبدي التيراتاني من الهند؛ ومجموعة تري بوساكا ساكلي في مسرح ورقص البالي؛ وطائر النار، موسيقى وشعر صوفي من الشرق والغرب؛ وغناء السفرديين من المقدس إلى المدنس؛ إلى صوفيتو دو كوسبل شوار من جنوب أفريقيا، في عرض بعنوان «في قلب أفريقيا الصوفية»، ومجموعة منتودي مولد من زنجبار، لتخلد الدورة روح المدينة بفضل التفرعات المختارة بين مختلف التقاليد والثقافات التي تشكل أساس تاريخ المغرب، فيما سيعرف المنتدى الذي سيقام بالتوازي، مشاركة باحثين وكتاب وفلاسفة، بينهم إدغار موران وإزا جينيي وأحمد عيدون وسيمون الباز وفريدييك كالمس وجيرار كوردجيان ورايموند بنحاييم وبيرلا كوهين وفيديريكا فان إنغن والمعطي قبال، يبرزون روح التسامح والتعايش من خلال الفنون والموسيقى، انطلاقاً من ثلاثة محاور تؤطر التدخلات، تشمل «الجماليات والرموز» و«طريقة ونطاق الحياة الاجتماعية» و«فنون وإبداعات».
ويقول المنظمون إن مؤسسة روح فاس، وهي تحتفل بمعارف الأسلاف، تسهر على «تكريم القيم العظيمة للروحانيات التي هي ثمرة الإنسان المحترم لنفسه وللآخرين والمتواضع والهادئ والخلاق بشهادة الحياة التي ربطت الأجيال تلو الأجيال»، مع الإشارة إلى أنّ «الهدف ليس هو مدح الماضي واسترجاع بطولات الأجداد بل التكريم والمشاركة في الحيوية والاستمرارية وفي عبقرية هذه المعارف والعلوم التي تتغير من دون أن تفقد طبيعتها وجوهرها التي تتطور وتتأقلم وهي محتفظة بروحها وماهيتها».
وتروم دورة السنة الجارية العمل على استدامة روح المدينة، بفضل التقاطعات الموجودة بين مختلف العادات الثقافية التي تشكل بوتقة تاريخ المغرب، ولكن أيضاً الحرفية التي تعدّ أصل النسيج الاجتماعي الذي يؤلفها.
ويتطلع المهرجان الذي يشكّل رمزاً للحوار بين الأديان والثقافات، إلى تحفيز التفكير والدعوة إلى التبادل وطرح التساؤلات الضرورية في عالم يعيش تحولات اقتصادية وسياسية واجتماعية.
ويقول عبد الرفيع زويتن، إنّ التظاهرة تساهم منذ أربعة وعشرين سنة في «الحوار بين المقدس عبر منتداه الأسطوري وبين إبراز الفنون والموسيقى»، مشدداً على أنّ المهرجان «بتجسيده لرمز حوار الأديان والثقافات يرفع من درجات التأمل محفزاً على التبادل وطرح الأسئلة الضرورية في عالم متغير اقتصاديا وسياسيا واجتماعياً».
ويرى زويتن أنّ مهرجان فاس يعكس صورتها: «الدخول عبر أبوابها هو وسيلة لتغمر نفسك في تقاليد الألفية، وقيم التسامح والروحانية. الأجيال تعبر أمامك على مرّ القرون، لكنّ المدينة حافظت على استمرارية روحها، وذلك بفضل تشعبات التقاليد الثقافية المختلفة التي تشكل بوتقة تاريخ المغرب، ولكن أيضاً بكل ما له صلة بالصناعة الحرفية التي توجد وراء النسيج الاجتماعي وتتعاقب الأجيال عبر الزمن لكنّ روح المدينة تبقى أزلية بفضل التفرعات المصونة بين التقاليد والثقافات المختلفة العميقة في تاريخ المغرب، لكن أيضاً بفضل صناعاتها التقليدية التي تعبر عن أصل النسيج الاجتماعي الذي يشكلها. وهذه القدرة على إبراز تراثها الصناعي الوطني الذي هو غني خاصة في فاس، سمح للمغرب كسب إشعاع عالمي من دون منازع».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».