وافق مهاجم المنتخب الإنجليزي السابق والصحافي الحالي ستان كوليمور على التحدث معي لكنه اشترط أن يكون هذا الحوار عبر الهاتف لأنه يقود سيارته إلى معسكر تدريب المنتخب الإنجليزي في سانت جورج بارك من أجل المشاركة في اليوم المخصص للإعلاميين للتعرف على آخر استعدادات المنتخب الإنجليزي قبل انطلاق المونديال. لذلك اتصلت به في الساعة الواحدة بعد الظهر وتواصلت معه على الفور، لكن الصوت كان سيئا وكنت أخشى من ألا تجري المقابلة بشكل جيد.
لكن سرعان ما زال القلق بعد أن تحسن الصوت، وبدأ كوليمور يتحدث باستفاضة وحماس وصراحة وذكاء وبطريقة مثيرة للجدل حول موضوع يعني الكثير بالنسبة له، وهو العنصرية. وكان كوليمور لديه الكثير من الأشياء التي يود أن يقولها والكثير من النقاط التي يرغب في أن يثيرها في هذا الصدد. ربما لن تكون التصريحات التي أدلى بها كوليمور مفاجئة بالنسبة لأكثر من 892 ألف متابع له على حسابه على موقع «تويتر»، لأن كوليمور، البالغ من العمر 47 عاماً، دائما ما يستخدم «تويتر» للحديث عن آرائه حول مجموعة من الموضوعات المختلفة - بما في ذلك العنصرية. وتطرق كوليمور، الذي كان يوما ما أغلى لاعب كرة قدم في بريطانيا ويعمل الآن مقدما لبرنامج متخصص في كرة القدم على قناة «آر تي» التلفزيونية الحكومية الروسية، إلى هذه القضية مرة أخرى خلال في أعقاب تعيين فرانك لامبارد مديرا فنيا لنادي ديربي كاونتي.
وعقد كوليمور مقارنة بين قدرات لامبارد كمدرب وكلاعب من جهة وبين قدرات زميليه السابقين في المنتخب الإنجليزي ستيفن جيرارد وسول كامبل، وأشار إلى أنه على الرغم من كونهم شبه متطابقين، فإن اثنين فقط نجحا في الدخول في عالم التدريب رغم أن الثلاثة كانوا يبحثون عن العمل في هذا المجال، في إشارة واضحة على أن سول كامبل لم يتمكن من العمل كمدير فني مثل لامبارد وجيرارد بسبب بشرته السمراء. وكما هو الحال مع التغريدات التي يكتبها على موقع «تويتر»، تعرض كوليمور لانتقادات عنيفة بعد هذه التصريحات، وهو ما جعله ينشر تغريدة أخرى على «تويتر» يقول فيها: «إن مقدار العنصرية العلنية وعدم الاحترام واللامبالاة تجاه العرق الأسود والآسيوي والبريطانيين من ذوي العرقيات المختلطة قد وصل في رأيي إلى أعلى مستوياته منذ أن كنت طفلا. إنها لحظات حزينة في حقيقة الأمر».
وعندما سالت كوليمور عن هذه التغريدة، رد قائلا: «أبي من جزيرة بربادوس، ووالدتي بيضاء، وقد نشأت في كانوك، التي كان البيض يمثلون 99.9 في المائة من عدد سكانها، ولا يزال الأمر كذلك. لذلك، عندما يتهمني الناس باستغلال قضية العنصرية، فعن أي شيء يتحدثون؟ هل يتحدثون عن نشأتي على يد أم بيضاء بين أصدقاء جميعهم من البيض ودراسة تاريخ البيض في المدرسة؟ أم يتحدثون عن الطريقة التي عوملت بها بسبب الشيء الوحيد الذي يجعلني مختلفاً عن الناس من الطبقة العاملة البيضاء، وهو بشرتي السوداء؟».
وأضاف: «لقد رأيت أمي يتم تجاهلها من قبل جيرانها ويوضع لها فضلات الكلاب في صندوق رسائلها. وأتذكر أنني عندما كنت في السادسة من عمري قد تم تجريدي من ملابسي وأجبرت على ركوب دراجتي وكان الأطفال ينادونني بالزنجي. لقد كانت هناك عنصرية علنية بشكل يومي وقد رأيت ذلك بنفسي. لذلك أنا أعرف ما أتحدث عنه جيدا». وقد تحدث كوليمور بغضب شديد، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه ما زال يتعرض لانتقادات كبيرة بسبب مقالة رأي كتبها في صحيفة «ديلي ميرور». وفي تلك المقالة، تحدث كوليمور عن لامبارد وجيرارد وكامبل من خلال الدعوة إلى تطبيق قانون روني (قانون يلزم الأندية بأن تجري مقابلة شخصية مع مرشحين من السود أو ذوي العرقيات الأخرى للوظائف المتعلقة بالتدريب) في الدوري الإنجليزي الممتاز والدوريات الأدنى في إنجلترا.
وكتب كوليمور يقول: «إن أكثر مرة اقترب فيها سول كامبل، وهو أحد أكثر لاعبينا تميزاً، من الحصول على وظيفة كبرى كانت تتمثل في العمل كمساعد للمدير الفني لمنتخب ترينيداد وتوباغو. وفي المقابل، تولى فرانك لامبارد تدريب نادي ديربي كاونتي، كما تولى ستيفن جيرارد تدريب نادي رينجرز الاسكوتلندي. وتولى جوي بارتون تدريب نادي فليتوود تاون. ويجعلنا هذا نطرح التساؤل التالي: ما هو القاسم المشترك؟ لقد حان الوقت الآن لتطبيق قانون روني، بالشكل الذي يضمن للأقليات العرقية التمثيل المناسب في المناصب الإدارية». وقال كوليمور: «في آخر إحصاء كان هناك 609 تعليقات على التغريدة التي نشرتها على (تويتر) حول هذه المقالة. وجاءت غالبية هذه التعليقات، بقدر ما أستطيع أن ألاحظه من ملفاتهم الشخصية، من أشخاص بيض البشرة يطلبون مني أن أتوقف عن الحديث عن العنصرية. وهذا يدعم وجهة نظري بأن المزاج العام على وسائل التواصل الاجتماعي قد أصبح أكثر قتامة».
وحتى أولئك الذين لا يوافقون على آراء كوليمور لا يمكنهم إنكار أن كرة القدم الإنجليزية تواجه مشكلة كبيرة فيما يتعلق بالتمييز العنصري. ويجب الإشارة إلى أنه لا يوجد حاليا سوى خمسة مديرين فنيين سود وآسيويين ومن ذوي الأقليات العرقية يعملون في 92 نادياً محترفاً في جميع أنحاء البلاد - كريس هيتون مع نادي برايتون، ونونو اسبريتو سانتو مع نادي ولفرهامبتون واندررز، ودارين مور مع نادي وست بروميتش ألبيون، وكريس باول مع نادي ساوث إند يونايتد، ودينو مامريا مع نادي ستيفنيغ تاون.
ووفقاً للأرقام التي ذكرها جوناثان ليو، كاتب رياضي بصحيفة «الإندبندنت»، في مقالة له في الآونة الأخيرة فإن هناك اتجاها تاريخيا مثيرا للقلق: منذ عام 1990، كان واحد من بين كل أربعة لاعبين معتزلين في إنجلترا من السود والآسيويين وذوي الأقليات العرقية، لكن عدد السود والآسيويين وذوي الأقليات العرقية الذين يعملون في وظائف إدارية بعد اعتزالهم يصل إلى شخص واحد فقط بين كل سبعة أشخاص. وهو ما يعيدنا مرة أخرى إلى سول كامبل، الذي يسعى للحصول على منصب إداري منذ أكثر من عام. لكنه لم يتمكن من الحصول على عمل حتى الآن، على الرغم من حصوله على رخصة تدريب من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وامتلاكه لخبرة في عالم التدريب من خلال تولي منصب مساعد المدير الفني لمنتخب ترينيداد وتوباغو، على حد قول كوليمور.
ويقول كوليمور إن منتقدي سول كامبل، البالغ من العمر 43 عاماً، يرون أنه شخصية غير محبوبة ومغرورة وغريبة الأطوار وفجة، وهو الأمر الذي يطغى على إنجازاته كلاعب ومشاركته في 73 مباراة دولية مع المنتخب الإنجليزي وحصوله على الدوري الإنجليزي الممتاز مرتين مع آرسنال وكونه أحد أفضل المدافعين في جيله في كرة القدم الإنجليزية.
لكن كوليمور يرى أن الأمر ليس كذلك، ويقول: «يُنظر إلى السود على أنهم لاعبون جيدون، لكن ليسوا قادة جيدين. إنهم لا يثقون في أن تكون القيادة لشخص أسود في الوضع الراهن، الذي يسيطر عليه البيض، وهذا هو الوضع القائم عندما يفكرون في الأمر. إن أكثر شيء يكرهه الرجال البيض هو الرجال السود الصرحاء».
وأضاف: «الوجه المقبول للمديرين الفنيين من السود والآسيويين وذوي الأقليات العرقية هو كريس هوتين. ليس لدي أدنى شك في أن كريس لديه آراء قوية فيما يتعلق بالعنصرية ويعبر عنها خلف الكواليس، لكنه يعلم جيدا أنه لكي يواصل مسيرته في الحياة لا يمكنه الحديث عن ذلك على الملأ، ولذا يتعين عليه أن يصمت ويواصل العمل. هذا ليس نقداً لكريس، لكنها الطريقة التي يتصرف بها معظم الأشخاص من ذوي الأقليات العرقية». ولم يكن لدى كوليمور أي رغبة في الدخول إلى عالم التدريب بعد اعتزاله كرة القدم بعد مسيرة طويلة مع أندية نوتنغهام فورست وليفربول وأستون فيلا. وفي ذروة تألقه في فترة التسعينات من القرن الماضي، كان يُنظر إلى كوليمور على أنه أحد أفضل المهاجمين في إنجلترا. ويعترف كوليمور بأنه قد ارتكب العديد من الأخطاء داخل الملعب وخارجه، والتي كان من أبرزها الاعتداء الجسدي على شريكته آنذاك أولريكا جونسون عام 1998، يقول كوليمور إنه «لم يكن هناك أي عذر للقيام بذلك».
وعبر كوليمور عن فخره بالعمل كمذيع، وهي المهنة التي بدأها بالعمل مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» قبل أن ينتهي عقده معها عام 2016 ولم يتم تجديده. وبعد 12 شهرا، انضم كوليمور للعمل مع قناة «آر تي» الروسية وقدم أكثر من 30 حلقة من برنامج «ستان كوليمور شو»، ويصر على أنه لا يتدخل أي شخص في المحتوى التحريري للبرنامج، والذي يذاع مرتين في الأسبوع خلال نهائيات كأس العالم 2018 بروسيا. وأعرب كوليمور عن سعادته بما وصل إليه في حياته المهنية، لكنه لم يخف استيائه من عدم قدرته على الحصول على عمل في مجال الإعلام في إنجلترا، ويعتقد أن هذا الأمر يثير قضية أوسع، كما هو الحال فيما يتعلق بقضية العمل في مجال التدريب، ويقول: «لكي تكون ناقدا أسود اللون، يتعين عليك إما أن تكون كوميدياً مثل كريس كامارا أو إيان رايت - الرجال الذين يبتسمون دائما ويحب الجميع أن يضحكون على ما يقولونه - أو أن تكون مثل جيرمين جيناس وأليكس سكوت، اللذين لا ينتقدان أو يهاجمان أي شخص. الشيء الذي لا يُسمح لك القيام به هو أن تتحدث عن الوضع الراهن كما هو في الحقيقة، بالشكل الذي أفعله أنا الآن».
وأضاف: «لقد مُنعت من الحصول على الفرص المناسبة، وهذا الأمر ليس له علاقة باعتدائي على أولريكا جونسون، لأنني قد عملت في وظائف أخرى منذ ذلك الحين. السبب في ذلك هو أنني أصبحت أتحدث بصراحة، وهو الشيء الذي لا يسمح به في هذا البلد إذا لم تكن من ذوي البشرة البيضاء». وتابع: «الأمر لم يؤثر على أنا فقط – انظرو إلى برنامج (صنداي سبليمنت) على قناة سكاي سبورتس وسترون أنه لا يوجد به أي شخص من السود أو الآسيويين أو الأقليات العرقية، وكل أسبوع يضم مجموعة من الرجال البيض، وهذا شيء غير جيد». وعندما سألته عما إذا كان قد فكر في إلغاء حسابه على موقع «تويتر» تجنبا للانتقادات التي توجه إليه، رد كوليمور قائلا: «لدى حساب على تويتر منذ 10 سنوات، وكنت أول مذيع رياضي يستخدمه كمنصة للتواصل المباشر مع جمهوري، وأنا فخور بذلك. وعلاوة على ذلك، فإنه يتيح لي أيضاً أن أظهر للناس أنني أكثر من مجرد الكاريكاتير الذي يُعرض عليهم، ولذا لن أتركه وأذهب إلى أي مكان آخر».
جدير بالذكر أن سول كامبل نجم توتنهام وآرسنال السابق قال إنه كان يمكن أن يقود المنتخب الإنجليزي لكرة القدم لأكثر من عشر سنوات لو كان «أبيض البشرة». جاء زعم كامبل، مدافع المنتخب الإنجليزي السابق، خلال سيرته الذاتية. وفاز كامبل (39 عاما) في 73 مباراة، شارك فيها كاملة، لصالح المنتخب الإنجليزي، من بينها ثلاث مباريات كان يحمل فيها شارة قائد الفريق. ويقول كامبل: «أعتقد أنني لو كنت أبيض البشرة لكنت قائدا للمنتخب الإنجليزي لأكثر من عشر سنوات. إن الأمر في غاية البساطة».
وقال: «أعتقد أن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم كان يتمنى أن أكون أبيض البشرة. لقد كنت أتمتع بالإخلاص والأداء المرتفع الذي يؤهلني لأن أكون قائد الفريق». وأضاف: «لقد كنت دائما في قلب الدفاع، وحملت شارة القيادة في السنوات الأولى من حياتي الكروية. لكني أعتقد أن كل هذا لم يكن ليغير في الأمر شيئا، لأنهم لا يريدون ذلك أن يحدث، وربما أغلب الجمهور أيضا لا يريد ذلك». ويقول كامبل: «من الممكن أن يتولى أسود أو شخص مختلط العرق قيادة الفرق الأقل من 18 أو 21 عاما. لكن عندما يتعلق الأمر بالمنتخب الوطني الإنجليزي فإن هناك سقفا، حتى لو لم يعلن عنه أحد بصراحة. أعتقد أنه سقف غير مرئي».
وتابع كامبل: «لقد كان أوين مهاجما رائعا، لكن لم يكن لديه ما يؤهله لقيادة الفريق. لقد كان الوضع محرجا، لقد سألت نفسي كثيرا ماذا فعلت؟». ويضيف: «لقد سألت نفسي مرات كثيرة لماذا لم أتول قيادة الفريق؟ وكنت دوما أتلقى نفس الإجابة، إنه لون بشرتي الأسود».
كوليمور: البيض يكرهون السود الصرحاء... والحديث عن العنصرية في بريطانيا مرفوض
مهاجم إنجلترا السابق يؤكد أن التفرقة العلنية وعدم احترام العرق الأسود وصلا إلى أعلى مستوياتهما
كوليمور: البيض يكرهون السود الصرحاء... والحديث عن العنصرية في بريطانيا مرفوض
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة