سوريون فروا من قصف النظام في جنوب البلاد إلى مخيم معدم

نازحون من درعا جنوب سوريا هرباً من قصف النظام باتجاه القنيطرة قرب الحدود مع إسرائيل (أ.ف.ب)
نازحون من درعا جنوب سوريا هرباً من قصف النظام باتجاه القنيطرة قرب الحدود مع إسرائيل (أ.ف.ب)
TT

سوريون فروا من قصف النظام في جنوب البلاد إلى مخيم معدم

نازحون من درعا جنوب سوريا هرباً من قصف النظام باتجاه القنيطرة قرب الحدود مع إسرائيل (أ.ف.ب)
نازحون من درعا جنوب سوريا هرباً من قصف النظام باتجاه القنيطرة قرب الحدود مع إسرائيل (أ.ف.ب)

في أرض قاحلة وتحت حرارة الشمس، ينهمك رجال ونساء في وضع شوادر بيضاء اللون فوق قضبان حديدية لتصبح خيماً تؤويهم وأطفالهم بعدما فروا مسرعين على وقع التصعيد العسكري في جنوب سوريا.
بعد أيام من القصف العنيف، لم يجد الآلاف في قرى وبلدات ريف درعا الشرقي والشمالي خياراً أمامهم سوى الفرار، تركوا خلفهم منازلهم وتنقلوا في مناطق أكثر أمناً تحت سيطرة الفصائل المعارضة. ووجد بعضهم ملجأ في مخيم جديد للنازحين في قرية بريقة في جنوب محافظة القنيطرة، رغم أنه يفتقد إلى أدنى الخدمات الأساسية.
يستريح علي الحمصي (36 عاماً) بعدما أنهكه نصب خيمة له ولعائلته، وهو النازح حديثاً من بلدة كفر شمس في ريف درعا الشمالي. ويقول الشاب لوكالة الصحافة الفرنسية: «لم أكن أنوي الذهاب إلى أي مكان، لكن شدة القصف خلال الأيام الأخيرة اضطرتنا للخروج، خصوصاً بعدما أدى القصف إلى موت أكثر من شخص لدينا (...) هذا ما دفعنا للخروج».
وبدأت قوات النظام الثلاثاء تكثيف قصفها على ريف محافظة درعا الشرقي والشمالي الشرقي، ما يُنذر بعملية عسكرية وشيكة ضد الفصائل المعارضة التي تسيطر على 70 في المائة من المحافظة الجنوبية. وتسبب قصف قوات النظام منذ الثلاثاء في مقتل 18 مدنياً، بحسب حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي وثق أيضاً نزوح أكثر من 12 ألف مدني خلال 3 أيام فقط، غالبيتهم من ريف درعا الشرقي.
يجلس الحمصي على الأرض إلى جانب أطفاله، ويقول: «نُحضر الخيمة لنجد مكاناً نأوي إليه فقط (...) لكن هناك نقصاً في مقومات الحياة، فلا توجد حتى مياه للشرب أو الغسيل».
وكان الحمصي الذي وصل الجمعة إلى بريقة برفقة آخرين من أوائل الوافدين إلى المخيم الجديد في منطقة الجولان الذي بات يؤوي عشرات العائلات النازحة من ريف درعا. ويخشى الحمصي أن يطول بقاءه في المخيم في حال توسعت المعارك في المنطقة الجنوبية. ويقول وقد اعتمر قبعة تحميه من أشعة الشمس: «أتوقع الحرب خصوصاً بعدما ألقت (قوات النظام) مناشير تهدد منطقة مثلث الموت بالحرب والقصف والدمار».
ويطلق أهل الجنوب على المنطقة التي تربط بين محافظات دمشق ودرعا والقنيطرة جنوباً اسم «مثلث الموت»، نتيجة المعارك الدامية التي شهدتها قبل سنوات. وتقع بلدة كفر شمس في هذه المنطقة.
وألقت قوات النظام خلال الأسابيع القليلة الماضية منشورات فوق مناطق سيطرة المعارضة في محافظتي درعا والقنيطرة تحذر من عمليات عسكرية وشيكة وتدعو المقاتلين إلى الاستسلام.
بعد سيطرتها في الشهرين الماضيين على الغوطة الشرقية وأحياء في جنوب العاصمة، حددت دمشق منطقة الجنوب السوري وجهة لعملياتها العسكرية. وهي تستقدم منذ أسابيع تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، وتتركز الاشتباكات حالياً على ريف درعا الشرقي المحاذي لمحافظة السويداء. وحذرت الأمم المتحدة الخميس من تداعيات التصعيد على سلامة مئات الآلاف من المدنيين. وتشير تقديراتها إلى وجود نحو 750 ألف شخص في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في جنوب البلاد.
وفي المخيم الجديد، يساعد بعض الأطفال أهاليهم في بناء الخيم، ويجلس آخرون ينتظرون بين أغراض قليلة تمكن الفارون من حملها معهم من فرش وأوانٍ وجرار غاز وأغطية.
وصل فارس الصلخدي (58 عاماً) وعائلته قبل 3 أيام إلى المخيم الجديد هارباً من مدينته إنخل في ريف درعا الشمالي.
ويقول: «القصف كان عشوائياً (...) أتينا إلى هنا على متن دراجة نارية وحملت أغراضي معي، لكن لا توجد مقومات حياة، لا مياه ولا مراحيض ولا أكل». وينهمك أحد الرجال في البحث عن حجارة كبيرة بمساعدة بعض الأطفال، يضعونها جنباً إلى جنب لتتحول إلى أرضية للخيمة. والهدف منها منع خروج الأفاعي والعقارب من التراب في مكان سيتحول إلى منزل لهم خلال الفترة المقبلة.
وعلى مقربة منهم، ينشغل رجلان عجوزان وامرأتان في وضع شادر كتب عليه شعار مفوضية الأمم المتحدة للاجئين فوق قضبان حديدية، وإلى جانبهم تكدست حاجاتهم من أغطية وثياب وقد نام فوقها أحد الأطفال بانتظار أن تنتهي عائلته من عملها.
يجلس محمد الحمصي (74 عاماً) من بلدة كفر شمس إلى جانب أغراض أتى بها من منزله. ويقول: «أتيت وعائلتي إلى المخيم في سيارة مقابل 10 آلاف ليرة سورية (نحو 23 دولاراً)». ويضيف الرجل العجوز، الذي غزا الشيب رأسه وشاربيه أن «قصف النظام دفعنا إلى المجيء إلى هنا، كاد يهبّط علينا المنازل (...) جئنا من تحت القصف، لكن هنا لا توجد حتى خيمة نلجأ إليها، نحن فقط تحت الشمس وفوق الأرض». ينفعل الحمصي أثناء حديثه، ويتساءل غاضباً: «ما هذه الحياة؟ إذا أرادت المرأة قضاء حاجتها لا يوجد حمام، هذه فضيحة وعيب».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.