مزج موسيقي بين التقليدي والحديث في اختتام مهرجان «كناوة»

جمهور متعطّش تابَع الدورة الـ21

جانب من اختتام مهرجان {كناوة} في الصويرة
جانب من اختتام مهرجان {كناوة} في الصويرة
TT

مزج موسيقي بين التقليدي والحديث في اختتام مهرجان «كناوة»

جانب من اختتام مهرجان {كناوة} في الصويرة
جانب من اختتام مهرجان {كناوة} في الصويرة

على إيقاعات فرقة سناركي بابي الأميركية، على منصة مولاي الحسن، اختُتمت مساء أوّل من أمس، بالصويرة، فاعليات الدورة الـ21 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم التي تابعها جمهور متعطّش أكّد أنّ التظاهرة قد تكرّست كموعد فني استثنائي تُشد إليه الرحال من المغرب والخارج.
عاشت الصويرة في ثالث أيام التظاهرة، عرساً فنياً توزعته ساحة الساعة مع أحواش حاحة، وساحة الخيمة مع غانغا تمنارت، وساحة الشاطئ مع عيساوة الصويرة وأفريكا يونايتد ولمعلم عبد الكبير كبير ودجماوي أفريكا ولمعلم مصطفى باقبو، بينما عاش برج باب مراكش لحظات متعة موسيقية مع لملعم مختار غينيا وأفريكا غناوة إكسبريسيون. واستقبلت دار لوبان لمعلم باعليل ولملعم محمد كويو، وزاوية عيساوة لمعلم عبد النبي الفقير ولمعلم عزيز باقبو، ليتوّج كل ذلك على منصة مولاي الحسن، مع مدرسة كناوة الصويرة ولمعلمين سعيد بلوحيمص وعبد المالك القديري ومحمد بومزوغ وفرقة بينين إنترناسيونال موزيكال، ولملعم حسن بوسو، وسناركي بابي، وإقامة فنية لحسام غينيا مع شبكة هتشنكس، ونغيين لي، وديفيد أوبالي، وعمر البرقاوي.
وبقدر ما حافظت الدورة على ما تقترحه التظاهرة من متعة موسيقية، كان الجمهور في الموعد، بحضوره الكثيف وتفاعله الجميل مع مختلف فقرات البرنامج، سواء تعلّق الأمر بالحفلات الموسيقية أو بباقي الفقرات المبرمجة على هامش التظاهرة التي شملت منتدى «حتمية المساواة» المنظَّم بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومعرض «تاريخ آلات الموسيقى الأفريقية»، والطاولة المستديرة التي تناولت سؤال «كيفية الحفاظ على تراث آلات الموسيقى الأفريقية»، فضلاً عن «شجرة الكلمات» التي انطلقت في عام 2006، لتكون لحظة هدوء تقترح محادثات فنية مشكِّلةً فاصلاً للحوار والتبادل، وورشات المهرجان التي تناولت «تقاسم تجربة سناكري بوبي» و«تقاسم عبر الزمن، إيقاعات وألوان كناوة»، و«القرقاب ورقصة كويو»، فضلاً عن لقاء «ثقافة وإدماج اجتماعي: ماذا أحدث تحالف المدن العربية ضد العنصرية، التمييز، التعصب وبغض الأجانب؟» الذي نُظّم من طرف المجلس البلدي للصويرة بشراكة مع «اليونيسكو».
على صعيد الموسيقى، اقترحت الدورة إضاءات على خلاف العادة الكناوية، بشكل أكد إيمان المهرجان بقوة الشباب المبدع. فكان الجيل الجديد من «لمعلمين» في قلب التظاهرة، برؤية جديدة ومشاريع مستقبلية.
وتحت عنوان «أفريقيا تجد جذورها في الصويرة» احتفت التظاهرة مرة أخرى، بأفريقيا، مع فنانتين موسيقيتين متميزتين وموهوبتين هما أسماء حمزاوي وهي فنانة كناوية شابة تتحدى التقاليد والعقليات بالعزف على الكمبري، وهي آلة لا تزال تعد ذكورية، وفاتوماتا دياوارا التي تغني على الرّغم من الحظر المفروض على ممارسة الموسيقى من قبل المتطرفين في شمال مالي، مسقط رأسها. هاتان الفنانتان لديهما الشجاعة وروح التحدي، ولديهما، أيضاً، حب الإرث الفني المشترك. كما توقف المهرجان في بنين مع «بنين إنترناشيونال ميوزيك»، واقترح تكريماً لموسيقى أسلاف داهومي، عبر إيقاعات الفودو والأغاني التقليدية مع الألحان السريعة المنمقة والأنغام الحديثة في مزج مميز مع لمعلم حسن بوسو.
وكانت عمليات المزج الموسيقي والإقامات الفنية، وبالخصوص حفلات الموسيقى، في مستوى ما دأبت التظاهرة على اقتراحه، بشكل أطرب الجمهور المتعطش لهذا اللون من الإيقاعات الموسيقية.
وأكّدت الدورة أنّ المزج هو علامة مميزة لمهرجان كناوة، بحفلات «جاز كناوي»، جمعت لمعلم سعيد أوغسال والثلاثي هولاند حسين بوتير. فيما اقترح لمعلم عبد السلام عليكان وبيبي باوو من إسبانيا مزجاً بين الجذور الكناوية والأندلسية.
كما مكّنت الحفلات الموسيقية الحميمية في دار لوبان وبرج باب مراكش، الجمهور من تذوق الموسيقى بطريقة أخرى، حيث انخرط الفنانون بطلاقة في التراث العريق ليجرفهم سحر الماضي وقوة الأسلاف.
وشهدت ليلة «ألوان الصويرة» تكريم لمعلمين الراحلين بزاوية سيدنا بلال وزاوية عيساوة. ففي زاوية عيساوة قُدّمت عروض لملعمين حسن الكاديري وعمر حياة وإبراهيم بلقاني عبد النبي فقير وعبد النبي كداري وعزيز باقبو. وفي زاوي سيدنا بلال كان شعار تكريم لمعلمين الراحلين هو «7 ألوان و7 معلمين». وجاء التكريم بهذا الفضاء الروحي الرمزي، مع سيمحمد دردار، وسعيد بوكري، وعبد الله أخراز، وعبد العزيز سوداني، والصديق لعراش، والمختار غينيا، وعلال سوادني.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».