الذكاء الصناعي... طريق الإرهاب الأكبر والأخطر

روبوتات بشرية وسيارات ذاتية القيادة وأقمار صناعية مختطفة

الذكاء الصناعي... طريق الإرهاب الأكبر والأخطر
TT

الذكاء الصناعي... طريق الإرهاب الأكبر والأخطر

الذكاء الصناعي... طريق الإرهاب الأكبر والأخطر

قبل بضعة أسابيع حذرت كيرستين نيلسن، وزيرة أمن الوطن في الولايات المتحدة، في مقابلة لها مع مجلة «تايم» الأميركية تحذر من استعمال الإرهابيين خلال العقود المقبلة طائرات «الدرون» (من دون طيار)، - التي هي نتاج لما بات يعرف بالذكاء الصناعي - وطالبت بسن القوانين التي تساعد على ضمان حماية الشعب الأميركي من هذا الخطر.
تصريحات نيلسن تلفت الأنظار إلى قضية «الذكاء الصناعي التكنولوجي» وهل هو دائماً خير في منفعة الإنسانية أم يمكن له أن يضحى شراً مستطيراً يهدّد الآمنين والمطمئنين، إذا عرف طريقة إلى الإرهابيين، أولئك الذين باتوا بدورهم على درجة عالية من القدرة على التعاطي مع التكنولوجيا المتقدمة، ومن المقدرة على تطوير آليات خاصة بهم تفعل فعلها في عوالم الإرهاب والجريمة عبر الحدود.
لعل إشكالية الذكاء الصناعي باتت تتقاطع كذلك مع كبريات التنظيمات الإرهابية وفي مقدمها «داعش» إذ تشير آخر التقارير إلى أن «أبو بكر البغدادي» زعيم «داعش» بات يركز على اختراق الدول المعادية للتنظيم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة ودول أوروبا، وذلك عبر التنسيق مع مواقع إلكترونية وإرهابية. وما بين الذكاء الصناعي والثورة المعلوماتية التكنولوجية، يغدو العالم برمته أمام موجة غير مسبوقة من التحديات الإرهابية، مما يزيد من العبء الملقى على عاتق الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المكلفة بالمواجهة.

عن الذكاء الصناعي
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرح ذات يوم في العالم الماضي بأن «من تكون له الريادة في الذكاء الصناعي، سيكون سيد العالم». تصريحات بوتين ولا شك كانت تحمل نبرة الصراع العالمي، مما استدعي ردات فعل من جانب الولايات المتحدة، حيث البعض هناك أدرك ولو متأخراً ما يمثله هذا الذكاء من كارثية مستقبلية، سيما وأن الصراع بين الأمم سيضحى معلوماتيا، بأكثر منه مواجهة أسلحة تقليدية معروفة. وفي تقرير صدر في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم عن «معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية» الفرنسي، نجد تصريحات لإيلون ماسك، المهندس الملياردير ورجل الأعمال الرؤيوي، الذي أعرب عن قلقله من إمكانية استخدام الذكاء الصناعي من قبل الإرهابيين حول العالم، وأشار إلى نيته لتأسيس معهد دراسات متخصص في هذا المجال من أجل تطويره لصالح البشرية، وليس ضدها.

«داعش» والذكاءات الشريرة
راهناً، يبقى «داعش» أكثر الجماعات الأصولية المتطرفة خطراً وفتكاً على الساحة الدولية، ونجح «الدواعش» في أن يضموا عناصر من المتقدمين علمياً في الكثير من المجالات التكنولوجية والرقمية، بينهم عناصر أوروبية وأميركية لديها خيرة في عالم «الفضاءات الرقمية»، لا على الأرض فقط. وفي العام الماضي 2017 أرسل «داعش» طائرات «درون» (من دون طيار)، صغيرة ومرنة جداً ومسلحة بقنابل يدوية، تمكّنت من مناوشة القوات العراقية في أكثر من مكان. وفي تونس استطاع «الدواعش» رسم صور عبر الكومبيوتر للتضاريس الجغرافية لبلدة بنقردان (جنوب شرقي تونس) وقاموا بعمل محاكاة للواقع قبل شن هجماتهم سواء للانتقام من رجالات الشرطة، أو لتنفيذ عمليات إرهابية جديدة، مما يعني أن الذكاء الصناعي يخفف الآن عبء الحصول على المعلومات الاستخباراتية على الجماعات المسلحة، ويعبد الطريق أمام عملياتهم.

الاختراق المعلوماتي كارثة محققة
ضمن سياقات الحرب التي يشنها «الدواعش»، تهديد المناوئين والمقاومين لهم، وذلك عبر نشر أسمائهم وأرقام هواتفهم وعناوينهم، ومن ثم إتاحة هذه جميعها للملأ، بهدف إحداث حالة من الرعب في نفوس هؤلاء وأولئك بداية، وتالياً تأليب الجماهير المؤدلجة عقائدياً ضدهم. وفي هذا الإطار يقوم «داعش» بما هو أخطر من تأسيس خلايا عنقودية إرهابية. فنحن الآن إذن أمام جزئيتين أساسيتين في تسخير «داعش» للذكاء الصناعي، الأولى الاختراق للحصول على المعلومات، والثانية جعل وسائط التواصل الاجتماعي أداة لينة وطيعة في اكتساب عناصر جديدة. ورغم الضربات اللوجيستية الفتاكة والانحسارات التي أصابت التنظيم على الأرض، يتوقع مراقبون موجة جديدة من الإرهاب القاتل سترب العالم، إذا قيض الذكاء الصناعي الطريق للعناصر المجندة لخدمة أجندة «داعش» بنوع خاص، وأي تنظيم إرهابي مؤدلج آخر حول العالم.
السيناريوهات الظلامية طويلة ومتعددة، ومنها ما يتصل بقدرات القراصنة لاختراق الشبكات الخاصة بالبنية التحتية للدول من شبكات مياه، أو كهرباء، أو جسور، أو مطارات، وقد تساءل بعضهم ماذا لو وجد الإرهابيون من الدواعش طريقاً لاقتحام بعض برامج الأقمار الصناعية التي تقوم على مساعدة الطيران المدني في الأجواء الدولية، وتالياً التحكم في مسارات تلك الطائرات وتوجيهها إلى حيث يريدون.

الأوروبيون والسيارات القاتلة
الآتي مرعب، ولا شك، سواءً كان بالنسبة للأوروبيين أو الأميركيين معاً. ولعل هذا ما دعا في فبراير (شباط) الماضي لعقد لقاء قمة لخبراء بلغ عددهم 26 خبيراً من عدة مؤسسات رائدة في العالم، ومنظمات لها دالة على أبحاث الذكاء الصناعي. ولقد التقى هؤلاء في بريطانيا بالتعاون مع معهد المستقبل في جامعة أكسفورد ومركز جامعة كامبريدج لدراسة المخاطر الموجودة، بمساهمة ماسك. وذهب المشاركون هناك إلى أنه من المحتمل استخدام الذكاء الصناعي من قبل مختلف الأشخاص، بمن فيهم المجرمون والإرهابيون.
وفي حال لم يتكاتف الباحثون وواضعو السياسات معا لدرء هذا الخطر، فقد يتسرب الذكاء الصناعي إلى أهم أجزاء حياتنا.
ومفهوم أن أوروبا شهدت خلال السنوات القليلة الماضية ضرباً من ضروب السيارات التي قادها إرهابيون في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، مما أوقع العشرات بين قتيل وجريح. هؤلاء ربما لن تكون هناك حاجة إليهم في القريب، إذا بقيت تطورات الذكاءات الاجتماعية في يد الإرهابيين على النحو الذي نراه الآن. فخبراء أكسفورد يتحدثون عن سيارات ذاتية القيادة، ولك أن تتخيل وقوع تلك الأجيال من هذه السيارات في أيدي إرهابيين وكيف ستكون حينئذٍ قنابل موقوتة سائرة.
«داعش» والإنترنت
قبل نحو ثلاثة عقود راج تعبير في الأوساط الإعلامية مفاده أن «وسائل الإعلام قادرة على أن تصنع شتاء أو صيفا»، بمعني أنها يمكن أن تجعل الفصول الزمانية دافئة مستقرة أو حارة ملتهبة. وخلال شهر مايو (أيار) الماضي نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تقريراً عن «أبو بكر البغدادي» زعيم «داعش» وعن مصيره، ومآلات «داعش» المستقبل.
باختصار، يقول التقرير إن «البغدادي» لم يمت، بل يعمل على إعداد الطبعة الجديدة من التنظيم، تلك التي تقوم على التجنيد عن بعد من خلال استخدام الوسائط الاجتماعية الحديثة لمواصلة القتال وخدمة مشروع «خلافته» المزعومة حول العالم بأدوات تكنولوجية وبتواصل معلوماتي متميّز. ويركز التقرير على أن البغدادي كان مدرّساً جامعياً قبل أن يصبح إرهابياً، وأنه في وقت مبكّر قرّر إعطاء الأولوية لتجنيد الأطفال والشباب داخل العراق أو سوريا وخارجهما عبر الإنترنت. وأن «البغدادي» مقتنع بأنه حتى إذا اختفى تنظيمه الحالي، فإن فكرته (أي «خلافته» المزعومة) ستستمر طالما استطاعت التأثير على الجيل القادم من خلال التعليم.

«فيسبوك» والإرهاب
حين بدأ مارك زوكربيرغ عالمه «فيسبوك»، كان هدفه الأول هو بناء عالم جميل من التواصل الإنساني الخلاق، وتحويل تعبير عالم الاجتماع الكندي الشهير مارشال ماكلوهان عن «القرية الكونية»، إلى واقع حي معاش يتجاوز الحدود والسدود الجغرافية. إلا أن «فيسبوك» أضحى مصيدة للإرهابيين للترويج لما يؤمنون به، فأضحت عقائدهم وأفكارهم سريعة الانتشار، بل وباتت عملية تجنيد عناصر جديدة مسألة يسيرة في أرجاء الكرة الأرضية. وليس سراً أن عدة عمليات إرهابية أخيرة استخدمت فيها أنظمة، سيما حادثة مسرح «الباتاكلان» في العاصمة الفرنسية باريس، والذي استخدمت فيه ألعاب إلكترونية من أجل التخطيط لواحدة من المذابح الإنسانية.

روبوتات صناعية أم بشرية؟
الجزئية الأخرى وليست الأخيرة في قصة تتجلى ملامحها ومعالمها في عالمنا المعاصر، موصولة بالروبوتات. فهل يمكن أن تستحوذ جماعات إرهابية مثل داعش «روبوتاً» قاتلاً في المستقبل القريب تعوض به مثلاً قلة عدد المنضمين إليها من الشباب لأي سبب؟ البروفسور نويل شاركي، الأستاذ المتخصص في مجال الذكاء الصناعي وأجهزة الروبوت في جامعة شيفيلد البريطانية، يقر بإمكانية حدوث ذلك، ولهذا تبنى حملة عنوانها «أوقفوا الروبوتات القاتلة». هنا قد يغدو الخيال العلمي واقع حال، بمعنى أنه يجعل إنساناً بشرياً روبوتاً صناعياً، من خلال تطوير معالجات إلكترونية فائقة السرعة قابلة للزرع داخل الدماغ البشري، وساعتها سنجد فكرة «فرانكشتين» الخيالية تتجسد في روبوت بشري شرير قادر على تهديد العالم.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».