لعبة الأزياء... لقاء السياسة وحب الموضة

مظهر السيدة الأولى يعكس ذوقها ويُنعش اقتصاد بلادها

انتصار السيسي  -  ميشيل أوباما وكارلا ساركوزي
انتصار السيسي - ميشيل أوباما وكارلا ساركوزي
TT

لعبة الأزياء... لقاء السياسة وحب الموضة

انتصار السيسي  -  ميشيل أوباما وكارلا ساركوزي
انتصار السيسي - ميشيل أوباما وكارلا ساركوزي

قد يرى البعض أن الموضة سطحية مقارنة بالسياسة. فهي مجرد أزياء بألوان معينة وإكسسوارات أنيقة لتلميع الصورة، لكن الحقيقة مغايرة تماماً. فهي سلاح أي امرأة ما البال إذا كانت سياسية أو سيدة أولى كل ما تلبسه يكون تحت المجهر. فقد أصبح من المتعارف عليه الآن أن صورة السيدة الأولى قد تكشف عن بعض أسرار السلطة، فيما يتعلق بسياسات وتوجهات زوجها.
لهذا ليس غريباً أن تكون أول مهمة تتحملها زوجات الرؤساء هي اختيارهن أزياءهن. ففي الوقت الذي ينشغل رئيس الدولة بطرح سياساته واستراتيجياته، تقوم هي بالشيء ذاته، من خلال القصات والألوان والإكسسوارات؛ الأمر الذي يفسر الصفحات الكثيرة التي تخصصها الصحف والمجلات لوصفها وتحليلها: هل هي مبتكرة؟ هل تلتزم بالبرتوكول؟، هل تدعم قضايا المرأة؟ هل تشير إلى أنها امرأة مثقفة، أم سيدة مجتمع مخملي فقط؟ هذه وأسئلة كثيرة تؤكد أهمية الأزياء لغةً قويةً لا يمكن الاستهانة بها.
ولا يبعد الاقتصاد عن دور السياسة والمجتمع؛ إذ من غير اللائق أن تظهر زوجة الرئيس بأزياء ومجوهرات مترفة إذا كانت الدولة تعاني مشكلات اقتصادية وتطالب شعبها بتبني سياسات تقشفية. وفي سابقة سجلها التاريخ، غضب الشعب الأميركي حينما ظهرت ماري تود لينكولن، زوجة رئيس الولايات المتحدة السادس عشر أبراهام لينكولن، بفساتين مُترفة تصل تكلفتها إلى ألفي دولار، وهو مبلغ ضخم آنذاك، في وقت كانت البلاد تخوض حرباً أهلية. دافعت السيدة لينكولن حينها عن نفسها قائلة، إن فساتينها المترفة ترفع الروح المعنوية للرئيس الأميركي. طبعاً لم يكن تبريرها مقنعاً بالنسبة لشعب كان يعاني صراعات داخلية طاحنة.
وكما تصنع إطلالة السيدة الأولى أزمات إن لم تكن محسوبة بدقة، فعلى صعيد آخر قد تكون سبب لرضا شعبي تحظى به زوجة الرئيس، مثل ما وقع مع السيدة الأولى لأيسلندا، إليزا ريد، التي خطت خطوة جريئة عندما ظهرت بملابس مستعملة في إحدى المناسبات العامة. واللافت، أنها هي من صرحت بهذا الأمر، حين كتبت على صفحتها الخاصة في «فيسبوك» بأنها اشترت السترة التي ظهرت بها ونالت إعجاباً جماهيرياً من متجر خيري تابع للصليب الأحمر. وكان لهذا الموقف صدى شعبي كبير، حتى أن الصليب الأحمر كتب رسالة شكر وامتنان لموقف السيدة الأولى.
يقول خبير البرتوكول الدولي والمراسم طارق عبد العزيز، لـ«الشرق الأوسط»، إن «إطلالة السيدة الأولى تختلف بحسب النظام السياسي للدولة، فهناك دولة شيوعية، وأخرى إما جمهورية أو ملكية أو علمانية أو محافظة. ولكل نمط سياسي خط من الموضة يعبر عنه وتلتزم السيدة الأولى بشروطه. وهذا يعني أن الأمر يختلف بحسب الدولة ونظامها السياسي والاجتماعي، إلى جانب الذوق الشخصي».
ولا شك أن هناك قواعد غير معلنة في لعبة أزياء السيدة الأولى؛ لأن متابعاتنا لحملة هيلاري كلينتون ثم ردود أفعال أوساط الموضة بعد دخول ميلانيا ترمب البيت الأبيض الأميركي والمقارنات الكثيرة مع سابقاتها، مثل ميشيل أوباما وجاكلين كينيدي تعكس شخصياتهن وأيضاً طرق تفكيرهن. وهو ما يؤكد أن الأمر لا يتعلق بالصيحات الحديثة وقواعد الأناقة فحسب، بل ببعد سياسي واجتماعي. طبعاً، تختلف البلدان في عاداتها وتقاليدها، لكن تظل هناك ركائز أساسية تحدد الموضة المناسبة للسيدة التي تتقلد هذا المنصب الرفيع، أهمها العادات والتقاليد الشعبية؛ فهناك من ترتدي عمائم أو تيجاناً، وهناك من ترتدي فساتين بأسلوب باريس أو حجاباً وهكذا. وفي النهاية تُقيّم السيدة الأولى بحسب عرف بلدها، وبين نساء مُبعدات عن الحياة العامة وأخريات أصبحن أيقونات في تاريخ الموضة والسياسة حكايات ولقطات تستحق التوقف.
يقول طارق عبد العزيز، الذي كان يعمل بالقصر الجمهوري في مصر، إن «ما يحدث خلف أبواب القصور يثير الفضول، وربما تنسج من حوله أساطير ليس لها علاقة بالواقع، فبحكم عملي داخل قصر الرئاسة المصري في فترة حكم الرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك، لم أرصد أن السيدة الأولى في ذلك الوقت، السيدة سوزان مبارك، كان لديها فريق لاختيار ملابسها كما يدعي البعض، بينما كان الأمر يخضع لذوقها وحريتها الشخصية».
ولا شك أن هذا الأمر لا ينطبق على السيدات الأوائل في أغلب الدول، ولا سيما الدول الغربية التي تتعامل مع إطلالة زوجة الرئيس بعناية شديدة. وحتى على مستوى الدول العربية، شهدنا أيقونات موضة مثل ملكة الأردن رانيا العبد الله، التي ترصد كثير من المجلات الغربية والعربية تحركاتها لتحلل ملابسها وإكسسوارتها.
«صحيح أن السيدة الأولى يعنيها تحقيق التوازن بين الموضة والأناقة وقواعد المجتمع وقوانين البرتوكول، لكن إذا خرجت السيدة الأولى للعامة وأصبحت جزءاً من الحياة الاجتماعية يقع عليها دور أكبر يتمثل في دعم صناعة الموضة في بلادها» هكذا ترى السيدة سوزان ثابت، رئيسة تحرير مجلة «باشن» وإحدى المصريات المعنيات بصناعة الموضة. تقول لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك كثيراً من الأمثلة الغربية التي حققت طفرة في صناعة الموضة في بلادها، مثل جاكلين كندي التي تعتبر واحدة من أكثر زوجات الرؤساء أناقة، وكان لها دور في دعم دور الأزياء الأميركية التي كانت وقتذاك لا تنافس الدور الأوروبية مثل «ديور» و«شانيل». وتضيف «حتى وقتنا هذا ما زالت جاكي كيندي أيقونة للموضة نتذكرها مع كل حفل تنصيب لأي رئيس أميركي جديد».
ويبدو أن دور السيدة الأولى وتأثيرها في صناعة الموضة، لم يكن مفهوماً حديثاً على الإطلاق، فمنذ العصر الملكي في مصر، حسب سوزان ثابت، كان للمنتج المصري أهمية، وتشرح «كانت هناك مصانع إنتاج محلي حاصلة على التاج الملكي، أي أنها تقدم قطع خاصة للعائلة المالكة. من أشهر الملكات اللاتي ارتدين صناعة مصرية الملكة فريدة».
الحديث عن أناقة السيدة الأولى في الوقت الحالي يجرنا للحديث عند الملكة رانيا التي ترتدي من أهم دور الأزياء العالمية مثل: «فيراغامو»، «ألكسندر ماكوين»، «برابال غورونغ»، «فالنتينو»، «فندي»، »سيلين، «جيفنشي»، «فيرساتشي»، «برادا»، وغيرها من العلامات الكبرى في عالم الموضة، لكنها لا تغفل أن تدعم صناعة بلدها فظهرت في أكثر من مناسبة قومية بالقفطان الأردني المميز، كما أنها ترتدي في كثير من المناسبات ملابس من تصميم مصممة الأزياء الأردنية هاما الحناوي، كذلك ظهرت بمجموعة مجوهرات من تصميم المصممة الفلسطينية ديما رشيد، ومصمم المجوهرات اللبناني رالف مصري وقبلهم بحقيبة من ماركة سارة بيضون اللبنانية. مؤخراً أثارت ضجة كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي بعد ظهورها بفستان «سيرافيما» من علامة Layeur خلال احتفالات الذكرى الثانية والسبعين لاستقلال الأردن. وكان عبارة عن فستان حريري متوسط الطول يزهو بلونين يستحضران تألق المجوهرات مع ياقة عالية وأكمام بتصميم متباين.
أما في مصر، فيشيد خبير البروتوكول الرئاسي طارق عبد العزيز، بموقف السيدة الأولى الحالية، انتصار السيسي، التي ظهرت بإطلالة مصرية 100 في المائة خلال منتدى الشباب العالمي الذي أقيم بشرم الشيخ العام الماضي. فقد أطلت بجاكيت من تصميم المصرية مرمر حليم، وحقيبة بتوقيع دار «أختين» المصرية. ويتابع: «لم تكن الإطلالة فقط هي ما تعكس ذكاء ودعم وبساطة السيدة الأولى، بل ملاءمته للمناسبة، وهكذا تمكنت بلفتة بسيطة أن تدعم مصممين مصريين شباباً، وأن تكشف الستار عن منتج مصري يحاول أن يدخل المنافسة في أهم محافل الموضة العالمية».
وتلتقط سوزان ثابت الحديث لتؤكد على دور السيدة الأولى في دعم المصممين المحليين بقولها، إن سيدة مصر الأولى ظهرت في مناسبة أخرى بإطلالة بتوقيع مصممين مصريين شباب. كانت المناسبة تأدية مراسم حلف اليمين لتنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي لفترة رئاسية ثانية، حيث ارتدت زياً من تصميم المصممة ياسمين يحيى، وفي مناسبات أخرى بمنتجات للمصممات شهيرة وسارة لاشين، ومرمر حليم، وأيضاً دار «مانويا» للحقائب ودار «ميزورا» للأحذية.
وإذا كانت فكرة ارتداء السيدة الأولى من ماركات محلية حديثة نسبياً في مصر، فإن هذا الأمر يعد قاعدة لدى القصر الملكي البريطاني، حسب رأي سوزان ثابت. فكل ملابس الملكة إليزابيث صناعة إنجليزية، كما أن الأميرة الراحلة ديانا وكيت ميدلتون ومؤخراً ميغان ماركل، ارتدين فساتين زفافهن من مصممين بريطانيين. هذا لا يمنع أنه يُسمح لهن بالتنوع في الإطلالات اليومية واختيار أزياء من بيوت عالمية، خصوصاً إذا كن في زيارات رسمية، لكن يخضع اختيار الفستان الأبيض إلى قوانين محددة أكثر. الأمر نفسه ينطبق على القصر الملكي في السويد.
وكما نُسب لجاكلين كيندي دورها البارز في دعم دور الأزياء الأميركية، كذلك اعتمدت ميشيل أوباما، السيدة الأولى السابقة، في كثير من المحافل القومية والدولية على تصاميم بتوقيع مصممين أميركيين شباب؛ بهدف دعمهم، مثل تريسي ريس، التي صرحت في عام 2012 أنها تلقت طلبات هائلة لتنفيذ فستان ميشيل أوباما الذي ظهرت به خلال في مؤتمر الحزب الديمقراطي، ونارسيسو رودريغيز، وهلمّ جراً.
وحتى إن كانت السيدة الأولى الحالية للولايات المتحدة الأميركية، ميلانيا ترمب، تُعلي مفهوم الأناقة على دورها في دعم صناعة الموضة الأميركية، إلا أنها لم تغفل هذه الدور في حفل تنصيب زوجها الرئيس دونالد ترمب، حيث ظهرت بإطلالة بتوقيع المصمم الأميركي «رالف لوران». لكنها لم تسلم من الانتقادات، حيث أشارت وقتذاك بعض التقارير الصحافية العالمية إلى التشابه الكبير بين إطلالة ميلانيا ترمب وإطلالة جاكلين كينيدي في حفل تنصيب زوجها الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي عام 1961، واُتهمت ميلانيا حينها بالتقليد وعدم الابتكار. ومع ذلك، وصلت رسالتها إلى العالم، وهي رسالة بليغة تشير إلى أنها تريد أن تعيد أناقة جاكلين كينيدي إلى البيت الأبيض. وبما أن فرنسا كانت ولا تزال مهد الموضة وموطن كبرى علامات الأزياء، فإن أي سيدة أولى تدخل قصر الإليزيه تجد نفسها أمام خيارات كثيرة، وبالتالي لا تحتاج إلى ماركات من دول أخرى. تذكر سوزان ثابت، أن كارلا بروني ساركوزي، زوجة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، كانت من أكثر زوجات الرؤساء في فرنسا حرصاً على الظهور بإطلالات من دور أزياء فرنسية، ربما لأن الموضة كانت تعني لها الكثير، فقد كانت كارلا عارضة أزياء شهيرة قبل أن تصبح سيدة أولى.


مقالات ذات صلة

2024... عام التحديات

لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

بين المرأة والتول والمخمل قصة حب تزيد دفئاً وقوة في الاحتفالات الخاصة والمناسبات المهمة

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
TT

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ما الذي يمكن أن يجمع دوقة ساسكس، ميغان ماركل وكايلي جينر، صُغرى الأخوات كارداشيان؟ فالأولى ترتبط بالعائلة المالكة البريطانية بحكم زواجها من الأمير هاري، والثانية تنتمي إلى عائلة بَنَتْ شهرتها على تلفزيون الواقع. خبراء الموضة يجيبون بأن هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بينهما؛ فإلى جانب الجدل الذي تثيرانه لدى كل ظهور لإحداهما، بسبب ما تُمثلانه من ثقافة يرفضها بعض الناس ويدعمها بعضهم الآخر، فإن تأثيرهما على صناعة الموضة من الحقائق التي لا يختلف عليها اثنان. ما تلبسه ميغان يتصدر العناوين وصفحات المجلات البراقة وقد ينفد من المحلات، وما تنشره كايلي جينر على صفحاتها ينتشر انتشار النار في الهشيم، في دقائق، ويلهب رغبة متابعاتها في الشراء.

كايلي في فستان «فريز» من «غالفان» (خاص) وميغان في حفل بلوس أنجليس (أ.ب)

وهذا ما يجعل المصممين لا يمانعون ظهورهما بتصاميمهم، بغض النظر عما إذا اتفقوا مع الثقافة التي ترتبط بهما أم لا، على أساس أنه مهما وصلت نسبة الجدل والانتقادات؛ فهي نافعة تعود عليهم بالربح. أو، على أقل تقدير، تسلِّط الضوء عليهم.

في عام 2018، ظهرت كل منهما بفستان مستوحى من «التوكسيدو» باللون نفسه، ومن الماركة النيوزيلندية نفسها، ماغي مارلين. ظهرت به ماركل في زيارتها الرسمية لأستراليا ونيوزيلندا رفقة زوجها الأمير هاري، من دون أكمام، بعد أن طلبت من المصممة تعديله خصيصاً لها. كايلي، وبعد مدة قصيرة، ارتدته كما هو بأكمام، الأمر الذي يشي بأنها اشترته جاهزاً. في الحالتين، أسعدتا المصممة ماغي هيويت، التي تغنَّت بهما على صفحتها بالصورتين معبرة عن إعجابها بالشخصيتين؛ خصوصاً أن المبيعات زادت بشكل ملحوظ.

الجانب التجاري

لكن هناك أيضاً اختلافات بينهما؛ فكايلي تستفيد مادياً وترويجياً، لأنها تتلقى مبالغ طائلة لقاء منشور واحد، على العكس من ميغان التي لا تستطيع ذلك، لحد الآن على الأقل، لدواعي الحفاظ على صورة راقية تعكس لقبها كدوقة بريطانية، مع العلم بأن هذا اللقب لم يمنعها من دخول مضمار أعمال تجارية لم تحقق النجاح الذي تطمح إليه.

تغريدة واحدة من كايلي جينر تحقق ما لا يحققه عرض بكامله من ناحية تسليط الأضواء (رويترز)

في المقابل، فإن كايلي جينر، ورغم سنها الغضة، تجاوزت في فترة من الفترات حاجز المليار دولار لتُصبح واحدة من أصغر سيدات الأعمال بفضل علامتها «كاي (KHY)» لمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة. أكدت، منذ بدايتها، أن الحس التجاري يجري في دمها؛ إذ شقت لنفسها خطأً مختلفاً عن أخواتها، ربما لأنها كانت تعرف أن منافستهن صعبة. ما نجحت فيه أنها استغلَّت اسم العائلة وشهرة أخواتها لتخاطب بنات جيلها بلغة تُدغدغ أحلامهن وطموحاتهن. وسرعان ما أصبحت نجمة قائمة بذاتها على وسائل التواصل الاجتماعي. تغريدة واحدة منها يمكن أن تغير مسار علامة تماماً.

زِيّ من ماركة «ألتوزارا» الأميركية ظهرت بها خلال مناسبة خاصة بالصحة النفسية والعقل اعتبره كثيرون غير مناسب للمكان والزمان (رويترز)

ميغان ماركل، رغم استثماراتها ومغازلتها صُنَّاع الموضة، لا تزال تستمد بريق صورتها من ارتباطها بالأمير هاري. على المستوى الربحي، لم تنجح في أن تنتقل من رتبة مؤثرة إلى درجة سيدة أعمال، كما لم تنجح في كسب كل القلوب، وهذا ما يجعل شريحة مهمة ترفض وصفها بأيقونة موضة، وتصف اختياراتها بـ«غير الموفقة». هذه الشريحة تستشهد إما بارتدائها تصاميم بمقاسات أكبر أو أصغر من مقاسها الحقيقي، أو تصاميم من ماركات عالمية لا تناسب شكلها أو طولها، وهلمّ جرّا.

ميغان ماركل رغم تأثيرها تثير كثيراً من الجدل بين رافض ومعجب (كارولينا هيريرا)

بيد أن قوتها، بالنسبة للمعجبات بها، كانت، ولا تزال، تكمن في عيوبها؛ فلأنها لا تتمتع بمقاييس عارضات الأزياء، ولا تشبه «كنَّتها»، أميرة ويلز، كاثرين، رشاقةً وطولاً، فإنها تُعبِّر عنهن. كل فتاة أو امرأة، بغض النظر عن عيوبها ومقاييسها، ترى نفسها في إطلالاتها. فعندما ظهرت بصندل من شركة «كاستنر» الإسبانية مثلاً ارتفعت مبيعاتها بنسبة 44 في المائة مباشرة، لأنها خاطبت شرائح من الطبقات المتوسطة، نظراً لأسعارها المعقولة. علامات محلية كثيرة لم تكن معروفة اكتسبت عالمية بمجرد أن ظهرت بها، لا سيما في السنوات الأولى من زواجها، حين كانت بالنسبة للبعض بمثابة «سندريلا» معاصرة. ساهمت أيضاً في تسليط الضوء على علامة «Club Monaco»، بعد ظهورها بفستان مستوحى من القميص، أي بإزار من الصدر إلى الأسفل، حين ظهرت به أول مرة خلال زيارتها الرسمية لجنوب أفريقيا.

لم يكن التصميم ثورياً أو جديداً، لكنه فتح عيون المرأة عليه، ليزيد الإقبال عليه بنسبة 45 في المائة وينفذ من الأسواق خلال 24 ساعة. كان لها نفس التأثير الإيجابي على علامات مثل «جي كرو» و«جيفنشي» و«ستيلا ماكارتني» وغيرهم. منصة «ليست»، وهي أيضاً شركة تسوُّق أزياء عالمية تربط العملاء بتجار تجزئة الأزياء رشحتها «كأهم مؤثرة لعام 2018». بيد أن تأثيرها ظلَّ مستمراً حتى بعد خروجها من المؤسسة البريطانية في عام 2020، وإن خفَّ وهج صورتها بعض الشيء.

البحث عن الجاكيت الذي ظهرت به ميغان في ألمانيا لدى حضورها ألعاب «إنفيكتوس» عطل موقع «جي كرو» (رويترز)

موقع «جي كرو» مثلاً تعطَّل في سبتمبر (أيلول) 2023، بسبب البحث عن سترة بيضاء ظهرت بها لدى مرافقتها زوجها، الأمير هاري، إلى ألمانيا، لحضور ألعاب «إنفيكتوس».

ولأنها باتت تَعرِف قوة تأثيرها على الموضة، استثمرت مؤخراً في علامة «سيستا كوليكتيف»، وهي علامة حقائب تصنعها نساء من رواندا، وتكتمل تفاصيلها في إيطاليا، لتحمل صفة «صُنع باليد». قالت إنها اكتشفتها بالصدفة وهي تقوم بعملية بحث عبر الإنترنت على حقائب مستدامة. ظهرت بالحقيبة أول مرة في مايو (أيار) من عام 2023 لدى حضورها حفل عشاء مع كل من غوينيث بالترو وكاميرون دياز في لوس أنجليس.

عروض الأزياء العالمية

ومع ذلك، لم نرَ ميغان ماركل بأي عرض أزياء في نيويورك أو في باريس أو ميلانو حتى الآن، باستثناء حضورها في عام 2018 حفل توزيع جوائز الموضة البريطانية ضيفةَ شرفٍ لتقديم جائزة العام لمصممة فستان زفافها، كلير وايت كيلر، التي كانت مصممة «جيفنشي» آنذاك. لكن كان هذا حفلاً وليس عرض أزياء.

اختتمت عرض «كوبرني» كسندريلا في فستان من التافتا أسود (رويترز)

كايلي جينر، ورغم رفض الثقافة التي تمثلها هي وأخواتها من قبل شريحة مهمة، أصبحت في السنوات الأخيرة وجهاً مألوفاً في عروض باريس. تُستقبل فيها استقبال نجمات الصف الأول. في الموسم الماضي، وخلال «أسبوع باريس لربيع وصيف 2025»، سجَّلَت في 3 ظهورات لها فقط ما يوازي ما قيمته أكثر من 20.3 مليون دولار، حسب بيانات «إنستغرام» وحده، إذا أخذنا أن «لايك» واحداً يساوي دولاراً.

لهذا ليس غريباً أن يتهافت عليها المصممون. نعم، هي مثيرة للجدل وأسلوبها لا يروق لكل الزبونات، لكنها في آخر المطاف توفر المطلوب من ناحية تسليط الضوء عليهم. ففي عالم الموضة والتجارة «أي دعاية حتى وإن كانت سلبية هي دعاية مجدية وأفضل من لا شيء». لم يقتصر حضورها في الموسم الباريسي ضيفةً فحسب، بل عارضة في عرض «كوبرني» المستلهم من عالم «ديزني». كانت هي مَن اختتمته في فستان من التافتا بإيحاءات قوطية تستحضر صورة «سندريلا».

تأثير إيجابي

3 مقاطع فقط من فيديو العرض، ولقطات من خلف الكواليس حققت 14.4 مليون مشاهدة؛ ما جعل علامة «كوبرني» تحقق 66 في المائة من إجمالي قيمة التأثير الإعلامي. كانت مشاركتها مخاطرة، لكنها أعطت ثماراً جيدة حسب تصريح الدار. تجدر الإشارة إلى أن «كوبرني» لمست تأثيرها القوي في عام 2022، عندما ظهرت في دعاية لمستحضرات التجميل الخاصة بها، وهي تحمل حقيبة من «كوبرني». ما إن نُشرت الصور، حتى زادت مبيعات الحقيبة بشكل كبير. في عرض الدار لخريف وشتاء 2023. لم تتمكن كايلي من الحضور إلى باريس، لكنها لم تغب؛ إذ نشرت صورة لها في زي من التشكيلة المعروضة، شاهدها الملايين من متابعيها، وحقَّقت ما لم يحققه العرض بالكامل من ناحية المشاهدات و«اللايكات».

كايلي جينر لدى حضورها عرض «سكاباريلي» بباريس (سكاباريلي)

وإذا كان الشك لا يزال يراود البعض على مدى تأثيرها على أساس أن علامة «كوبرني» لها شعبيتها الخاصة التي تستمدها من قدرة مصمميها على الإبداع وخلق الإثارة المسرحية أمام الضيوف، فإن تأثيرها الإيجابي على علامة «أتلين» الفرنسية الناشئة تُفند هذه الشكوك. وجودها في عرضها لربيع وصيف 2025 كان له مفعول السحر؛ حيث حققت لها ما يوازي 11.6 مليون دولار من المشاهدات واللايكات. طبعاً لا ننسى حضورها عرض «سكاباريلي» بتصميمٍ أثار انتباه العالم لغرابته وسرياليته.

رغم محاولاتها أن تُصبح أيقونة موضة لا تزال ميغان تستمد بريقها وقوة تأثيرها من ارتباطها بالأمير هاري (أ.ف.ب)

«كايلي» لا تقوم بأي حركة أو فعل من دون مقابل. حتى عندما تختار علامات ناشئة للتعاون مع علامتها الخاصة «كاي (Khy)»؛ فهي تؤمن بأنه لا شيء بالمجان. وهذا تحديداً ما يجعلها تتفوق على ميغان ماركل من ناحية التأثير التجاري حسب الأرقام والخوارزميات. الفضل يعود أيضاً إلى نجاحها في استقطاب شريحة مهمة من بنات جيلها تخاطبهن بلغة تُدغدغ أحلامهن. ماركل في المقابل لم تنجح لحد الآن في الخروج من جلباب لقبها كدوقة ساسكس.