فنجان قهوة مع بيير رينيرو... المشرف على إرث دار «كارتييه»

لا أرى الجيل الصاعد سطحياً... وعلاقتنا بمنطقة الشرق الأوسط تعود إلى عام 1912

بيير رينيرو
بيير رينيرو
TT

فنجان قهوة مع بيير رينيرو... المشرف على إرث دار «كارتييه»

بيير رينيرو
بيير رينيرو

بينما ارتأى كثير من صناع الترف توخي الحيطة إلى أن تمر موجة الأزمة الاقتصادية بسلام، وذلك بالعودة إلى أيقونات حققت النجاح سابقا ويتبركون بها، فإن دار «كارتييه» ظلت دائما جريئة ومتفائلة بأن الموجة ليست عاتية بالحجم الذي يدفعها إلى التخلي عن الإبداع.
بيير رينيرو، مدير الصورة والأسلوب والتراث في «كارتييه»، عايش عدة أزمات ويعرف أنها لا تدوم طويلا، كما يعرف كل صغيرة وكبيرة عن الدار؛ فقد عمل فيها لنحو 34 عاما تقريبا. عندما يتكلم عن إرثها وتاريخها تشعر كأنه قاموس غني بالمعلومات التي تأخذك من الماضي إلى الحاضر... من قصور الملوك والمهراجات وبلاطات القياصرة إلى نجوم هوليوود. ونظرا للدور الذي يلعبه في الدار، فإن بعض الناس يروق لهم أن يلقبوه بـ«حارس دار كارتييه»، لكن يبدو من لقائنا معه أنه لقب لا يلقى كثيرا من الترحيب من قبله:
- القول إني حارس للدار يعني أني أريد أن أُبقي عليها كما هي، بينما العكس صحيح. نعم أقدر تاريخها وغُصت في أرشيفها لأغرف منه معلومات قيمة ربما نسيها البعض وأريد أن أذكرهم بها، لكن هدفي الأول والأخير هو الحفاظ على ديناميكيتها وروحها التواقة إلى الاختراع والابتكار، وهذا يعني الإبقاء على عجلة الإبداع دائمة الحركة، وإلى الأمام. فمهما كان حجم تقديرنا للتاريخ، فإن احترامه يجب ألا يصل إلى حد التقديس الذي يحد من تطويره.
- لحسن الحظ أن الناس أصبحوا يريدون منتجات مترفة تتضمن قصة مثيرة لها جذور وتاريخ، وهذا ما يجدونه في بيوت الأزياء والجواهر العريقة عموما ونحن منهم.
كثيرا ما أسمع شكاوى عن سطحية الجيل الصاعد، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي وعالم الديجيتال على المجتمع ككل، لكني لا أرى الأمر سلبيا، بل العكس، يمكن أن يكون في صالحنا. قد تتساءلين كيف ذلك؟ والجواب أنه كلما شعر الناس بأن العالم أصبح سطحيا والمنتجات جاهزة ومتاحة بسهولة، بحثوا عن مضاد لها. وهذا يعني منتجات مصنوعة بحرفية وذات تاريخ ومصداقية تزيد قيمتها والطلب عليها. ما ألاحظه كلما تكلمت مع الجيل الجديد أنهم أبعد ما يكونون عن السطحية ويُقدرون الجودة وكل ما له تاريخ، لأنهم هم أيضا يريدون نسج قصص خاصة بهم... فرواية القصص لا تدخل ضمن مهامي، لهذا أتركها للزبائن. مهمتي هي كيف ننفذ هذه الجواهر ونصوغها، وكيف نتوصل إلى الأحجار وما شابه من أمور، وكيف نحافظ على إرثنا من دون أن نتوقف عنده.
- نعيش حاليا فترة مهمة في عالم الجواهر... يمكنني القول إنها نهضة ذهبية جديدة. في السابق كانت الجواهر الرفيعة من نصيب قلة قليلة من الناس، وظلت الحال على ذلك إلى الحرب العالمية الثانية، لأن الناس كانوا يتجنبون استعراض ثرواتهم خوفا من ردود الفعل العدوانية؛ إن صح القول. أكبر دليل على هذا ما تعرض له كريستيان ديور من استنكار عالمي عندما أطلق ما أصبح يُعرف بـ«ذي نيو لوك» في عام 1947. تشكيلة استعمل فيها أمتارا طويلة من الأقمشة المترفة في وقت كان فيه الناس يرون أنه لا بد من بعض التقشف. إذا كان هذا عن الأزياء فما البال إذا كان عن الجواهر؟ للتمويه على هذا الأمر، كان مهماً أن نركز على الأحجار، فيما تم الإبقاء على التصاميم هادئة وبسيطة حتى لا تلفت الأنظار والاستنكار على حد سواء. وربما هذا ما يفسر تراجع التصميم لحساب الأحجار في تلك الفترة. في نهاية السبعينات ومنتصف الثمانينات بدأ التصميم يستعيد أهميته. الفضل يعود إلى المزادات العالمية التي ساعدت على اكتشاف جواهر قديمة بتصاميم في غاية الابتكار والأناقة وبتقنيات عالية جدا. فجأة بدأت شركات المزادات تتكلم عن جمال التصميم والأبعاد الفنية للجواهر، وهو ما كان مثيرا لجيل كامل لم يعش فترة الإبداع الفني.
- أنا لا أنكر أن أسعار بعض هذه الجواهر باهظة، لكنها تمنح المتعة وتُدخل السعادة حتى على من لا يستطيع اقتناءها. فهي مثل لوحة فنية جميلة تماما، ليس كل من سيراها سيشتريها، لكن هذا لا يمنع من الاستمتاع بفنيتها وتقدير كم الإبداع فيها. أنا أراه جزءا من إشراك الآخر في عملية الإبداع، من ناحية أنها جزء من الثقافة والفن.
- لا أعتقد أن التوجه الحالي لاستعمال الأحجار الضخمة، هدفه استثماري بالضرورة... على الأقل ليست هذه الفكرة بالنسبة لـ«كارتييه». برأيي أن سوق الأحجار الكريمة تغيرت وتطورت، كما ساعدت وسائل التنقل والمواصلات في الحصول عليها بسهولة أكبر. فعندما نسمع بتوفر حجر نادر في أي مكان من العالم، فإننا نتفاعل مع الخبر بسرعة. الطريف أننا على الرغم من أننا لا نستعمل الأحجار بدافع الاستثمار ونحرص في المقابل أن تحمل كل قطعة بصمات وروح «كارتييه»، نلاحظ أن قيمتها تزيد في أعين المقتنين. فما إن يُعرف في أي مزاد أن القطعة تحمل توقيعنا، وتتضمن أحجارا اخترناها، حتى ترتفع قيمتها مباشرة. وهذا يعود أولا وأخيرا إلى عامل الثقة؛ فالقطعة والأحجار نفسها من دون توقيع «كارتييه» لن تحصل على القيمة والسعر نفسه في هذه المزادات.
- هناك كثير من الأشياء التي نستلهم منها؛ على رأسها الأحجار... فعندما نحصل على أي حجر نادر أو متميز ترتسم صورة في أذهاننا بمجرد أن نلمسه ونرى لونه ومدى عُمقه. هناك أيضا بعض الثقافات الغنية، مثل الثقافتين الهندية والعربية، اللتين تربطنا بهما علاقة قديمة. خذي مثلا العلاقة مع منطقة الشرق الأوسط، فهي تعود إلى عام 1912، عندما أتى جاك كارتييه إليها برفقة بعض مساعديه بحثاً عن اللآلئ الثمينة التي تشتهر بها منطقة الخليج. منذ اللحظة الأولى التي وصل إليها شدّته بدفئها ورمالها وخلجانها، وهو ما يظهر بين الفينة والأخرى في تصاميمنا.
- الماضي والحاضر وجهان لعملة واحدة... لا يكتمل أحدهما من دون الآخر؛ بيد أني لا أعتقد أن الأرشيف مرجع بقدر ما هو قاموس تجب قراءته وفهمه. لهذا عندما ينضم أي مصمم جديد إلينا، فإننا نقدمه لهذا الأرشيف لكن لا نطلب منه التقيد به، لأن الفكرة لم تكن مطلقا استنساخ الماضي بقدر ما هي ابتكار تصاميم جديدة تحمل بصمات الدار.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.