فنانون عرب يبهجون ليالي السعوديين بحفلات غنائية

شيرين طلبت من الفرقة الموسيقية تحضير معظم أغنياتها لتلبية طلبات الجمهور... وحلم راغب علامة أصبح حقيقة

محمد عبده في حفله الغنائي بالرياض أول من أمس («الشرق الأوسط»)
محمد عبده في حفله الغنائي بالرياض أول من أمس («الشرق الأوسط»)
TT

فنانون عرب يبهجون ليالي السعوديين بحفلات غنائية

محمد عبده في حفله الغنائي بالرياض أول من أمس («الشرق الأوسط»)
محمد عبده في حفله الغنائي بالرياض أول من أمس («الشرق الأوسط»)

وسط حضور لافت، تغنى مشاهير الطرب العربي في حفلات نظمت بمختلف المدن السعودية خلال إجازة عيد الفطر، من بينهم محمد عبده في الرياض، ووليد الهاشمي وحسين الجسمي في الدمام، وراغب علامة وشيرين في جدة.
وأبدى الفنانان، اللبناني راغب علامة والمصرية شيرين، سعادتهما بإحيائهما أولى حفلاتهما الرسمية في السعودية، وعقد الفنانان مؤتمرين صحافيين متتاليين أول من أمس في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بجدة، التي احتضنت حفلي الفنانين خلال اليومين الماضيين، اللذين أديا خلالهما أشهر أغانيهما.
وقال راغب علامة في مستهل المؤتمر الصحافي: «إحياء حفل فني في السعودية كان في وقت من الأوقات حلماً بالنسبة لي، ولكن القيادة السعودية حولت هذا الحلم إلى واقع، كونها تهتم بالترفيه كجانب مهم وحيوي من حياة الشعوب، والفن أحد جوانب الترفيه، ولذلك أنا في قمة السعادة».
وأشار إلى رغبته في الغناء بحفلات أخرى في مختلف مناطق السعودية «لأن الجمهور السعودي يهمنا كثيراً، فيكفي أن هذا الجمهور هو من أرض السعودية، التي تعد الشقيق الأكبر للعالم العربي، كما أن علاقتي مع الجمهور السعودي علاقة قديمة جداً. كان الجمهور السعودي يسعد بمتابعتنا خارج السعودية، واليوم يستقبلنا ضيوفاً لديه، ويجدد العلاقة بيننا في إطار العادات والتقاليد السعودية التي نحترمها ونقدرها ونعجب بها».
ولفت علامة إلى أنه خص الجمهور السعودي بأداء أغنية «اللي باعنا خسر دلعنا» للمرة الأولى على خشبة المسرح منذ إطلاقها في السابع من الشهر الحالي، تعبيراً عن سعادته بالمناسبة، مضيفاً أن كلمات الأغنية لا تجسد حقيقة واقعية حصلت له، وإنما كلمات عفوية ذات طابع خفيف ورسائل إيجابية، وأضاف: «لم أكن يوماً للبيع، بل على العكس دفعت ثمن الخلافات»، واستدرك راغب ضاحكاً: «أعني أنه لم يستطع أحد شرائي، لذلك من الطبيعي لن يستطع أحد بيعي».
وتابع راغب: «في عصر الأغنية الواحدة، أدركت أن كثيراً من أغاني السابقة ظُلمت، لأن الإصدار كان عبارة عن ألبوم يجمع عدة أغاني، فلا تأخذ كل أغنية نصيبها من التركيز من قبل الجماهير، على عكس الأغنية الواحدة التي نصدرها في الوقت الحالي، فتأخذ نصيباً أوفر».
وأبدى المطرب الشهير سعادته بقدرته على أداء اللون الخليجي، كاشفاً أنه يستعد لعمل لم تتضح معالمه كافة بعد، مشيراً إلى أنه يجيد عدداً من اللهجات العربية الأخرى، مثل المصرية وغيرها.
وتطرق إلى أن الجمهور قد يتفاجأ عندما يعلم أن قراره بالأغنية التي سيبدأ بها السهرة الفنية جاء قبل بداية الحفلة بعشر ثواني فقط، وأضاف: «أنا لا أجيد التحضير المسبق في هذه الناحية، بل أعتمد على المزاج الذي أعيشه قبل دخولي المسرح بثوانٍ، حينها أرسل أحد المرافقين إلى قائد الفرقة الفنية ليخبره عن الأغنية التي وقع عليها الاختيار لتكون بداية الحفلة».
أما الفنانة شيرين، فذكرت أن سعادتها تكمن في أنها تعرف ذائقة الجهور السعودي لأنها سبق أن أحيت حفلات خاصة في الفترات الماضية، مبينةً أن مشاركتها في حفل عام في السعودية يزيد المسؤولية على كاهلها، ولذلك طلبت من الفرقة الموسيقية تحضير معظم أغنياتها لتلبية طلبات الجمهور السعودي الذوّاق، وكذلك كتعبير عن فرحتها بالغناء في السعودية للمرة الأولى في حفلة عامة.
وأضافت شيرين لـ«الشرق الأوسط»: «طفلتي الصغيرة دائماً ما تقول لي: أحبك يا أمي لأنك تمثلين نفسك كما أنت، فطلبت منها التوضيح، فردت أن بعض الناس يعيشون شخصيات غير شخصياتهم الحقيقية، على عكسي أنا، حيث إني أفضل أن أعيش شيرين كما أنا بشخصيتي الحقيقية، سواء في الفن أو في حياتي الخاصة».
وتابعت: «أحرص إذا أردت التغيير في شخصيتي أن يكون ذلك للأفضل، ولكن ليس لتغيير شخصيتي الحقيقية، فهي ثابتة، ولن أسمح لأحد بمحاولة التأثير لتغيير طبيعتي، وأنا أعكس ما بداخلي بصدق، وهي الشخصية التي أحبها الناس وعرف ما بداخلها. ومع ذلك، فإن هناك من ينتظر أي حديث أقوله ليتعمد تضخيمه سعياً لإيذائي».
ولفتت شيرين إلى أنها تعلم أن من يحاول الإساءة لها قلة، ولكنهم مؤثرون في بعض المواقف، لكن ما يخفف عليها هو أن كثيرين في الوطن العربي يعشقونها، ويقدرون فنها، وهو ما يهون عليها كثيراً على حد قولها، مستشهدة بالاستقبال الكبير الذي تجده من الجمهور في لبنان منذ 17 عاماً، مقدرة حرص الفنان وائل كفوري على الحضور بنفسه لإحدى حفلاتها في لبنان، رغم صعوبة وصوله إلى مقر الحفل.
وتطرقت شيرين لعلاقاتها الفنية مع زوجها الفنان حسام حبيب، مبينةً أنها تسعى لتكرار عمل دويتو معه، خصوصاً أن طفلتيها طلبتها ذلك، ولكنها لن تستعجل في ذلك لأنها تريد أن يرقى الدويتو إلى مستوى العلاقة المتينة بينهما باعتبارهما زوجين وفنانين.
وفي ما يتعلق بمشاركتها في التلفزيون والسينما، قالت شيرين إنها تجتهد كثيراً في هذا المجال، وتقبل المشاركة في الدراما متى وجدت النصوص الجيدة، مبينةً أنها تتلقى عروضاً لتمثيل أدوار بشكل سنوي، وتدعو الجميع لانتظارها في أدوار قوية في السينما في الفترة المقبلة.
وعن سر حرصها على الغناء على طريقة الرموز الفنية في مصر، قالت شيرين: «منذ صغري، كان والدي دائماً يسمعني غناء عمالقة الغناء المصري والعربي، وتأثرت كثيراً بهم، مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم وليلى مراد ومحمد فوزي، ولذلك أصدر أغنية كل 3 سنوات كي تكون على مستوى عالٍ من الجودة».
وبيّنت أنها تميل لغناء كلمات تستمر، وليس كلمات لمجرد ردة فعل أو مسايرة الموضة في فترة ما، ولذلك تهتم كثيراً في البداية بقصة الكلمات التي ستغنيها، ثم لحنها، قبل أن تقرر الموافقة على أدائها: «لأن ما أقدمه هو بالفعل رسالة أود توصيلها بطريقة إيجابية للمجتمع، فليس الهدف ألبوم أو أغاني بهدف جمع المال فحسب، والعملية بالنسبة لي أشبه بالتنقيب عن الذهب في التراب».
وأعلنت شيرين عن ألبومها المقبل، مبينة أنها تعمدت تأجيله حتى لا يتصادم مع انشغال الجماهير بكأس العالم، مؤكدة أنها من المتابعين بشدة لأحداث كأس العالم، وتشجع مصر وبقية المنتخبات العربية، وتأمل لهم التوفيق في المسابقة العالمية.
كما قدّم الفنان محمد عبده حفلة غنائية أول من أمس في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض، ولقي حضوراً كبيراً من الجنسين، وتفاعل الجمهور مع الوصلات الغنائية التي أداها بروح جميلة. وتعد حفلة الفنان محمد عبده الثانية التي شاركت فيها العائلات إلى جانب الأفراد.
وفي الدمام، افتتح الفنانين حسين الجسمي ووليد الهاشمي حفلات العيد، التي شهدتها الصالة الخضراء، بحضور عائلي، وذلك برعاية الهيئة العامة للثقافة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)