بعد تجارب كثيرة لاستغلال حاسة الشّم القوية لدى الكلاب في تشخيص أنواع معينة من المرض الخبيث، يسعى باحثون أميركيون وفرنسيون وكنديون ويابانيون لتطوير هذا الأسلوب من خلال تصميم أنف إلكتروني قادر على تعيين السرطان من خلال تشمم بعض خلايا المريض وإفرازاته.
وكان الدكتور توراغ سولوكي، أستاذ الكيمياء في جامعة ماين الأميركية، قد باشر مع عدد من زملائه تطوير جهاز يقوم بوظيفة الأنف ويمتلك الخواص التي تمتلكها الكلاب ذات حاسة الشّم الحادة الطبيعية. ويتفوق الأنف الصناعي في أنّه أطول عمراً من أنف الكلب ويحتاج «صيانة» أقل، لكنّ التوصّل إليه يتطلّب عمليات تقنية معقدة وعلى درجة عالية من الدقة. وينطلق شغف العلماء من قناعتهم بأنّ الأورام السّرطانية لها علاماتها وروائحها البيولوجية التي تتغير مع تغيّر أحجامها، وهو ما يمكن فرزه والتّعرف عليه عبر الشّم. ويأمل الدكتور سولوكي في أن تكون سوق «الأنوف الإلكترونية» رائجة في غضون 10 سنوات من الآن.
وحسب تقرير نشر حديثاً، فإنّ باحثاً فلسطينياً، هو الدكتور حسام حايك، يعمل في حيفا بالأرض المحتلة، عكف على تطوير أنف صناعي يسمّى «نانو نوز»، مستخدماً تقنية «النانو» للتّعرف على أنواع من السرطانات من خلال أنفاس المرضى، ومنها سرطان القولون. وقد نجح هذا الأنف في التّمييز بين الأنواع المختلفة. وتبشّر أبحاث حايك بنتائج أوسع بكثير من تلك الجارية في جامعات أخرى. لكنّ هذا الأسلوب الذي يشكّل فتحاً في عالم العلاجات المتقدمة، لا يُحبط تجارب باحثين آخرين يواصلون تدريب كلاب على شم السرطان. وهي طريقة يعود الإصرار عليها إلى قناعة باحث أميركي هو الدكتور مايكل ماكولوش. فإذا كان الكلب حيواناً وفياً ورفيقاً ممتازاً، يستعين به فاقدو البصر في تنقلاتهم، ورجال الشرطة في تتبع آثار المجرمين، فإنّ ما لم يكن معروفاً حتى سنوات قلائل هو أنّ هذا الحيوان الأليف يمكن أن يحقّق ثورة في عالم الطّب لأنه يمتلك حاسة تتيح له تشمّم روائح بعض الأمراض التي يصاب بها البشر، والتحقق منها بشكل يواكب، بل يسبق، أجهزة الأشعة الضوئية والمقطعية والرنين الصوتي.
قام الدكتور ماكولوش بتدريب كلبه «كابتن جينينكز» على تشمم سرطان المبيض لدى النساء. فمن الصعب تشخيص هذا النوع من المرض بواسطة الأجهزة المتوفرة حالياً. إنّ الباحث يصطحب معه رفيقه الوفي إلى مكان عمله. وهو كلب صغير من نوع «بودل» يبلغ من العمر 5 سنوات، وواحد من 5 كلاب تشارك في دراسة حول سرطان المبيض. وتبشر هذه الأبحاث بآفاق علاجية أفضل، نظراً لأن التبكير باكتشاف المرض يلعب دوراً أكيداً في إمكانية علاجه في الوقت المناسب. ويرى الباحثون في مؤسسة «باين ستريت» في كاليفورنيا، أنّ الكلب قادر على شمّ أنواع من الأورام قبل أن تشعر المريضة بأوجاع أو تتلمس أي كتل صلبة في جسمها.
يعمل الباحثون في المؤسسة مع كلابهم متطوعين ومن دون مقابل مادي. والهدف من البحث تسجيل حقائق علمية والتوصل إلى وسائل تشخيص مبتكرة. وعلى الرّغم من أنّ «كابتن جينينكز» كلب صغير وقزم، فإنه أنجز عملاً كبيراً حتى الآن. وكانت أبحاث سابقة قد أكدت أنّ وجود كلب مع شخص مصاب بـ«ألزهايمر» أو بداء الكآبة، أو مع شخص مُسنّ، يساعد كثيراً في التخفيف من الوحدة التي يعاني منها المريض. كما يمكن للكلب أن يستشعر حدوث نوبات الصرع، بالطريقة نفسها التي يتنبأ بها بحدوث الهزات الأرضية. وقد جرت العادة على القول إن الكلب «يشمّ» الزلازل والعواصف والأعاصير.
ولكن هل للسرطان رائحة؟ درس الدكتور ماكولوش الطّب الصيني وكان متخصصاً في الأوبئة والأمراض السّارية والمعدية، بدأ أولى أبحاثه حول حاسة شمّ الكلاب بعد أن قرأ مقالاً نشرته المجلة الطبية البريطانية «ذا لانسيت» سنة 1989. وجاء في ذلك المقال أن كلباً من فصيلة السلوقي، لم يتوقف عن شمّ بقعة ظهرت على ساق صاحبته. وقد تبين فيما بعد أن البقعة كانت شامة طارئة «ميلانوم» من نوع سرطان الجلد المميت. ولأنّ الطّبيب كان عاشقاً للكلاب، فقد أراد أن يتأكد بنفسه ممّا قرأه في المجلة الطبية. وكانت البداية أنّه أقام مركزاً في كاليفورنيا وبدأ بتدريب بضعة كلاب من النوع الذي يستخدم في إرشاد المكفوفين. وكان التدريب يقوم على ترك الكلاب تشمّ عينات من أنفاس نساء ورجال جرى تشخيص سرطان الثدي أو الرئة لديهم، ومكافأة الكلب في حال هزّ ذيله عند إحساسه بشيء غريب. وتشبه هذه الطريقة ما يقوم به رجال الشرطة والمحققون حين يتركون الكلب يتشمم قميص شخص مفقود لكي ينطلق في أثره ويساعدهم في العثور عليه أو معرفة الطريق الذي سلكه. كان على الكلاب المدربة أن تشمّ عدة أنابيب تحتوي على عينات من أقمشة مشبعة بأنفاس أشخاص أصحاء. وبعد ذلك جرى وضع عينة واحدة بشكل عشوائي لأنفاس شخص مصاب بالمرض الخبيث، بين 4 عينات سليمة. وكان على الكلب المدرب أن يستلقي على الأرض عند العينة الغريبة، تماماً مثلما يفعل الكلب البوليسي عندما يتعرّف على رزمة من المخدرات أو الحشيش. وقد نشرت نتائج تلك التجربة الأولى في عام 2006، وأشارت إلى نسبة نجاح ممتازة لدى الكلاب في التشخيص؛ حيث إنها تمكنت من التعرف على المريض من بين الأصحاء، خصوصاً عندما تكون الإصابة بسرطان الثدي. وتجلّت قدرة الكلاب على تعيين مريضات جرى علاجهن، لكنّ المرض عاود الظّهور لديهن. وبعد 18 شهراً من الإشارة التي أعطاها الكلب، خضعت المريضات للفحص بالرنين الصوتي وتبيّن عودة الأورام إلى صدورهن، وهو ما لم تكشفه الفحوصات المختبرية في حينه. والسؤال هو: هل شم الكلب الخلايا السرطانية الجديدة أم إنه كان قادراً على التّعرف على بقايا الأورام التي تم علاجها بالإشعاع أو إزالتها بالجراحة؟ الجواب غير معروف حتى اليوم. بموازاة تلك التجارب، جرت دراسات تتعلق بتشخيص سرطان الرئة وأعطت نتائج طيبة من خلال رائحة فم المريض. ففي مستشفى «تونون» في باريس، قام الدكتور جان نيكولا كورنو، بدراسة ذات نتائج مشجعة جداً. فقد نجح كلب مدرب من فصيلة «الراعي البلجيكي (بلجن شيفيرد)» في التعرف على 30 من مجموع 33 عينة لبول أشخاص مصابين بسرطان البروستاتة. وهو نوع من المرض يعطي نتائج مغلوطة عند الفحوص المختبرية، تؤدي إلى علاجات وجراحات غير ضرورية ولا داعي لها.
أنف إلكتروني ينافس الكلاب في شم السرطان
عالم فلسطيني بجامعة حيفا ينجح في تطوير الـ«نانو نوز»
أنف إلكتروني ينافس الكلاب في شم السرطان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة