الأمية تهدد جيل الحرب في سوريا... ثلث الأطفال خارج المدارس

2.8 مليون طفل من أصل 8 ملايين انقطعوا عن الدراسة

أطفال سوريون نازحون من قرى في ريف إدلب يدرسون بمخيم للنازحين في سرمدا بمحافظة إدلب (أ.ف.ب)
أطفال سوريون نازحون من قرى في ريف إدلب يدرسون بمخيم للنازحين في سرمدا بمحافظة إدلب (أ.ف.ب)
TT

الأمية تهدد جيل الحرب في سوريا... ثلث الأطفال خارج المدارس

أطفال سوريون نازحون من قرى في ريف إدلب يدرسون بمخيم للنازحين في سرمدا بمحافظة إدلب (أ.ف.ب)
أطفال سوريون نازحون من قرى في ريف إدلب يدرسون بمخيم للنازحين في سرمدا بمحافظة إدلب (أ.ف.ب)

أكثر من ثلث أطفال الحرب في سوريا باتوا يواجهون خطر التحوّل إلى جيل أمّي أو في أحسن الأحوال من غير المتعلمين بالكاد يعرفون القراءة والكتابة، بحيث تشير التقديرات إلى أن 2.8 مليون طفل غير مسجلين في المدارس في سوريا ودول الجوار من أصل 8 مليون طفل سوري.
ورغم كل المحاولات التي تُبذل على خط الحد من هذا الخطر يعبّر وزير التربية في الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف السوري، عماد برق، عن خشيته من أن يصبح جيل سوريا المستقبلي أمّياً في ظل انقطاع أعداد كبيرة عن التعليم، وهو ما تحاول منظمة «اليونيسيف» تقديم تطمينات، وإن حذرة، بشأنه معوّلة على الجهود التي تبذل لإنقاذ الأطفال من هذا المصير، بحسب ما تشير المتحدثة باسمها جوليات توما.
وكانت «اليونيسيف» في آخر تقرير لها حول تعليم الأطفال قد أعلنت أن 2.1 مليون طفل سوري يعيشون خارج مقاعد الدراسة في سوريا، بينما يقدّر عدد المتسربين من مواطنيهم في دول الجوار التي لجأوا إليها بنحو 700 ألف، بحسب توما، ويتوزعون بين لبنان وتركيا والعراق ومصر، وهو الرقم الذي يشكّك فيه برق، مشيراً إلى أنه في تركيا فقط هناك نحو 500 ألف متسرب من المدرسة.
وفي حين يفوق عدد التلاميذ السوريين المسجلين في الأردن الـ126 ألفاً، بحسب ما سبق أن أعلن الأمين العام لوزارة التربية والتعليم الأردنية، محمد العكور، أي بنسبة نحو 57 في المائة من عدد الأطفال في الأردن، يقدّر عدد التلاميذ المسجلين في لبنان بـ190 ألفاً.
ولفت تقرير «اليونيسيف» إلى أن أكثر من نصف الأطفال السوريين اللاجئين في لبنان، موجودون خارج المدرسة لاضطرارهم للعمل لسدّ لقمة العيش، أو بسبب تنقل العائلة المستمر، أو لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف المواصلات إلى المدرسة.
وانطلاقاً من هذا العدد، تقول توما لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك 2.8 مليون طفل خارج المدارس في سوريا ودول الجوار من أصل 8 ملايين طفل سوري».
وفي الأسباب التي تقف حاجزاً أمام تعليم الأطفال في سوريا، تقول توما: «في الداخل يلعب استمرار القتال والعنف العائق الأهم إضافة إلى استهداف المدارس، أما في دول الجوار فأهم العوائق الوضع الاقتصادي للعائلات ما يضطر الأطفال للجوء إلى العمل رغم توفير فرص التعليم المجاني في هذه الدول من قبل المنظمات الدولية، بحيث بلغ عدد الذين يستفيدون من الإعانات التعليمية من الأمم المتحدة خمسة ملايين طفل سوري».
ويوضح برق أن المناطق التي تشرف عليها وزارة التربية في الحكومة المؤقتة تقع تقريباً في ست محافظات هي درعا والقنيطرة وإدلب وأجزاء من أرياف حماة واللاذقية وغرب حلب «وحتى وقت قصير كانت في ريفي دمشق وحمص الشمالي، قبل أن تخرج منهما المعارضة ويتسلمها النظام». ويلفت وزير التربية لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «قبل الخروج من هاتين المنطقتين كان عدد التلاميذ المسجلين في المدارس الخاضعة للمعارضة نحو 750 ألفاً وهم من الصفوف الأولى إلى الثانوي (بين خمسة أعوام و17 عاماً)، وهؤلاء يشكلون ما بين 55 و60 في المائة من عدد الأطفال في كل المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. في المقابل، هناك نحو 40 في المائة من المتسربين من المدارس حتى إنهم باتوا في خانة المنقطعين أي الذين مر أكثر من ثلاث سنوات على عدم متابعتهم الدراسة، وهو ما يجعل عودتهم إلى مقاعد الدراسة أكثر صعوبة، خصوصاً كلما تقدم الأطفال بالعمر بحيث يلجأون إلى العمل أكثر نظراً إلى الظروف الاجتماعية التي يعيشونها». ويلفت إلى أن الواقع على الأرض يعكس هذا الأمر بحيث إن 80 في المائة من مجمل الأطفال المسجلين هم بين الصف الأول والسادس، بينما لا تتعدى نسبة الذين يكملون تعليمهم ويصلون إلى الصفوف الثانوية الـ40 في المائة من مجمل الأطفال الذين يُفترَض أن يتسجلوا في هذه المرحلة.
ويؤكد أن المشكلة تكمن في أنه كلما تقدّم الطفل بالسن وهو منقطع عن المدرسة تكون عودته شبه مستحيلة، مضيفاً أن «عدداً كبيراً من المنقطعين عن الدراسة تجاوز انقطاعهم الست سنوات وهو ما يصعّب عودتهم، وإذا حصل باتوا بحاجة لبرامج خاصة».
وانطلاقاً من الواقع الذي تعيشه العائلات السورية والفقر، بحيث يضطر الشباب للانقطاع عن الدراسة للعمل سعياً وراء لقمة عيشهم، يلاحظ بحسب برق أن عدد الإناث أكثر من الذكور في المراحل الثانوية، بينما يتساوى الطرفان في فرص الحصول على التعلم في المراحل الأولى.
أما في المرحلة الجامعية، فهناك نحو ثمانية آلاف طالب في جامعة حلب التي يجتمع فيها شباب وفتيات أتوا من مناطق خاضعة لسيطرة النظام كما المعارضة، موضحاً أن «من يأتون من مناطق النظام هم في معظمهم ممن يلجأون إليها هرباً من التجنيد الإلزامي. كذلك هناك في جامعة إدلب نحو عشرة آلاف طالب موزعين على مختلف الكليات».
وفيما يعبّر برق عن خشيته من أن يتحول أطفال سوريا إلى جيل أمّي، تحاول توما التخفيف من هذه الأزمة بالقول إن هناك خطراً من جيل ضائع، معوّلة في الوقت نفسه على الجهود التي تبذل من المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة في هذا المجال. ومن ناحيته، يلفت كذلك برق إلى أن الحكومة المؤقتة تحاول تأمين فرص العمل قدر الإمكان لاستيعاب أكبر عدد من التلاميذ رغم الإمكانات القليلة التي تملكها، خصوصاً المادية منها، إضافة إلى ظروف التهجير والنزوح التي تعاني منها العائلات وتشكل عائقاً إضافياً.
ولاستهداف المدارس في الحرب دور أيضاً في هذه الأزمة، بحيث إنه ووفق الأمم المتحدة كان هناك أكثر من 22 ألف مدرسة تعمل في جميع أنحاء سوريا، وقد أغلق منها خلال الحرب نحو 7400 مدرسة، أما تلك التي لا تزال تعمل بشكل عام فتعاني من «سوء المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية». وقالت «اليونيسيف» إنه «تم التحقق من 347 هجوماً على المدارس والعاملين في سلك التعليم منذ بدء النزاع في سوريا». وتتوزع المدارس الخارجة عن الخدمة، بحسب توما، بين تلك التي دُمّرت نهائياً أو تعرّضت لأضرار ولا يمكن استخدامها أو تحوّلت إلى ملاجئ للعائلات الهاربة من الحرب أو إلى مراكز وأهداف عسكرية.
وتلفت إلى أنه في معظم الأحيان تم استبدال غرف جاهزة بهذه المدارس، كما في حلب، أو في خيام، كما في مخيمات اللجوء قبل أن ينقلوا منها إلى مدارس كما حصل في الأردن.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.