حرب كلامية بين فرنسا وإيطاليا وتهديد بإلغاء لقاء ماكرون ـ كونتي

روما تطالب بـ«اعتذار رسمي» بعد وصف باريس سلوكها بالمعيب وغير الإنساني اتجاه المهاجرين

وافقت إسبانيا في النهاية على استقبال السفينة أكواريوس وهي حاليا في طريقها إلى فلنسيا ترافقها وحدات تابعة للبحرية وخفر السواحل الإيطالي (ا.ف.ب)
وافقت إسبانيا في النهاية على استقبال السفينة أكواريوس وهي حاليا في طريقها إلى فلنسيا ترافقها وحدات تابعة للبحرية وخفر السواحل الإيطالي (ا.ف.ب)
TT

حرب كلامية بين فرنسا وإيطاليا وتهديد بإلغاء لقاء ماكرون ـ كونتي

وافقت إسبانيا في النهاية على استقبال السفينة أكواريوس وهي حاليا في طريقها إلى فلنسيا ترافقها وحدات تابعة للبحرية وخفر السواحل الإيطالي (ا.ف.ب)
وافقت إسبانيا في النهاية على استقبال السفينة أكواريوس وهي حاليا في طريقها إلى فلنسيا ترافقها وحدات تابعة للبحرية وخفر السواحل الإيطالي (ا.ف.ب)

استمرت الحرب الكلامية، أمس، بين فرنسا وإيطاليا بعد رفض الأخيرة استقبال سفينة تجوب البحر الأبيض المتوسط وعلى متنها أكثر من 600 مهاجر. باريس وصفت موقف الحكومة الإيطالية الائتلافية الجديدة، التي تشكلت قبل أيام فقط من أحزاب يمينية وشعبوية إيطالية، بـ«المعيب وغير المسؤول» اتجاه هذه المشكلة الإنسانية. وهددت روما بإلغاء اللقاء المنتظر بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي غدا (الجمعة) ما لم تعتذر باريس عن كلامها، واستدعت السفير الفرنسي لتسجل اعتراضها على الموقف «غير المقبول».
صرح وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني بأن على الحكومة الفرنسية أن تعتذر عما صدر عنها من وصف لإيطاليا بأنها بلا قلب لرفضها استقبال قارب إنقاذ محمل بالمهاجرين. وقال سالفيني أمام مجلس الشيوخ: «تاريخنا في التضامن والسخاء والتطوع لا يستحق أي انتقاد من أعضاء الحكومة الفرنسية، وآمل وأعتقد أن الحكومة الفرنسية ستقدم اعتذاراً رسمياً في أسرع وقت ممكن».
كما اتهم فرنسا بالامتناع عن استقبال نحو تسعة آلاف طالب لجوء من إيطاليا، في إطار خطة للاتحاد الأوروبي لإعادة التوزيع والتي لطالما عُرفت بأنها لم تحقق أهدافها. وحث سالفيني الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على «الانتقال من الأقوال إلى الأفعال» وقبول طالبي اللجوء بدءاً من «صباح الغد». وكان قد ندد ماكرون الثلاثاء بالموقف «المعيب وغير المسؤول» للحكومة الإيطالية لرفضها استقبال السفينة أكواريوس، في حين قال المتحدث باسم حزبه «الجمهورية إلى الأمام» غابريال اتال، إن موقف إيطاليا بشأن أكواريوس «يثير الغثيان».
وعلق المهاجرون البالغ عددهم 629 وأنقذتهم أكواريوس، على متن السفينة المكتظة التي تديرها منظمة «إس أو إس المتوسط» الفرنسية غير الحكومية، لأكثر من 30 ساعة في حين رفضت إيطاليا ومالطا استقبالهم.
أكواريوس، بدأت الأحد الماضي الإبحار بعيداً عن الشواطئ الإيطالية بعدما قالت الحكومة الإيطالية إنه يتعين أن تقوم مالطا باستقبالها. ورفضت مالطا هي الأخرى السماح للسفينة، التي تشغلها منظمات إغاثة، بدخول شواطئها. وفي النهاية وافقت إسبانيا على استقبالها، وهي حالياً في طريقها إلى فلنسيا ترافقها وحدات تابعة للبحرية وخفر السواحل الإيطالي.
وقال وزير الخارجية الإيطالي انزو موارفيرو ميلانزي في بيان بعد استدعاء السفير الفرنسي لدى إيطاليا صباح الأربعاء، إن «الحكومة الإيطالية تعتبر من غير المقبول استخدام تلك العبارات في تصريحات رسمية أمس في باريس». وبحسب ميلانزي «إن مثل تلك التصريحات تقوض العلاقات بين إيطاليا وفرنسا». وأضاف، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية إن «اللهجة المستخدمة غير مبررة»، قائلاً إنه «يتفهم بأن دولة حليفة وصديقة قد تختلف مع مواقف دولة أخرى، فإن الخلاف يجب أن يتم التعبير عنه بطريقة وبأساليب تتماشى مع علاقة الصداقة تلك».
وردت وزارة الخارجية الفرنسية بأنها «مدركة تماماً» للضغوط التي تتعرض لها إيطاليا في مواجهة تدفق اللاجئين من أفريقيا، مشددة على أن باريس «متمسكة بالحوار والتعاون» في قضية الهجرة.
والأربعاء أيضاً أعلن المستشار النمساوي سيباستيان كورتز، أن وزراء الداخلية في كل من النمسا وألمانيا وإيطاليا قاموا بتشكيل «محور» للتصدي للهجرة غير الشرعية إلى أراضي الاتحاد الأوروبي.
وقال كورتز في مؤتمر صحافي في برلين «إنني سعيد بالتعاون الجيد الذي نريد تطويره بين روما وفيينا وبرلين». وتابع المستشار النمساوي الذي جعل من مكافحة الهجرة أولوية خلال رئاسته الدورية للاتحاد الأوروبي التي تبدأ في الأول من يوليو (تموز) «هناك عدد أكبر من القادمين إلى اليونان وتطورات جديدة على طريق البلقان. أعتقد أنه من المهم ألا ننتظر الكارثة كما في 2015، بل أن نتحرك ضدها في الوقت المناسب». وكان المستشار النمساوي حينذاك ونظيرته الألمانية أنجيلا ميركل فتحا حدود بلديهما أمام آلاف المهاجرين القادمين من سوريا والعراق وأفغانستان.
وتولى سيباستيان كورتز منصبه في نهاية 2017 في النمسا بالتحالف مع اليمين القومي، وبناء على مشروع لمكافحة الهجرة. ومنذ ذلك الحين شكلت في إيطاليا حكومة متشددة في هذا الملف تجمع بين اليمين القومي والشعبويين.
ويضعف الإعلان عن محور ألماني إيطالي نمساوي حول هذه القضايا موقف ميركل التي تستعد لانتزاع اتفاق حول نظام أوروبي للجوء تمهيداً لقمة الاتحاد في نهاية يونيو (حزيران). لكن عدداً من الدول تعارض ذلك لأنها ترفض نظاماً لتوزيع المهاجرين على الدول الأوروبية. وعبر كورتز عن ارتياحه لأن الكثير من الدول الأوروبية باتت تؤيد تبني حلول حازمة حيال الهجرة السرية، وذكر خصوصاً هولندا والدنمارك. وتعارض المجر وبولندا والجمهورية التشيكية أيضاً أفكار المستشارة الألمانية.
من جانب آخر، دعا وزير التنمية الألماني جيرد مولر، إلى التوصل لحل أوروبي مشترك في الخلاف حول سياسة اللجوء. وقال مولر، المنتمي للحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، في تصريحات لشبكة «إيه آر دي» الألمانية الإعلامية أمس (الأربعاء)، إن مكافحة أسباب اللجوء وحماية الحدود تحتاج إلى حل أوروبي «مائة في المائة». ويتبنى مولر بذلك موقفاً مغايراً لموقف رئيس حزبه ووزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، الذي أعلن مؤخراً عن خطة شاملة لسياسة الهجرة في ألمانيا. وبحسب تقارير إعلامية، تنص الخطة على السماح للشرطة الاتحادية بطرد قطاع من طالبي اللجوء قبل عبورهم الحدود.
وكان من المقرر طرح الخطة الثلاثاء، إلا أنه تم إرجاء الطرح في اللحظات الأخيرة، وذلك بسبب خلافات بشأنها مع المستشارة أنجيلا ميركل، زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي، التي تسعى إلى التوصل لحل مشترك داخل الاتحاد الأوروبي. كما طالب مولر الاتحاد الأوروبي بزيادة واضحة في مساعداتها المالية لأفريقيا، وقال: «نحتاج إلى مضاعفة المساعدات بمقدار مرتين أو ثلاث مرات».
وأكد الوزير أهمية مكافحة أسباب اللجوء من منبعها، مضيفاً إن أوروبا لن يكون بمقدورها في المستقبل إبعاد كافة المهاجرين الأفارقة من حدودها، وقال: «لا يمكننا تحويل أوروبا إلى حصن».



رئيس وزراء غرينلاند «حزين» لتجدد اهتمام ترمب بالاستحواذ على الجزيرة

وزراء غرينلاند ينس-فريدريك نيلسن (أرشيفية - رويترز)
وزراء غرينلاند ينس-فريدريك نيلسن (أرشيفية - رويترز)
TT

رئيس وزراء غرينلاند «حزين» لتجدد اهتمام ترمب بالاستحواذ على الجزيرة

وزراء غرينلاند ينس-فريدريك نيلسن (أرشيفية - رويترز)
وزراء غرينلاند ينس-فريدريك نيلسن (أرشيفية - رويترز)

​قال رئيس وزراء غرينلاند، ينس-فريدريك نيلسن، الثلاثاء، إنه يشعر بـ«الحزن» ‌إزاء تعبير ‌الرئيس ⁠الأميركي ​دونالد ‌ترمب مجدداً عن اهتمامه بالاستحواذ على الجزيرة الواقعة في القطب الشمالي.

وأدلى ⁠نيلسن بتصريحاته ‌على «فيسبوك» بعد ‍أن أكد ‍ترمب أمس، أن الولايات المتحدة تحتاج إلى ​غرينلاند لأسباب تتعلق بأمنها القومي، مشيراً ⁠إلى أن المبعوث الخاص الذي عيَّنه للجزيرة الشاسعة الغنية بالمعادن «سيقود هذه المهمة».


«الناتو» يرجّح تطوير روسيا سلاحاً جديداً لاستهداف أقمار «ستارلينك»

سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)
سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)
TT

«الناتو» يرجّح تطوير روسيا سلاحاً جديداً لاستهداف أقمار «ستارلينك»

سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)
سلسلة من أقمار «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» أثناء مرورها فوق ولاية كنساس الأميركية (أ.ب)

تعمل روسيا على تطوير سلاح جديد مضادّ للأقمار الاصطناعية، صُمّم خصيصاً لاستهداف منظومة «ستارلينك» التابعة لرجل الأعمال إيلون ماسك، وفق ما أفادت تقارير استخباراتية صادرة عن دولتين في «حلف شمال الأطلسي» (ناتو).

وبحسب وثائق اطّلعت عليها وكالة «أسوشييتد برس»، يهدف السلاح، المعروف باسم «سلاح تأثير المنطقة»، إلى إغراق مدارات أقمار «ستارلينك» بمئات الآلاف من المقذوفات عالية الكثافة.

وقد يسمح هذا النوع من الأسلحة بتعطيل عدد كبير من الأقمار الاصطناعية دفعة واحدة، لكنه ينطوي في الوقت ذاته على مخاطر أضرار جانبية كارثية قد تطال أنظمة فضائية أخرى عاملة في المدار.

وتشير التقارير إلى أن الهدف من هذا التطوير يتمثل في الحد من التفوق الغربي في الفضاء، الذي لعب دوراً محورياً في دعم أوكرانيا ميدانياً خلال الحرب الجارية.

غير أن محللين لم يطّلعوا على هذه المعطيات تحديداً أعربوا عن تشككهم، متسائلين عمّا إذا كان يمكن نشر مثل هذا السلاح من دون التسبب في فوضى غير قابلة للسيطرة في الفضاء. وأشاروا إلى أن هذه الفوضى قد تطال ليس فقط جهات غربية، بل أيضاً شركات ودولاً، من بينها روسيا وحليفتها الصين، التي تعتمد على آلاف الأقمار الاصطناعية في المدار لتأمين الاتصالات والدفاع واحتياجات حيوية أخرى.

وأضاف المحللون أن التداعيات الكبيرة المحتملة، بما في ذلك المخاطر التي قد تهدد أنظمة روسيا الفضائية نفسها، قد تشكّل في نهاية المطاف عامل ردع لموسكو يحول دون نشر هذا السلاح أو استخدامه.

وقالت فيكتوريا سامسون، المتخصصة في أمن الفضاء في مؤسسة «العالم الآمن»، التي تشرف على الدراسة السنوية للمنظمة حول أنظمة الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية: «لا أقتنع بهذا الطرح إطلاقاً... حقاً لا أصدّقه». وأضافت: «سأُفاجأ كثيراً، بصراحة، إذا أقدموا على خطوة من هذا النوع».

في المقابل، قال قائد قسم الفضاء في الجيش الكندي، البريغادير جنرال كريستوفر هورنر، إن احتمال العمل الروسي على مثل هذه القدرات لا يمكن استبعاده، في ضوء اتهامات أميركية سابقة أفادت بأن موسكو تسعى أيضاً إلى تطوير سلاح نووي فضائي عشوائي التأثير.

وأضاف هورنر: «لا أستطيع القول إنني اطّلعت على إحاطة بشأن هذا النوع من الأنظمة، لكنه ليس أمراً غير قابل للتصديق». وتابع: «إذا كانت التقارير المتعلقة بالسلاح النووي دقيقة، وإذا كانوا مستعدين لتطويره والذهاب إلى هذا الحد، فلن يكون مفاجئاً بالنسبة لي أن يكون لديهم ضمن نطاق تطويرهم ما هو أدنى من ذلك قليلاً، لكنه لا يقل ضرراً عنه».

ولم يردّ المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف على طلبات وكالة «أسوشييتد برس» للتعليق. وكانت روسيا قد دعت في السابق إلى جهود داخل الأمم المتحدة لمنع نشر الأسلحة في المدار، في حين قال الرئيس فلاديمير بوتين إن موسكو لا تنوي نشر أسلحة نووية في الفضاء.

سلاح يستهدف عدة أهداف

وعُرضت النتائج الاستخباراتية على وكالة «أسوشييتد برس» بشرط عدم الكشف عن هوية الأجهزة المعنية، في حين لم تتمكن الوكالة من التحقق بشكل مستقل من خلاصات هذه النتائج.

ولم تردّ قوة الفضاء الأميركية على الأسئلة التي وُجّهت إليها عبر البريد الإلكتروني. ومن جهتها، قالت قيادة الفضاء في الجيش الفرنسي، في بيان لوكالة «أسوشييتد برس»، إنها لا تستطيع التعليق على هذه النتائج، لكنها أضافت: «يمكننا أن نؤكد أن روسيا كثّفت في السنوات الأخيرة أنشطة غير مسؤولة وخطِرة، بل عدائية، في الفضاء».

تشير النتائج الاستخباراتية إلى أن روسيا ترى منظومة «ستارلينك» على وجه الخصوص تهديداً خطيراً. وقد لعبت آلاف الأقمار الاصطناعية ذات المدار المنخفض دوراً محورياً في صمود أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي الشامل، الذي يدخل عامه الرابع.

ويُستخدم الإنترنت عالي السرعة الذي توفره «ستارلينك» من قبل القوات الأوكرانية في الاتصالات الميدانية وتوجيه الأسلحة ومهام أخرى، كما يعتمد عليه المدنيون والمسؤولون الحكوميون في المناطق التي تضررت فيها الاتصالات جراء الضربات الروسية.

وكان مسؤولون روس قد حذّروا مراراً من أن الأقمار الاصطناعية التجارية التي تخدم الجيش الأوكراني قد تُعدّ أهدافاً مشروعة. وقالت روسيا هذا الشهر إنها نشرت نظاماً صاروخياً أرضياً جديداً من طراز «إس-500»، قادراً على استهداف أهداف في المدار المنخفض.

وبخلاف صاروخ اختبرته روسيا عام 2021 لتدمير قمر اصطناعي متوقف عن العمل يعود إلى حقبة الحرب الباردة، فإن السلاح الجديد قيد التطوير يهدف، بحسب النتائج الاستخباراتية، إلى استهداف عدة أقمار لـ«ستارلينك» في آن واحد، عبر مقذوفات قد تُطلقها تشكيلات من أقمار اصطناعية صغيرة لم تُطلق بعد.

وقال هورنر إنه من الصعب تصور كيفية حصر سحب المقذوفات لاستهداف «ستارلينك» فقط، محذراً من أن الحطام الناتج قد يخرج «عن السيطرة بسرعة».

وأضاف: «تفجير حاوية مليئة بكرات معدنية صغيرة سيغطي نظاماً مدارياً كاملاً، وسيقضي على كل أقمار (ستارلينك) وكل الأقمار الأخرى الموجودة في المدار نفسه. وهذا هو الجانب المقلق للغاية».

نظام قد يكون تجريبياً

ولم تحدد النتائج التي اطّلعت عليها وكالة «أسوشييتد برس» موعداً محتملاً لامتلاك روسيا القدرة على نشر هذا النظام، كما لم توضح ما إذا كان قد خضع للاختبار، أو إلى أي مرحلة وصل البحث والتطوير.

وقال مسؤول مطّلع على النتائج وعلى معلومات استخباراتية أخرى لم تُكشف للوكالة، إن النظام قيد التطوير النشط، وإن تفاصيل توقيت نشره المتوقّع شديدة الحساسية ولا يمكن مشاركتها. وتحدث المسؤول بشرط عدم الكشف عن هويته.

ورجّحت سامسون أن تكون هذه الأبحاث الروسية ذات طابع تجريبي فحسب. وقالت: «لا أستبعد أن يعمد بعض العلماء إلى تطوير فكرة كهذه باعتبارها تجربة فكرية مثيرة، على أمل أن يتمكنوا يوماً ما من إقناع حكومتهم بتمويلها». وأضافت سامسون أن التلويح بتهديد روسي جديد محتمل قد يكون أيضاً محاولة لاستدراج رد فعل دولي.

وقالت سامسون: «غالباً ما يروّج أصحاب هذه الأفكار لها؛ لأنهم يريدون من الجانب الأميركي تطوير قدرات مماثلة، أو لتبرير زيادة الإنفاق على قدرات مواجهة التهديدات الفضائية، أو لاعتماد نهج أكثر تشدداً تجاه روسيا». وأضافت: «لا أقول إن هذا ما يحدث في هذه الحالة تحديداً، لكن من المعروف أن بعض الأطراف تستخدم مثل هذه الطروحات المتطرفة لتحقيق أهدافها».

مقذوفات صغيرة قد تمرّ دون رصد

وتشير النتائج الاستخباراتية إلى أن المقذوفات ستكون صغيرة جداً، لا يتجاوز حجمها بضعة مليمترات، ما قد يمكّنها من الإفلات من أنظمة الرصد الأرضية والفضائية التي تراقب الأجسام في الفضاء، الأمر الذي قد يصعّب تحديد الجهة المسؤولة عن أي هجوم وربطه بموسكو.

وقال كلايتون سووب، المتخصص في أمن الفضاء والتسلّح في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، إن «عدم القدرة على تتبّع المقذوفات سيعقّد الأمور»، لكنه أضاف أن «الناس سيتمكنون في النهاية من استنتاج ما حدث». وتابع: «إذا بدأت الأقمار الاصطناعية تتعطّل وتتضرر، فمن السهل ربط النقاط».

ولا يزال حجم الدمار الذي قد تُحدثه هذه المقذوفات الصغيرة غير واضح. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) كان اصطدام يُشتبه بأنه ناجم عن قطعة صغيرة من الحطام كافياً لإلحاق أضرار بمركبة فضائية صينية كانت مخصّصة لإعادة ثلاثة رواد فضاء إلى الأرض.

وقال سووب إن «الضرر الأكبر سيصيب على الأرجح الألواح الشمسية؛ لأنها الأكثر هشاشة»، مضيفاً أن ذلك «قد يكون كافياً لإلحاق أذى بالقمر الاصطناعي وإخراجه من الخدمة».

«سلاح ترهيب» يهدد بفوضى فضائية

ويرى محللون أن المقذوفات والحطام الناتج عن أي هجوم من هذا النوع قد يعودان تدريجياً نحو الأرض، ما قد يعرّض أنظمة فضائية أخرى للخطر أثناء سقوطهما.

وتدور أقمار «ستارلينك» على ارتفاع يقارب 550 كيلومتراً فوق سطح الأرض، في حين تعمل محطة «تيانغونغ» الصينية الفضائية ومحطة الفضاء الدولية في مدارات أدنى، «ما يعني أن كلتيهما ستواجه مخاطر محتملة»، وفق سووب.

وأضاف أن الفوضى الفضائية التي قد يتسبب فيها مثل هذا السلاح قد تمكّن موسكو من تهديد خصومها من دون الحاجة إلى استخدامه فعلياً. وقال: «يبدو الأمر وكأنه سلاح ترهيب، يُستخدم للردع أو لإيصال رسالة معينة».

من جهتها، رأت سامسون أن العيوب الكبيرة لسلاح المقذوفات العشوائي قد تدفع روسيا في نهاية المطاف إلى العدول عن هذا المسار.

وقالت سامسون: «لقد استثمروا قدراً هائلاً من الوقت والمال والموارد البشرية ليصبحوا قوة فضائية». وأضافت أن استخدام مثل هذا السلاح «سيؤدي فعلياً إلى قطع الوصول إلى الفضاء عنهم أيضاً»، متسائلة: «لا أعلم ما إذا كانوا مستعدين للتضحية بكل ذلك».


«حرب على الأمومة»... كيف أصبحت النساء الحوامل والأطفال أهدافاً في النزاعات؟

امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«حرب على الأمومة»... كيف أصبحت النساء الحوامل والأطفال أهدافاً في النزاعات؟

امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

كشف تحقيق أجرته صحيفة «الغارديان» البريطانية وبيانات جمعتها منظمة «إن سيكيوريتي إنسايت» غير الحكومية، عن مستوى غير مسبوق من العنف يطول النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة، في ظل النزاعات المشتعلة حول العالم.

ووفقاً للبيانات، فقد وقع ما يقرب من 300 هجوم وتعطيل لمرافق الرعاية الخاصة بالولادة والنساء الحوامل خلال السنوات الثلاث الماضية، بالإضافة إلى 119 حادثة على الأقل تضمنت ضربات مباشرة على المستشفيات وغرف الولادة.

ووقعت معظم هذه الهجمات في أوكرانيا وغزة والسودان، حيث تُحاصر مئات الآلاف من النساء الحوامل في مناطق النزاع.

استهداف النساء والكوادر الطبية

وقُتلت الكثير من النساء، ومُنع بعضهن من الحصول على الرعاية، وأُجبر البعض الآخر على الولادة في ظروف غير آمنة.

كما تُظهر البيانات مقتل 68 قابلة وطبيب نساء وتوليد على الأقل، واختطاف 15، واعتقال 101، مشيرة إلى أن هذه الأمور كانت تحدث أحياناً أثناء مساعدتهم للنساء في عمليات الولادة.

فلسطينية تحمل جثمان رضيع قُتل في ضربات إسرائيلية بمدينة غزة سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

ومن المرجح أن تكون هذه الأرقام أقل من الواقع؛ إذ لا تشمل إلا الحوادث التي تم الإبلاغ عنها في وسائل الإعلام المحلية والوطنية والدولية وقواعد البيانات الإلكترونية. وفي بعض مناطق النزاع، تكون الاتصالات والمعلومات شحيحة.

وفي العام الماضي، أفادت التقارير بأن نصف النساء اللواتي توفين أثناء الحمل أو الولادة كنّ في مناطق النزاع. وتقول سيما باحوس، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة: «هذه ليست نتائج طبيعية للحرب، بل هي نمط من العنف الإنجابي».

مرافق رعاية الأمومة والولادة

إلى جانب قتل النساء والكوادر الطبية المؤهلة، تُدمر الهجمات مرافق رعاية الأمومة والولادة، وتُشكل تهديداً لقدرة الدول على إعادة بناء قواها السكانية.

وفي غزة، أشارت لجنة تابعة للأمم المتحدة، في أحد أسباب إعلانها أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية هناك، إلى تأثير الهجمات على المستشفيات ومرافق رعاية الأمومة والولادة على الحق في الأمومة والصحة الإنجابية.

رُضَّع يتشاركون حضَّانة واحدة في مستشفى بمدينة غزة يوليو الماضي بسبب نقص الوقود (رويترز)

وحتى بعد وقف إطلاق النار في أكتوبر (تشرين الأول)، يقول أطباء في غزة إن النساء والأطفال ما زالوا يموتون بسبب تردي الرعاية الصحية؛ نتيجة لنقص الأدوية والمعدات. وقد صرّح مسؤول في إحدى وكالات الأمم المتحدة بأنه تلقى تقارير عن نساء في غزة يلدن في الأنقاض على جوانب الطرق لعدم تمكنهن من الوصول إلى المستشفيات.

ويقول الدكتور عدنان راضي، رئيس قسم أمراض النساء والتوليد في مستشفى العودة: «تعرضت أجنحة المرضى وغرف العمليات وأجنحة الولادة لإطلاق صواريخ وقذائف مباشرة».

وفي أوكرانيا، تضررت أو دُمرت 80 منشأة على الأقل للولادة وحديثي الولادة منذ بداية عام 2022.

طفل حديث الولادة بمستشفى بوكروفسك للولادة في دونيتسك شرق أوكرانيا (رويترز)

وقد أشار تحقيق «الغارديان» إلى أن الضغط النفسي زاد بشكل كبير من المضاعفات أثناء الولادة.

وفي مدينة خيرسون، جنوب أوكرانيا، تضرر مستشفى الولادة خمس مرات منذ بداية الحرب. ويقول رئيس قسم التوليد، بيترو مارينكوفسكي: «روسيا تستهدفنا عمداً».

وفي السودان، وتحديداً في يوم الثامن والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول)، كانت ثلاثون امرأة يحتمين في المستشفى السعودي للولادة بمدينة الفاشر، حين وقعت واحدة من أبشع الحوادث التي شهدتها الحرب الأهلية في هذا البلد، حيث اقتحم مسلحون من «قوات الدعم السريع»، المستشفى، وأفادت التقارير بمقتل أكثر من 460 مريضاً ومرافقيهم.

وكان عبد ربه أحمد، فني المختبر البالغ من العمر 28 عاماً، والذي كان يعمل في المستشفى تلك الليلة، من بين الناجين القلائل المعروفين. ويقول: «سمعت صراخ النساء والأطفال. كانوا يقتلون كل من في المستشفى. من استطاع منا الفرار، هرب».

سودانية اضطرت للهروب بطفلها من بلدتها الصغيرة إلى مخيم أدري في تشاد (أ.ب)

ووصفت منظمات حقوق الإنسان هذه المجزرة بأنها «فظاعة لا توصف»، وواحدة من أسوأ الأمثلة الحديثة على انهيار حماية مئات الملايين من المدنيين العالقين في مناطق النزاع.

وفي ميانمار، تعرضت المرافق الطبية للقصف، وقُبض على عشرات القابلات والمرضى، أو قُتلوا أو جُرحوا خلال العامين الماضيين في ظل الحرب الأهلية الدائرة في البلاد.

لا ضمانات ولا ملاحقات

وحالياً، تعيش 676 مليون امرأة على بعد 50 كيلومتراً من مناطق نزاعات مميتة، وهو أعلى مستوى مسجل منذ التسعينات، وسط غياب الضمانات والملاحقات القضائية لجرائم الحرب لمن يستهدفون خدمات رعاية الأمومة.

وتقول بايال شاه، محامية حقوق الإنسان في منظمة «أطباء من أجل حقوق الإنسان» غير الحكومية، إن غياب المساءلة خلق «ثقافة الإفلات من العقاب». وتضيف: «الهجمات المتعلقة بالصحة الإنجابية هي ضمن أعمال الإبادة الجماعية، حيث تقوم بمنع الولادات أو تدمير بقاء جماعة ما».

ويقول خبراء طبيون إن معظم وفيات الأمهات يمكن الوقاية منها باتباع الإجراءات الروتينية، لكن الأنظمة الصحية قد تنهار أثناء الحرب؛ ما يؤدي إلى تدمير الظروف التي تجعل الولادة الآمنة ممكنة.

وتقول منظمات حقوقية إن الخوف يدفع النساء أيضاً إلى الابتعاد عن المرافق التي كانت تُعدّ آمنة؛ ما يُجبرهن على المخاطرة، كالولادة في المنزل دون مساعدة طبية متخصصة أو إمكانية الوصول إلى الرعاية الطارئة.