«ومشيت»... مسلسل رومانسي يحاكي الواقع اللبناني

نجح في توظيف قضية {شهداء الجيش}

لقطة من مسلسل «ومشيت»
لقطة من مسلسل «ومشيت»
TT

«ومشيت»... مسلسل رومانسي يحاكي الواقع اللبناني

لقطة من مسلسل «ومشيت»
لقطة من مسلسل «ومشيت»

صارت مسلسلات كارين رزق الله من الأعمال المنتظرة على الشاشة اللبنانية في رمضان. فعلى مدى ثلات سنوات قدّمت رزق الله أعمالاً جماهيرية كتابة وتمثيلاً كان لها وقعها، ولو تضمنّتها بعض الإخفاقات.
تتعاون كارين رزق الله في مسلسلها و«مشيت» مع الممثل اللبناني بديع أبو شقرا، إضافة إلى باقة من أبرز ممثلي الشاشة اللبنانية مثل أسعد رشدان، رندا كعدي، بياريت قطريب، وغيرهم إلى جانب الدور المميّز الذي تؤديه ابنتها أمام الشاشة وخلفها ناديا شربل، والمسلسل من إخراج شارل شلالا، ويعرض على محطة «إم تي في».
وتؤدي كارين في المسلسل دور «مايدا» الزوجة الحامل التي تخلت عن زوجها «أمل» العقيد في الجيش اللبناني وهاجرت إلى كندا، وقررت العودة بعد ستة عشر عاماً، لتعيد إحياء ذكريات الماضي واستحضار المعاناة التي عاشتها وأدت بها إلى الهجرة مع جنين من دون علم الوالد بحملها. خيوط الحكاية بدأت تتضح بجلاء، السبب الذي أجبر مايدا على السفر حاملاً تاركة خلفها زوجاً هو موت طفلها في حادث اغتيال، وسبب عودتها هو إصابتها بمرض السرطان الذي يهدد حياتها ويجعل أيامها معدودة، لذا قررت إخبار زوجها بالابنة التي لم يعرف بها.
إدخال قضيّة شهداء الجيش اللبناني إلى العمل بدور أساسي، والإشارة إلى تضحياته والتركيز على أهميّة دور المؤسسة العسكرية هو خطوة موفّقة، تؤكد الكاتبة من خلاله أنّها تدرك تماماً كيف تضرب على الوتر، وتحاكي بأعمالها واقع المجتمع اللبناني.
كارين تبرهن مع كل دور تؤديه أنّها ممثلة بقدرات لا يستهان بها، وخروجها من شرنقة الكوميديا كان أجرأ قراراتها وأنجحها، فهي قادرة على جعل المشاهد يتأثر بأحاسيسها إلى حد مذهل. بديع أبو شقرا شريك مثالي لها، والكيمياء بينهما صارت جلية للعيان بوضوح بعد ثلاثة مسلسلات، المشاهد التي تجمعهما تخطف الأنفاس، وتنفذ باحتراف عال جداً.
رغم أنّها ليست المشاركة الأولى لناديا ابنة كارين، فإنّها أخرجتها في «ومشيت» من دور الفتاة الصغيرة العفوية الموضوعة غالباً في قالب كوميدي، وقدّمت لها شخصية المراهقة الصعبة التي تعيش تخبطات عدة في حياتها، وضياعاً نتيجة بعض القرارات التي لم يكن لها يد فيها، دور يبشّر بولادة نجمة شابة على الشاشة، تشرّبت الفن منذ طفولتها.
لا يمكن التحدث عن هذا العمل الرمضاني من دون الإشادة برندا كعدي، التي تؤدي دور والدة أحد شهداء الجيش اللبناني. فـ«مارتا» الأم الثكلى التي تظهر أمامنا رافضة لواقع استشهاد وحيدها، تعكس في كل مشهد إبداعاً نادراً ما نراه على شاشة عربية، أداء مؤثّر ترفع له القبعة، وتذرف لأجله الدموع. اللافت أنّ كارين تسلّط الضوء أيضاً على الصورة السلبية للرجل السياسي الذي يظهر قاسيا وغير مبال بأحوال شعبه، والذي يؤدي دوره الممثل المخضرم والدها في المسلسل أسعد رشدان، والذي قد يكون شريكاً في عملية الاغتيال، التي راح ضحيتها حفيده. أما بياريت قطريب التي تؤدي دور صديقة كارين وخطيبة زوجها الحالي لم تقدم جديدا حتّى الساعة، وما تزال أسيرة أداء كلاسيكي ليس بجديد عليها، ولا ندري ما إذا كنا سنشهد تطوراً في الشخصية في الحلقات الأخيرة.
في مقابل النقاط الإيجابية للعمل، تخلّله بعض الهفوات أو المشاهد المفتعلة التي أتت أحياناً من خارج السياق، وكان يمكن تفاديها، وتسببت في السخرية منها على وسائل التواصل الاجتماعي.
ختاماً، ورغم أنّ الموسم الرمضاني يحفل بالأعمال الضخمة كما هي الحال دوماً، يحقق «ومشيت» الجماهيرية المتوقعة، نظراً لما شاهدناه حتّى الساعة، ولا ندري ما إذا كانت كارين ستكتب نهاية حياتها في المسلسل، أم أننا سنشهد مصيراً آخر.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.