سينما الوسترن على موعد جديد مع هواة قصص الغرب وديكابريو‬

‫‬رغم إخفاقاتها الأخيرة

من الكوميدي وسترن: «مليون طريقة للموت في الغرب»
من الكوميدي وسترن: «مليون طريقة للموت في الغرب»
TT

سينما الوسترن على موعد جديد مع هواة قصص الغرب وديكابريو‬

من الكوميدي وسترن: «مليون طريقة للموت في الغرب»
من الكوميدي وسترن: «مليون طريقة للموت في الغرب»

على الرغم من أن قلة من المشاهدين، نسبيا، اكترثت لفيلم «مليون طريقة للموت في الغرب» الذي انطلقت عروضه في مطلع الشهر الماضي، واكترثت أقل لفيلم «ذ لون رانجر» الذي شهد عروضه قبل سنة تامة، إلا أن العمل على «المبعوث«The Revenant سينطلق ليكون جاهزا للعرض في مطلع العام المقبل.‬
الجامع بين هذه المشاريع الثلاثة هو أنها أفلام «وسترن». الأول كوميدي النبرة من بطولة وإخراج سث ماكفارلان، الثاني مغامرات عشوائية الشكل من بطولة جوني دب وإخراج غور فربينسكي، أما الثالث فهو من إخراج أليخاندرو غونزاليز إناريتو ومن بطولة ليوناردو ديكابريو وتوم هاردي. ‬
إلى جانب أن المخرج الثالث هو أفضل من المذكورين السابقين معا، هناك تحد ملقى على عاتق صاحب «بابل» و«بيوتيفول» و- الفيلم الأشهر - «جاذبية». فهو يدفع باتجاه نوع من الأفلام بات محدود القدرة على الجذب ولولا اسم إناريتو ونجاح فيلمه الخيالي العلمي المبهر الأخير لما قررت إحدى شركات هوليوود «نيو ريجنسي» توظيف عشرات ملايين الدولارات (إن بقيت الميزانية دون المائة ألف) في شكل سينمائي استنفد نجاحه الكبير مع نهاية السبعينات.‬
الحال، بالنسبة لأفلام الوسترن، لم يكن هكذا مطلقا. في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات، كان نصف الإنتاج الأميركي هو من هذا النوع تحديدا. الإقبال عليه كان مثل الإقبال على أفلام الخيال العلمي اليوم أو الهواتف الذكية حاليا. هو الذي صنع صرح مخرجين كبارا في تاريخ هوليوود مثل جون فورد وراوول وولش وهوارد هوكس وبد بوويتكر وأنطوني مان ودلمر دافز وسواهم الكثيرون. والنوع هو جعل من راندولف سكوت وجون واين وأودي مورفي وهوبيلانغ كاسيدي وعشرات آخرين نجوما فوق الريح.‬
فيلم «الوسترن» هو النوعية الأميركية الصافية. هو كل ما لدى أميركا تقديمه من تاريخ خاص بها، ففي حين تستطيع السينمات الأوروبية الحديث عن تاريخ أبعد منالا، الغرب الأميركي وحروب السيطرة عليه ونشوء النزاعات الجماعية والفردية والطينة البكر التي بلورت كل ما هو «أميركانا» لاحقا ولد في نحو قرنين من الزمان سبق مباشرة حرب الاستقلال ثم الحرب الأهلية وتواصل إلى العقود العشرة الأولى من القرن العشرين.
الوسترن هو أميركي، مثل السباغتي بالنسبة لإيطاليا وشانيل بالنسبة لفرنسا ولندن بريدج بالنسبة لبريطانيا. وكل سينما في العالم تصنع الفيلم الكوميدي والعاطفي والبوليسي والمرعب والموسيقي والدرامي، السينما الأميركية وحدها هي التي تصنع الوسترن أميركيا وعلى أصوله. أما المحاولات التي تمت في ألمانيا أو إيطاليا أو إسبانيا في الستينات فهو تقليد يصل إلى درجة الهزر، أما الوسترن الأميركي فهو النوع الأميركي الخالص في السينما. ليس فقط لأنه انطلق من عام 1903 بفيلم «سرقة القطار الكبرى» لأدوين س. بورتر بل أساس لأنه نوع يستند إلى التاريخ ذاته. هكذا كانوا. هكذا حاربوا. هكذا تصرفوا. هكذا كانوا أبطالا وهكذا كانوا أشرارا هكذا حملوا المسدسات حول خصورهم، وارتدوا القبعات العريضة فوق رؤوسهم.
‫‬
* حين أخفق المثقفون‬
* في زمن مضى، ربط الكثير من المثقفين العرب وعدد كبير من المثقفين في الغرب، بين سينما الوسترن وبين الإمبريالية متمثلة بالولايات المتحدة التي تحاول خلق حالة رواج للبطل الأميركي وجعله نموذجا يحتذى به. لكن المسألة ليست بهذه البساطة والتجريد، ولا هي على هذا النحو من التعميم الذي يطلقه المرء ويمضي عادا أن رصاصته الطائشة أصابت الهدف المقصود. ‬
الوسترن الأميركي كأي نوع من أنواع السينما الروائية، عبارة عن قصص تروى وشخصيات تؤديها وأفكار تتناقلها الصور. ما في داخل القصص وما تعكسه تلك الشخصيات من مواقف وما تعبر عنه تلك الصور هو أمر لا علاقة له بما يعتري الموقف المتطرف سواء أكان مؤيدا لها أو معارضا. أفلام الوسترن حفلت بأنواع من المواضيع: أفلام الصراع بين المستوطنين البيض وأصحاب الأراضي (الهنود الحمر)، أفلام الحرب الأهلية وما تخللها أو تلاها، أفلام رعاة البقر (وهي فئة من الفئات وليست كل الفئات كما درج البعض على اعتبارها لأنها تدور بطبيعة الحال حول رعاة بقر)، أفلام المدن حيث الصراع بين الأخيار والأشرار يدور داخل البيئة الاجتماعية ذاتها. وهناك الوسترن الجاد، والوسترن الهزلي، والوسترن الغنائي، والوسترن النفسي والوسترن المعادي للغرب وذلك القائم على الحركة وحدها.‬
إلى كل ذلك، فإن النظر إلى البطل على أساس أنه كان يسعى لنشر البطولة الأميركية كنموذج للعالم، كما كان يقال، تجده في معظم الأحوال قاصرا. فالحال أن معظم أبطال الغرب الأميركي هم من المهزومين اجتماعيا، من المتضررين ماديا، من الذين هربت أيامهم الماضية مندثرة بين أصابعهم وما زال المستقبل بعيد الحدوث. أبطال الغرب يسعون إلى تأسيس عدالة ليس من الضروري أن تعني شيئا لأي مجتمع آخر ولا تتعدى دلالاتها حدود ولاية أريزونا أو تكساس أو وايومنغ، ولا حتى حدود أي مدينة قديمة في أي من هذه الولايات.‬
وهي أفلام تقول الكثير ضد أميركا ونشأتها التي بنيت، حسب الكثير من الأفلام ومن دون تدخل فيما تقول، على الجشع والسرقة ونهب الأراضي وسرقة المواشي والعنف وسطوة الجريمة.
ومع أن هناك أفلاما من نوعية البطل الذي دائما على حق (ما يجعله غبيا في القراءة المعمقة) إلا أن هناك أفلاما ضد هذا النوع من الأبطال، وضد الإنسان الأبيض الذي غزا الغرب وقضى على حضارة القبائل التي عاشت فيه وحاربها وقتل ملايين منها.‬
هبوط اضطراري‬
سينما الوسترن كانت الأكثر انتشارا بين أنواع السينمات الأخرى (البوليسي والعاطفي وأفلام الرعب والخيال العلمي). في النصف الثاني من الخمسينات تأثر قبل سواه من الأنواع بالهجمة التي شنها التلفزيون على هذا النوع فحصد الكثير من الوجوه التي لعبت أدوار البطولة أو الأدوار المساندة وصنع مسلسلات كثيرة كلها راجت لفترات قصيرة أو طويلة مثل «رد رايدر» و«هوبلانغ كاسيدي» و«آني أوكلي» و«مغامرات رن تن تن» في الخمسينات و«رانغلر» و«آوتلوز» و«روهايد» و«الفرجيني» في الستينات (وهناك مئات سواها).
على ذلك، لم يتوقف «وسترن» الشاشات الكبيرة. هوليوود حاربت لأجل دعمه مما جعله ينتقل من مجرد أعمال صغيرة ومتوسطة الإنتاج في الغالب إلى أفلام مكلفة ترصع بالنجوم على الرغم من أن عدد المنتج من هذا النوع تضاءل عما كان عليه سابقا‬ إنها الفترة التي بدأنا نشاهد فيها جون واين بالألوان، والفترة التي ولد فيها سينمائيا كلينت أيستوود. كذلك هي الفترة التي توقفت - عمليا - هوليوود عن تصوير البطل المطلق أو التعامل فوقيا وعنصريا مع المواطنين الأصليين. وهذا المد استمر إلى نهاية السبعينات ثم توقف في الثمانينات.
هوليوود حاولت إبقاء العلاقة بين هذا النوع وبين المشاهدين الجدد (المراهقين والشبان) قائمة في الثمانينات والتسعينات فعمدت إلى جعل أبطالها مجموعة من النجوم الشبان بمواضيع لا تحمل أي عمق يذكر وبشخصيات تشابه شخصيات الممثلين الذين يقومون بأدائها لدرجة التماثل. فقط المكان والزمان مختلفان، أما تصاميم الشعر والنظرات والابتسامات فكلها من نوع أغلفة المجلات. من بين هذه الأفلام «فتيات سيئات» (1994) و«وايلد وايلد وست» (1999) من بين أخرى.
فيلم واحد من ذلك الحين تجرأ على أن يكون جادا وهو «جيرونيمو: أسطورة أميركية» لوولتر هيل الذي استخلص من التاريخ الأميركي تلك الحرب الكبيرة التي قادها زعيم الأباتشي جيرونيمو ضد الجيشين المكسيكي والأميركي بمجموعة محاربين لم تتجاوز 35 فردا لأكثر من سبع سنوات.‬
حين فشلت محاولة صنع رواج من هذه الأفلام توقف ضخ المزيد من الأفلام. كلينت إيستوود أخرج «غير المسامح» وأخرج كڤن كوستنر «الرقص مع الذئاب» ثم «سلسلة هضاب مفتوحة» لكن عدا ذلك قليلا، بل نادرا ما ذهبت هوليوود في اتجاه الغرب الأميركي من جديد.‬
في عام 2007 أقدمت هوليوود على تحقيق فيلمين رئيسين هما «10:3 إلى يوما» و«اغتيال جسي جيمس على يدي الجبان روبرت فورد». الأول بوشر بعرضه تجاريا في الولايات المتحدة هذا الأسبوع، والثاني عرض في مهرجان ڤنسيا الأخير وحصل براد بت عنه على جائزة أفضل ممثل.
النجاح كان محدودا لدرجة. أن فيلم الوسترن الأول بعد ذلك ظهر في نهاية سنة 2010 عندما قامت المخرجة كيلي رايكهارت بتحقيق الفيلم المستقل «اختصار ميك» تبعها الأخوان جوول وإيتان كوون بفيلم «عزم حقيقي». منذ ذلك عام وحتى 2013 تم تحقيق خمسة أفلام أخرى من تلك التي عرضت سينمائيا بينها «دجنغو طليقا» لكوينتين تارنتينو و«ذا لون رانجر» لغور فربينسكي. لا يدخل في هذا العدد بضع عشرات من أفلام الوسترن الصغيرة التي توجهت إلى أسطوانات الديجيتال.‬
لكن هذا الاستمرار الصعب وحده يدل على أن الوسترن لم يمت تماما وأن هوليوود تستطيع أن تستمع إلى مشروع جديد إذا ما توفرت له العناصر الصحيحة.. على ذلك، هذه العناصر ليست ضمانا وعليه لا يمكن توقع أن تعود عقارب السينما لتلائم عقارب القرن التاسع عشر حيث دارت رحى أكثر أفلام الوسترن نجاحا‬



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».