العلاج بالخلايا الجذعية... من بحث علمي واعد إلى استخدامات مريبة

تحذيرات من تهافت الجمهور على عياداتها الجديدة

العلاج بالخلايا الجذعية... من بحث علمي واعد إلى استخدامات مريبة
TT

العلاج بالخلايا الجذعية... من بحث علمي واعد إلى استخدامات مريبة

العلاج بالخلايا الجذعية... من بحث علمي واعد إلى استخدامات مريبة

يعتبر البحث في الخلايا الجذعية من أكثر المجالات العلمية الواعدة اليوم. ويعتقد الباحثون، أن الخلايا الجذعية قد تستخدم في يوم من الأيام في ترميم أو استبدال أنسجة وأعضاء فقدها الإنسان بفعل التقدم في العمر أو المرض، لكنهم في الوقت نفسه يؤكدون أن التوصل إلى العلاجات الفاعلة بواسطة هذه الخلايا لا يزال يحتاج إلى سنوات.
إلا أن عيادات كثيرة بدأت بالفعل في الظهور في مناطق عدة لتقديم علاجات باهظة الكلفة، لم تخضع للاختبارات الخاصة بالعيادات الطبية، كما لم تخضع للقواعد والضوابط التي تضعها الأجهزة الحكومية المعنية. ويقول النقاد في هذا المجال، إن هذه العلاجات تسببت للمرضى في أضرار جسدية ومادية.
توعية الجمهور
فيما يلي، ستجدون ما يجب أن يعرفه أفراد الجمهور حول هذه الأبحاث:
- ما هي الخلايا الجذعية؟
> هي فئة من الخلايا غير المتخصصة والقادرة على التحول إلى أنواع أخرى من الخلايا، كخلايا الدماغ، والدم، والعضلات. في كثير من الأنسجة، تعمل الخلايا الجذعية على شكل «نظام صيانة داخلي» لإصلاح العطب والضرر؛ إذ إنها تنقسم وتتكاثر بشكل غير محدود لتعويض النقص في الخلايا الأخرى، بسب معلومات معاهد الصحة الوطنية.
لكن الخلايا الجذعية لا يتم إنتاجها بشكل متطابق، أي أنها قد تتمتع بقدرات مختلفة. فالخلايا الجذعية الجنينية مثلاً، التي تستمد من جنين عمره من ثلاثة إلى خمسة أيام، هي خلايا متعددة القدرات، أي أنها تتحول إلى أي خلية أخرى من أصل 200 نوع في الجسم.
في المقابل، تُستخلص الخلايا الجذعية البالغة من أنسجة وأعضاء موجودة في الأصل، وهي معروفة بمحدودية قدرتها على التأقلم. وكان بعض الباحثين قد توصلوا إلى كيفية تعديل بعض الخلايا الجذعية البالغة في المختبر لتتصرف وكأنها خلايا جذعية جنينية؛ ما جعلها أداة بحثية مهمة جداً.
استخدامات مرخصة
- ما الاستخدامات المرخصة للخلايا الجذعية؟
> تستخدم عمليات الزرع التي تعتمد على الخلايا الجذعية المستخرجة من النخاع الشوكي أو الدم، منذ سنوات كثيرة في علاج أمراض كاللوكيميا (سرطان الدم)، سرطان الغدد اللمفاوية، أو أورام نخاعية مختلفة. ويحل هذا النوع من الخلايا مكان الخلايا الجذعية التي تنتج الدم في النخاع الشوكي، والتي تعرضت للدمار بفعل المرض أو علاجات السرطان القاسية.
تعتمد بعض هذه العلاجات، وتحديداً لدى الأطفال، على الدم الموجود في المشيمة أو الحبل السري. هذه المنتجات المستخرجة من الدم هي علاجات الخلايا الجذعية الوحيدة المرخصة من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية.
- ما الأمراض التي قد يتم استخدام الخلايا الجذعية في علاجها مستقبلاً؟
> يدرس الباحثون الاستعانة بعلاجات الخلايا الجذعية لمجموعة واسعة من المشكلات الصحية كعجز القلب، وسرطان الدماغ، والأمراض العصبية الناتجة من التقدم في السن كالتصلب الجانبي الضموري.
ويمكن القول إن التنكس البقعي في العين المرتبط بالسن هو أحد الأهداف الواعدة في هذه الأبحاث أيضاً؛ لأن العين، حسب سالي تيمبل، الشريكة المؤسسة في معهد الخلايا الجذعية العصبية في رينسيلار، نيويورك «هي من أجزاء الجهاز العصبي التي يسهل الوصول والنظر إليها والاطلاع على ما نقوم به فيها». لكنها أكدت، أن علاجات اضطرابات العين وغيرها من الأمراض لن تصبح جاهزة قبل سنوات عدة إضافية.
مخاطر العلاج التجاري
- ما المخاطر التي تعرض عيادات الخلايا الجذعية المرضى لها؟
> إن التعميم في مسألة سلامة هذه العلاجات هو أمر صعب؛ لأن طريقة تحويل وإعطاء الخلايا الجذعية تختلف بين عيادة وأخرى، تماماً كما تختلف الخبرة بين الأشخاص الذين يؤدون عملية العلاج. تعتبر طريقة تزويد المريض بهذه الخلايا، سواء كان عن طرق الحقن أم الغرس عاملاً مهماً آخر في موضوع السلامة. ويتجنب الكثير من العلماء بعض أنواع العلاجات التي لم يتم إثبات فاعليتها وسلامتها أثناء الاختبارات البشرية كعلاجات الخلايا الجذعية. لكن بعض الإجراءات التي تتخذ بالاعتماد على الخلايا الجذعية تعرض المريض لخطر أكبر من غيرها.
يقول مسؤولو إدارة الغذاء والدواء الأميركية، إنهم يركزون إجراءات الضبط الخاصة بهم على العيادات التي تقدم إجراءات علاجية ذات «مخاطر كبيرة»، كالحقن في الدماغ والعين والجهاز العصبي.
وكانت بعض الدوريات الطبية قد أوردت أخباراً عن حالات أربعة مرضى على الأقل أصيبوا بالعمى أو يعانون من اضطرابات شديدة في الرؤية ناتجة من حقن الخلايا الجذعية، بالإضافة إلى حالتي وفاة تم توثيقهما في ولاية فلوريدا.
وفي حالة الكثير من المرضى، يحصل الضرر على الصعيد المادي وليس الجسدي. وحسب أحد مسؤولي إدارة الغذاء والدواء الأميركية، فإن «الخطر الأكبر يكمن في حث الناس على دفع مبالغ طائلة».
تحذيرات للجمهور
- ما الجهة التي يجب أن تتولى تنظيم قطاع علاجات الخلايا الجذعية؟
> أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية العام الماضي دليلاً موجزاً لتوضيح أي من أنواع علاجات الخلايا الجذعية هي في جوهرها أدوية غير مصرح بها وتتطلب موافقة الإدارة. تتضمن هذه العلاجات أكثر من مجرد خلايا مرضى «شهدت بعض التلاعب»، والعلاجات التي تستخدم الخلايا الجذعية بما يخالف هدفها الرئيسي، كاستخدام خلية جذعية دهنية لعلاج مرض عصبي مثلاً. تتطلب الكثير من علاجات الخلايا الجذعية المستمدة من الدهون موافقة إدارة الغذاء والدواء، وبموجب سياسة خاصة.
ويقول النقاد، إن المجالس الطبية، والمشرعين، والمدعين العامين في ولاية معينة يجب أن يساهموا في كبح جموح تطور علاجات الخلايا الجذعية غير الموافق عليها.
- ما الأمور التي يجب على المستهلكين أن يحذروا منها؟
> طالب دايفيد باركي، الرئيسي التنفيذي للأكاديمية الأميركية لطب العيون المستهلكين، بتوخي الحذر الشديد «من أي شخص يقول لهم إنه يشارك في تجربة بحثية ويطلب منهم دفع المال». كما حثت إدارة الغذاء والدواء المرضى على سؤال من يقدمون علاجات الخلايا الجذعية عما إذا كانت علاجاتهم حصلت على موافقة الإدارة، أو أنها لا تزال قيد الدراسة بموجب طلب التحقق من دواء جديد، التي هي عبارة عن خطة تقدم للإدارة، وتتم مراجعتها للتأكد من سلامتها.

علاجات مزعومة تروّج لها العيادات التجارية

• تقول الكثير من العيادات التجارية التي تبيع علاجات الخلايا الجذعية غير المرخصة، إنها تستخدم خلايا بالغة تعرف باسم «الخلايا الجذعية الميزنكيمية mesenchymal cells» (خلايا جذعية متعلقة باللحمة المتوسطة)، توجد في النخاع، والدهون، والدم. صحيح أن هذه الأخيرة قادرة على التحول إلى أنواع متعددة من الخلايا، لكن الخبراء يقولون: إنه لا يوجد دليل يثبت أنها قادرة على التحرك في الجسم؛ بهدف العثور على مختلف المشكلات وتصحيحها، كما تدعي بعض العيادات.
• يبيع عدد من عيادات الخلايا الجذعية العلاجات للالتهاب مفاصل الركبتين خياراً بديلاً للجراحة. لكن دراسة أجراها جراحون متخصصون في الأمراض العظمية من عيادة كليفلاند وجدت أن «الأدلة المتوافرة حالياً لا تبرر التطور السريع الذي تشهده هذه العلاجات»، بحسب ما أفاد جورج ماشلر، الجراح المشارك في الدراسة.

* خدمة «بلومبيرغ»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
TT

«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الاهتمام بمبادرات «إعادة التحريج» بصفتها استراتيجية فعّالة لمواجهة آثار تغيّر المناخ وتحسين سبل معيشة السكان المحليين.

«إعادة التحريج»

تعني «إعادة التحريج»، وفق الأمم المتحدة، استعادة الأراضي التي كانت مغطاة بالغابات من خلال زراعة أشجار جديدة لتعويض الغطاء الحرجي المفقود، بخلاف التشجير الذي يركّز على زراعة أشجار في مناطق لم تكن غابات أصلاً.

وتهدف هذه العملية إلى معالجة تحديات بيئية كبيرة، مثل: التغير المناخي وتآكل التربة، كما تعزّز التنوع البيولوجي، فضلاً عن فوائدها البيئية، مثل تحسين جودة الهواء. وتُسهم «إعادة التحريج» في خلق فرص عمل وتحسين الأمن الغذائي.

ومن أبرز هذه المبادرات «تحدي بون» (Bonn Challenge)، الذي أُطلق عام 2011 بوصفه حملة عالمية، تهدف إلى إعادة تأهيل 350 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة والغابات بحلول عام 2030.

وتشمل هذه المبادرة أساليب متعددة؛ مثل: الزراعة المكثفة لتكوين غابات جديدة لأغراض بيئية أو إنتاجية، والزراعة المختلطة التي تدمج الأشجار مع المحاصيل، أو تربية الحيوانات لزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى التجدد الطبيعي حيث تترك الطبيعة لاستعادة الغابات ذاتياً دون تدخل بشري.

وفي دراسة أُجريت من قِبل فريق بحث دولي من الدنمارك وكندا والولايات المتحدة، تم تحليل تأثير «إعادة التحريج» في تحسين مستويات المعيشة لدى 18 دولة أفريقية، ونُشرت النتائج في عدد 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من دورية «Communications Earth & Environment».

واعتمدت الدراسة على بيانات أكثر من 200 ألف أسرة بين عامي 2000 و2015. واستخدم الباحثون أساليب إحصائية دقيقة لتحديد العلاقة الإيجابية بين إعادة التحريج وتحسّن مستويات المعيشة.

واستندوا إلى مؤشرات متنوعة لقياس الفقر تشمل التعليم والصحة ومستويات المعيشة؛ حيث أظهرت النتائج أن زراعة الأشجار أسهمت بشكل مباشر في تحسين الدخل وتوفير فرص عمل، بالإضافة إلى آثار اقتصادية غير مباشرة. كما أظهرت أن مناطق زراعة الأشجار كان لها تأثير أكبر من مناطق استعادة الغابات الطبيعية في تخفيف حدة الفقر.

يقول الباحث الرئيس للدراسة في قسم علوم الأرض وإدارة الموارد الطبيعية بجامعة كوبنهاغن، الدكتور باوي دن برابر، إن الدراسة تطرح ثلاث آليات رئيسة قد تُسهم في تقليص الفقر، نتيجة لتوسع مزارع الأشجار أو استعادة الغابات.

وأضاف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الآليات تتمثّل في توفير الدخل من خلال بيع منتجات الغابات، مثل: المطاط أو زيت النخيل، ما يسمح للأسرة بزيادة مواردها المادية. كما أن زراعة الأشجار قد تؤدي إلى خلق فرص عمل للسكان المحليين، في حين يمكن أن تُسهم مناطق التجديد البيئي في تحسين الظروف البيئية، ما يفيد الأسر المحلية من خلال النباتات والحيوانات التي يمكن بيعها وتوفير دخل إضافي للسكان.

ووفقاً لنتائج الدراسة، هناك مؤشرات من بعض البلدان؛ مثل: أوغندا، وبنين، أظهرت زيادة في النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار مقارنة بتلك التي لا تحتوي عليها.

تأثيرات الاستدامة

كما أشارت الدراسة إلى أن برامج التشجير في أفريقيا التي تهدف إلى استعادة أكثر من 120 مليون هكتار من الأراضي عبر مبادرات، مثل: «السور الأخضر العظيم»، و«الأجندة الأفريقية لاستعادة النظم البيئية»، تمثّل جهداً كبيراً لمكافحة الفقر وتدهور البيئة.

وتُسهم نتائج الدراسة، وفق برابر، في النقاش المستمر حول استدامة تأثيرات زراعة الأشجار في التنوع البيولوجي والمجتمعات المحلية، من خلال تسليط الضوء على الفوائد المحتملة لهذه المبادرات عندما يتمّ تنفيذها بشكل مدروس ومتوازن. كما أظهرت أن مبادرات زراعة الأشجار، مثل «تحدي بون»، يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية للمجتمعات المحلية، سواء من حيث تحسين مستوى المعيشة أو تعزيز التنوع البيولوجي.

وتوصي الدراسة بأهمية مشاركة المجتمعات المحلية في هذه المبادرات بصفتها شرطاً أساسياً لضمان استدامتها ونجاحها، فالتفاعل المباشر للمجتمعات مع المشروعات البيئية يزيد من تقبلها وفاعليتها، مما يعزّز فرص نجاحها على المدى الطويل.