عرض «المرقوم» مزج بين الموسيقى والرقص والغناء وحسن توظيف الأضواء

في سهرة رمضانية تونسية

ضمّ عرض «المرقوم» نحو 40 فناناً ومجموعة كبيرة من الرَاقصين
ضمّ عرض «المرقوم» نحو 40 فناناً ومجموعة كبيرة من الرَاقصين
TT

عرض «المرقوم» مزج بين الموسيقى والرقص والغناء وحسن توظيف الأضواء

ضمّ عرض «المرقوم» نحو 40 فناناً ومجموعة كبيرة من الرَاقصين
ضمّ عرض «المرقوم» نحو 40 فناناً ومجموعة كبيرة من الرَاقصين

خلف عرض «المرقوم» للثنائي التونسي نبيل بن علي ونزار السعيدي إبهاراً لدى الجمهور التونسي المتابع لإحدى السهرات الرمضانية الرائقة، فقد وظف هذا العرض الفني التراث التونسي وملامحه الغنية بالرموز، ليصنع لوحات غنائية ممزوجة مع «المرقوم» النسيج التقليدي التونسي، ويثمن التراث اللامادي بطريقة معاصرة جمعت بين الموسيقى والرقص والغناء وحسن توظيف الأضواء.
العرض الذي قدم على ركح إحدى دور السينما التونسية وسط العاصمة، ضمّ نحو 40 فناناً محترفاً في مجالي الأغنية التراثية والأغاني الغربية ومجموعة كبيرة من الرّاقصين، وقد اعتمد على النسيج التونسي المعروف من نوع «المرقوم»، ليقدم مادة غنائية من التراث التونسي، وليمزج بين الغناء والنسيج التقليدي.
الجميع سايروا مراحل صناعة «المرقوم»، وقد افتتنوا بها وتغنوا بجمالها، وردّدوا مجموعة من الأغاني التي غالباً ما ترددها النسوة وهن يزين «المرقوم» ويعطونه من أرواحهن. وقدم الفنانون أغاني شعبية تونسية رائجة على غرار «بكرة الأمراس» و«سوق وربص (تربص)» و«مصبرني على جفاك» و«هزِي حرامك»، وهي أغانٍ تلقفها الجمهور الحاضر بكثافة لتعيده إلى زمن الجدات المكابدات من أجل الحياة.
وخلال العرض ظهرت سيدة تونسية وهي تحمل بين يديها «القرداش» الذي تستعمله لتمشيط الصوف، وظهرت مرة أخرى وهي تحمل المغزل ومرة ثالثة وهي تجلس قبالة «السداية» (الوسيلة التقليدية لصناعة المرقوم)، وفي كل مرة تعبر السيدة عن التراث التقليدي التونسي العريق، وتضفي على العرض الكثير من الرموز والدلالات.
عرض «المرقوم» استمد روحه ومتانته من الأهازيج البدوية الرائعة والبسيطة، واعتمد على المعالجة الموسيقية، خصوصاً عبر الآلات الإيقاعية التي رافقتها لوحات فنية تعبّر عن الإنسان في مختلف حالاته.
عن هذه اللوحات الفنية الموظفة بعناية، قال نزار السعيدي مصمم هذا العرض، إنّه مستوحى من المنتوج التقليدي التونسي، وهو مزيج من فن النسيج والرسم التقليدي البسيط على الصوف. وأضاف أنّه استغل الرسوم الضاربة في القدم التي تتقنها المرأة التونسية في عدة مدن على غرار قفصة والجم وذرف والقيروان، وهي لا تختلف عن رسوم المصريين القدامى على الجدران، لخلق تناسق جدلي بين الموروث الثقافي اللامادي والتراث الغنائي الشفوي، إذ إن كليهما استعملته المرأة التونسية، ونجحت في المزج العفوي بين النسيج والغناء، وهذا هو منطلق العرض وأساسه المتين، على حد تعبيره.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».