بوتين يعد بمفاجآت عسكرية لضمان «التوازن العالمي»

في حوار مباشر مع الروس ركز على الأوضاع المعيشية

قال بوتين إن مواصلة موسكو تطوير قدراتها العسكرية الضمانة للمحافظة على التوازن العالمي وإفشال مساعي واشنطن للهيمنة (إ.ب.أ)
قال بوتين إن مواصلة موسكو تطوير قدراتها العسكرية الضمانة للمحافظة على التوازن العالمي وإفشال مساعي واشنطن للهيمنة (إ.ب.أ)
TT

بوتين يعد بمفاجآت عسكرية لضمان «التوازن العالمي»

قال بوتين إن مواصلة موسكو تطوير قدراتها العسكرية الضمانة للمحافظة على التوازن العالمي وإفشال مساعي واشنطن للهيمنة (إ.ب.أ)
قال بوتين إن مواصلة موسكو تطوير قدراتها العسكرية الضمانة للمحافظة على التوازن العالمي وإفشال مساعي واشنطن للهيمنة (إ.ب.أ)

تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكشف مزيد من «المفاجآت» على صعيد التقنيات العسكرية المتطورة، وقال إن تعزيز قدرات روسيا العسكرية ضمانة للمحافظة على التوازن في العالم.
ورد بوتين في حوار تلفزيوني مباشر أمس، استغرق أكثر من 4 ساعات على عشرات الأسئلة من بين أكثر من 3 ملايين سؤال أرسلها المواطنون إلى البرنامج المفتوح، وركزت في غالبيتها الساحقة على الأوضاع المعيشية المتدهورة وارتفاع الأسعار وغياب الخدمات وتقصير المسؤولين. ودافع بوتين عن سياسات الحكومة، لكنه تعهد بتسريع خطوات الإصلاح السياسي والاقتصادي وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين ومواجهة الضغوط الغربية المتواصلة.
وفي التزام بالتقليد الذي أرساه بوتين قبل 16 عاما، تحول الحوار المباشر مع الرئيس إلى ساحة لنقل شكاوى المواطنين مباشرة إلى رأس الدولة. ورغم أن عددا من الملفات الإقليمية والدولية كانت حاضرة بشكل محدود مثل الوضع في سوريا، وأوكرانيا، والعلاقات مع الولايات المتحدة، والمخاوف من نشوب حرب عالمية ثالثة، فإن التركيز الأكبر انصب على الأسئلة المتعلقة بالحياة اليومية للمواطنين. وشغلت ملفات ارتفاع أسعار المحروقات، والضرائب، وتردي خدمات الدولة في المرافق الحيوية، ونقص العناية الصحية، وملف الحريات؛ بما في ذلك على صعيد تدابير التضييق على وسائل التواصل الاجتماعي، الحيز الأكبر من الأسئلة الـ79 التي أجاب عنها بوتين خلال الحوار.
ورفض بوتين تحميل الحكومة مسؤولية التدهور المعيشي، وعزا ذلك إلى «التحديات الكبرى التي تواجهها روسيا على الساحة الدولية وسياسة العقوبات والعزل التي يفرضها الغرب عليها». ورد أكثر من مرة على أسئلة تتعلق بضرورة معاقبة أو إقالة بعض رموز الحكومة الروسية بأنه «لن يفعل ذلك» لأنه لا يرى داعيا. لكنه في المقابل أسهب في توضيح مخططات الدولة لتحسين الأوضاع على خلفية القرارات التي أصدرها بعد توليه مهامه الرئاسية في ولاية جديدة الشهر الماضي. وركز على التطور الذي حدث في عدد من المجالات المهمة، وتحدث عن المشروعات الإنشائية الكبرى التي تقوم بها الدولة، وبينها مشروعات وصفها بأنها حيوية جدا، مثل مدّ جسر القرم الذي ربط شبه الجزيرة بالأراضي الروسية في طريق بري عدّه شريان الحياة بالنسبة إلى الإقليم الذي ضمته روسيا في عام 2014 رغم الاعتراضات الغربية والأوكرانية. وشدد بوتين على أن روسيا تتحرك بخطى سريعة للخروج من الأزمة الاقتصادية، وقال إنها انتقلت إلى «المساحة البيضاء»؛ في إشارة إلى الوصول إلى نقطة انطلاق «التنمية المستدامة».
وحول الوضع السياسي الداخلي، أقر بوتين بغياب منافسين سياسيين له في البلاد، لكنه أكد عزمه على مواصلة العمل لتطوير الحياة السياسية والمنافسة الحزبية، وتجنب الرد على سؤال حول الخليفة المحتمل له، وقال إن هذا قرار الشعب الروسي.
وأكد أن روسيا لن توسع عمليات التضييق على شبكات التواصل الاجتماعي بعد قرارات بحظر تطبيق «تلغرام» وأكد أنه «لا قرارات بحظر شبكات التواصل». وأمر على الهواء مباشرة، أكثر من مرة، ردا على أسئلة مواطنين، حكام الأقاليم ومسؤولين بارزين في الحكومة وفي الأقاليم بمعالجة شكاوى تقدم بها مواطنون، علما بأن هذه هي المرة الأولى في الأحاديث التلفزيونية المباشرة لبوتين التي يربط الاتصال بها مباشرة عبر شاشات كبيرة وضعت في الاستوديو مع المسؤولين الحكوميين لإلزامهم بسماع شكاوى المواطنين مباشرة والرد على جزء منها.
ومع التركيز على الهموم المعيشية برزت الملفات الخارجية بشكل قوي من خلال تعهد بوتين بمواصلة تطوير القدرات العسكرية لبلاده.
وردا على سؤال حول المخاوف من اندلاع حرب عالمية ثالثة، قال بوتين إن الخوف من نتائج حرب من هذا النوع يعد الرادع الذي يمنع أي طرف من الانزلاق إليها، مشيرا إلى أن هذا السبب أتاح إقامة توازن عالمي منع نشوب حروب عالمية جديدة. لكنه استدرك بأن انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة تقليص منظومات الدفاع الصاروخي يهدف لتقويض التوازن العالمي، وقال إن مواصلة موسكو تطوير قدراتها العسكرية يشكل الضمانة الأساسية للمحافظة على التوازن العالمي وإفشال مساعي واشنطن للهيمنة. وزاد أنه عرض في وقت سابق نماذج لتقنيات عسكرية فائقة التطور، مؤكدا أن لدى روسيا مزيدا من المفاجآت التي ستعرضها في وقت لاحق.
وشدد بوتين على «ضرورة إيجاد أشكال حديثة ومتطابقة مع وقائع اليوم للتعاون المشترك» بين الدول، داعيا إلى «الجلوس حول طاولة المفاوضات ووضع آلية مناسبة لضمان الأمن الدولي والأوروبي». وأكد أن الاتهامات التي يوجهها الغرب لروسيا، والعقوبات التي يفرضها عليها «تهدف إلى عرقلة تطورها، لأن الدول الغربية لا تزال تعدها منافسا».
وتساءل: «لماذا يفعلون ذلك؟ لأنهم يرون في روسيا تهديدا، لأنهم يرون أن روسيا تتحول إلى منافس لهم».
وشدد على أن هذا النهج «سياسة خاطئة جدا»، وقال: «ما يجب فعله ليس ردع أحد، بما في ذلك روسيا، وإنما إقامة التعاون البناء، وفي حال اتباع هذا الموقف فستكون الانعكاسات العامة على الاقتصاد العالمي إيجابية، وبعض شركائنا بدأوا بتفهم هذا الأمر، ويتحدث المسؤولون في كثير من الدول على المستوى السياسي حول ضرورة إقامة علاقات طبيعية مع روسيا».
وسعى بوتين في ختام الحوار إلى حشد همم الروس عبر التأكيد على ضرورة توحيد المجتمع في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها روسيا على الصعيد الخارجي. وقال إنه يدرك أن «المشكلات عندنا أكثر بكثير مما يمكن الرد عليه في حوار تلفزيوني»، وتعهد بأن يقوم فريق من المختصين بتحليل الرسائل التي وصلت إلى البرنامج وفرزها لتحديد أبرز القضايا التي تشغل بال المواطنين الروس لمواجهتها ومحاولة إيجاد حلول جماعية لها.

القيصر «وحيداً في المشهد السياسي»
- «ألم تتعب بعد يا فالوديا؟». سؤال لمحته عين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمر على شاشة كبيرة وضعت أمامه في الاستوديو التلفزيوني الذي أدار منه حواره السنوي مع المواطنين الروس، وكانت تظهر عليها بين الحين والآخر أسئلة المواطنين الموجهة عبر خدمة الرسائل القصيرة. الجواب كان مختصرا وحازما: لم أتعب.
بدا السؤال مبررا لأنه جاء بعد مرور نحو 4 ساعات على بدء الحوار التلفزيوني. لكن استخدام اسم «فالوديا (تصغير فلاديمير)» حمل أكثر من معنى. وقد يكون صاحبه تعمد اللعب بالكلمات، وقصده الإشارة إلى طول فترة جلوس القيصر الروسي على كرسي الحكم منذ نحو عقدين. ويبرر هذا التفسير أن سؤالا آخر، وجه أيضا عبر خدمة الرسائل القصيرة، كان مغزاه: ألا تشعر بأنك وحيد في المشهد السياسي؟ في إشارة إلى غياب المنافسة وعدم وجود خليفة محتمل للرئيس. بوتين تجنب الرد واكتفى بالإشادة بفريقه «المحترف والمؤيد لسياساته».
هنا أيضا برز اللعب بالكلمات؛ فالقيصر الذي اعتاد أن يخاطب الجمهور الروسي على مدى عمر، بشكل مباشر ومن دون حواجز، جلس هذه المرة في الاستوديو وحيدا من دون جمهور. خلفه عشرات الأشخاص الذين يتلقون رسائل من أنحاء البلاد، وينتقون منها ما يصلح لعرضه على الرئيس. وفي الأقاليم حيث جرت العادة أن يتجمع سكان البلدات ويوجهون أسئلة تلقائية لبوتين، تم هذا العام اختيار شخص أو شخصين، وبدا واضحا أن الأسئلة أعدت سلفا ووزعت عليهم. غابت روح البث المباشر عن الحوار، وغدا حوارا غير مباشر مع الرئيس، باستثناء تقنية الرسائل القصيرة التي لم يجد مهندسو اللقاء آلية لتلافيها.
فسرت شبكة «نيوز رو» واسعة الانتشار التغيير بأن الديوان الرئاسي أراد تجنب أسئلة محرجة شهدتها لقاءات سابقة، والوضع المعيشي المتدهور، وتصاعد مزاج المعارضة للسياسات الداخلية، يبرران ذلك. لكن اللافت أن ثمة تعديلا آخر؛ إذ استعاض بوتين عن الجمهور بإجلاس حكام الأقاليم ومسؤولين بارزين أمام شاشات عملاقة ليقوموا بالرد بأنفسهم على بعض الأسئلة. كانت الرسالة واضحة أيضا، كما قال معارضون؛ إذ أراد القيصر أن يقول لمواطنيه: هؤلاء هم المسؤولون عن السلبيات، أما أنا فمسؤول عن السياسة الخارجية التي أعادت أمجاد روسيا وعزها التليد.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟