رئيس نيكاراغوا يبحث استئناف الحوار مع المعارضة

واصلت قطع الطرق بعد سقوط 120 قتيلاً في اشتباكات مع الشرطة

رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا
رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا
TT

رئيس نيكاراغوا يبحث استئناف الحوار مع المعارضة

رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا
رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا

التقى رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا مع الأساقفة، أمس، لمناقشة استئناف الحوار مع المعارضة التي تزيد من الضغوط على الحكومة من خلال قطع عدد كبير من الطرق، في أعقاب مظاهرات عنيفة أسفرت عن أكثر من 120 قتيلا.
وأعلن المؤتمر الأسقفي لنيكاراغوا في بيان، أن الاجتماع الذي اقترحته الكنيسة الكاثوليكية (تضطلع بدور الوسيط في الخلاف) «قد وافق عليه الرئيس» وعُقد في بيت الشعوب. وذكر الأساقفة في رسالة موجهة إلى الرئيس أن الهدف من الاجتماع «معالجة المواضيع البالغة الأهمية لوطننا، والعدالة والديمقراطية التي دائما ما يعتمد عليها السلام، لتقييم إمكان استئناف الحوار»، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
واتخذ الأساقفة قرار تعليق الحوار بعد مقتل 16 متظاهرا، في 30 مايو (أيار)، في مظاهرات عمّت أنحاء البلاد. وأعلنوا في اليوم التالي أن الحوار لن يُستأنف طالما استمرت أعمال القمع. وفرض المؤتمر الأسقفي لنيكاراغوا نفسه وسيطا في مايو، محاولا أن يجمع إلى الطاولة نفسها الحكومة والمعارضة، المؤلفة من ممثلين للطلبة والمجتمع المدني.
ويرمي الحوار إلى إخراج البلاد من الأزمة الخطرة، السياسية والاجتماعية التي تواجهها منذ بداية المظاهرات في 18 أبريل (نيسان). وأسفرت عمليات قمعها العنيفة التي قامت بها السلطات، عن 121 قتيلا و1300 جريح، كما أفادت حصيلة أخيرة لـ«مركز نيكاراغوا لحقوق الإنسان»، وهي منظمة غير حكومية.
وندّدت اللجنة الأميركية لحقوق الإنسان، الأربعاء، في واشنطن بـ«الأشكال الجديدة والممارسات القمعية» لحكومة نيكاراغوا ضد المتظاهرين. وكانت روزاريو موريلو، السيدة الأولى ونائبة رئيس البلاد، قالت الاثنين: «نريد جميعا السلام، نريد الحوار، نريد العمل معا والإصغاء بعضنا إلى البعض الآخر، ومناقشة جميع المواضيع لأن ثمة حلاً لكل مشكلة». وفي محاولة واضحة للتهدئة، قالت إنها «ملتزمة الحوار والعمل والأمن والسلام».
لكن الوضع الميداني ما زال بعيدا عن التهدئة. وأكّد المعارضون الأربعاء أن أكثرية طرق البلاد مقطوعة، خصوصا في جنوب العاصمة، لحماية مدينة مسايا التي تتعرض للسلب والنهب، من الحرائق وهجمات قوات مكافحة الشغب.
وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، قالت المقاتلة السابقة والمنشقة عن الحزب السانديني الحاكم، مونيكا بالتودانو، إن «الفكرة تقضي بزيادة الحصار للدفاع عن مسايا التي باتت هدفا للديكتاتورية». كذلك، تستهدف الحواجز التي تقيمها المعارضة منع الوصول إلى غرناطة، المركز التاريخي والسياحي، حيث أسفرت مواجهات جديدة عن قتيل على الأقل الثلاثاء. وقالت موريلو: «لقد أحزنتنا حوادث الثلاثاء في مدينة غرناطة التاريخية، التراث الثقافي لنيكاراغوا الذي دُمر وأحرق، كما حصل في حقبة وليم ووكر»، الذي انتخب رئيسا لنيكاراغوا في 1856، وتؤكد الحكومة أن الحرائق طالت المباني العامة، ومباني للحزب الحاكم ومتاجر.
ويقود الاحتجاجات شباب مسلحون بحجارة ومدافع هاون يدوية الصنع، في مواجهة الرصاص الحي الذي تستخدمه قوات الحكومة لمكافحة الشغب. وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، قال ألفارو توريس، الميكانيكي الذي أمضى بعد الظهر في صنع مدافع هاون مع ثلاثة من جيرانه للدفاع عن حيهم في مسايا، البعيد 30 كيلومترا جنوب العاصمة، إن «سلاحنا الوحيد هو هذا المدفع الهاون... الهدف هو محاولة الاستمرار في الدفاع عن أنفسنا حتى النهاية».



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.