لا يبدو الرئيس الفرنسي راغباً في أن تلعب بلاده دوراً نشطاً في ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، بعكس ما تقوم به دبلوماسيته في ملفات أخرى، مثل النووي الإيراني والملف السوري والحرب في اليمن.
وعلى الرغم من تفجُّر الوضع الناشئ عن التطورات في غزة، التي شهدت سقوط أكثر من 120 قتيلاً وآلاف من الجرحى، والتصعيد الذي رافق قرار واشنطن نقل سفارتها إلى القدس، فإن الرئيس ماكرون لن يذهب بعيداً في تعاطيه مع هذا الملف، على الرغم من إدانته للعنف الإسرائيلي في التعاطي مع المتظاهرين في غزة، ورفضه للقرار الأميركية ووصفه بـ«الخاطئ».
وما يسم السياسة الفرنسية إزاء هذا الملف هو «الفصل» بين رغبة باريس في توثيق علاقاتها مع إسرائيل، وممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين، إن في اللجوء إلى العنف على نطاق واسع، أو في تسريع الأنشطة الاستيطانية وسعيها الدؤوب إلى طمس المسألة الفلسطينية، والتركيز على الخطر الإيراني.
في كلامه إلى الصحافة، أشاد ماكرون بقوة بـ«علاقات الصداقة» الفرنسية - الإسرائيلية، وهو ما عاد إليه لاحقاً في الكلمة التي ألقاها في «القصر الكبير»، بمناسبة تدشين العام الثقافي الفرنسي الإسرائيلي. ورد عليه نتنياهو بالقول إن فرنسا وإسرائيل «حليفتان طبيعيتان تجمعهما قيم الديمقراطية والسلام والتمسك بالتعددية، ولهما إرث مشترك»، ولم ينسَ رئيس الحكومة الإسرائيلية، الذي التقى الرئيس الفرنسي ثلاث مرات في عام واحد، التذكير بما سبق لماكرون أن أعلنه، من أن «الصهيونية شكل من أشكال معاداة السامية»، وهو ما لقي انتقاداً واسعاً في أوساط المثقفين الفرنسيين والمتعاطفين مع الفلسطينيين.
تحفظ ماكرون إزاء «الانغماس» في الملف الفلسطيني بدا بالغ الوضوح في نقطتين على الأقل: فهو من جهة، نفى أن تكون لبلاده خطة سلام، مشيراً إلى وجود «خطة سلام أميركية سيتم الإعلان عنها»، ما يعكس رغبة فرنسية في الاحتماء، على الأرجح، وراء ما تخطط له واشنطن، على الرغم من أن السلطة الفلسطينية رفضت، مسبقاً، كل ما يمكن أن يعرض عليها من الجانب الأميركي، بعد قرار نقل السفارة إلى القدس، وما تعرفه من الخطوط الكبرى لـ«صفقة القرن».
وبدل العمل على تحريك ملف السلام في الشرق الأوسط، فإن الرئيس الفرنسي رأى أنه «يتعين التركيز اليوم على إطار الاستقرار الإقليمي»، الأمر الذي يعني أن ماكرون سار خطوات باتجاه مواقف نتنياهو الذي يسعى إلى «تذويب» الصراع في الإطار الشرق أوسطي الأوسع. وفي السياق عينه، اعتبر ماكرون أن الرغبة في السلام «يجب أن تنبع من الأطراف» المعنية، ما يستنسخ الموقف الأميركي، إذ إن واشنطن تربط أي خطة للسلام برغبة الأطراف به وقبولهم له.
من جانب آخر، في ماكرون أن تكون بلاده جاهزة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما يريده الفلسطينيون الذين يرون في بادرة كهذه، عاملاً مساعداً على تشجيع الأوروبيين للإقتداء بفرنسا، وبالتالي سيشكل عامل ضغط على إسرائيل.
وسبق للحكومات الاشتراكية أن وعدت بالاعتراف في حال فشل الجهود الدبلوماسية. لكن آخر حكومة في عهد الرئيس فرنسوا هولاند تراجعت عن وعدها.
وبرر ماكرون ذلك، بأن «الخطوات أحادية الجانب» لا تفيد، مستدلاً على ذلك بما قرره الرئيس ترمب. ويقوم الموقف الفرنسي على القول إن باريس ستعمد إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية «في الوقت المناسب»، كما أنها تريد بادرة أوروبية جماعية.
والحال أن انتظار إجماع أوروبي يبدو صعب البلوغ في ظل الانقسامات الأوروبية، سيجعل مسألة الاعتراف بعيدة المنال. وسبق لماكرون أن أبلغ ذلك الطرف الفلسطيني الذي طرح عليه المسألة أكثر من مرة.
يبقى أن باريس تشدد على «ثباتها» في مواقفها المبدئية لجهة الدعوة إلى دولة فلسطينية والقدس عاصمة الدولتين (الفلسطينية والإسرائيلية). ولم يتردد ماكرون في السابق من انتقاد العنف الإسرائيلي، لا بل احتفال إسرائيل بنقل السفارة الأميركية إلى القدس. وبهذا الخصوص، قال ماكرون إنه «عندما نحتفل بحدث كهذا (نقل السفارة) ويموت أشخاص، فإن ذلك لا يمكن عده احتفالا».
لا مبادرة سلام فرنسية ولا اعتراف «أحادي الجانب» بالدولة الفلسطينية
لا مبادرة سلام فرنسية ولا اعتراف «أحادي الجانب» بالدولة الفلسطينية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة