أوروبا تدخل حلبة الرسوم الانتقامية وتحشد حلفاً ضد حمائية ترمب

انخفاض العجز التجاري الأميركي مع صادرات قياسية

شاحنات لنقل البضائع من ميناء سافانا بولاية جورجيا الأميركية (ا.ب)
شاحنات لنقل البضائع من ميناء سافانا بولاية جورجيا الأميركية (ا.ب)
TT

أوروبا تدخل حلبة الرسوم الانتقامية وتحشد حلفاً ضد حمائية ترمب

شاحنات لنقل البضائع من ميناء سافانا بولاية جورجيا الأميركية (ا.ب)
شاحنات لنقل البضائع من ميناء سافانا بولاية جورجيا الأميركية (ا.ب)

تصاعدت موجة الحمائية التجارية التي تفرضها الدول الكبرى ضد بعضها البعض، ويتضرر بسببها الاقتصاد العالمي والدول الناشئة والصاعدة، ما قد يؤدي لانخفاض معدلات النمو العالمية بتراجع حجم وقيمة التجارة الدولية.
فقد قررت المفوضية الأوروبية أمس الأربعاء، فرض رسوم جمركية انتقامية على مجموعة من السلع المستوردة من الولايات المتحدة، بعد أن أعلنت المكسيك أول من أمس عن رسوم انتقامية على أكبر اقتصاد في العالم، مع تحذيرات من كندا بفرض رسوم انتقامية أيضا.
ويواجه أكبر اقتصاد في العالم، تحديات تجارية شديدة من الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، الذين أعلنوا صراحة عن رسوم جمركية انتقامية، فضلا عن اليابان، وهذه الكتلة تمثل القوة الضاربة اقتصاديا عالميا.
كان البيت الأبيض قد حاول امتصاص غضب الحلفاء يوم الاثنين، وقال إن الولايات المتحدة ستظل تربطها علاقات قوية بالاتحاد الأوروبي، إضافة إلى كندا والمكسيك، وذلك بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع الرسوم الجمركية على الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي والصين ودول أخرى لتصل إلى 25 في المائة على الصلب و10 في المائة على الألومنيوم.
ويعتزم الاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية انتقامية على مجموعة من السلع المستوردة من الولايات المتحدة بداية من يوليو (تموز) المقبل، رداً على الزيادة التي فرضتها واشنطن على واردات الصلب والألومنيوم، وفقا لما أعلنته المفوضية الأوروبية أمس الأربعاء.
كما أكدت المفوضة الأوروبية للتجارة سيسيليا مالمستروم أن الاتحاد الأوروبي يتواصل مع دول مثل المكسيك وكندا واليابان لتشكيل «جبهة موحدة» ضد السياسات التجارية «العدائية» للرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وكان الاتحاد الأوروبي قد قدم بالفعل قائمة لمنظمة التجارة العالمية بالواردات التي يمكن أن تتأثر بزيادة الرسوم الجمركية، والتي تتباين بداية من المنتجات الزراعية مثل الفول السوداني وعصير البرتقال وحتى السراويل الجينز والدراجات النارية ومشروبات «الويسكي» الكحولية.
وتحتاج المفوضية الأوروبية الآن للتشاور مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول الإجراءات المخطط اتخاذها، وهي عملية تعتزم إنهاءها بحلول نهاية يونيو (حزيران) الجاري حتى تدخل زيادة الرسوم الجمركية حيز التنفيذ بداية من الشهر المقبل.
وذكرت المفوضية أنها تعتزم فرض زيادة الرسوم الجمركية أولا على واردات أميركية بقيمة إجمالية 8.‏2 مليار يورو (3.‏3 مليار دولار)، مع النظر في زيادة القائمة فيما بعد.
كانت المكسيك قد أعلنت يوم الثلاثاء، فرض رسوم على عدد من المنتجات الأميركية، من بينها 20 في المائة على لحوم الخنزير و25 في المائة من منتجات الصلب.
وشملت الرسوم التي نشرت في بيان رسمي: 20 في المائة على لحوم الخنزير والجبن والتفاح والبطاطس، و25 في المائة على الويسكي من نوع بوربون والجبن الطازج. كما فرضت رسوم على منتجات الصلب وتشمل الألواح والقضبان واللفائف، بالإضافة إلى القوارب التي تعمل بالمحرك.
ومن المتوقع أن تسبب الرسوم المكسيكية على لحم الخنزير الضرر الأكبر للولايات المتحدة الأميركية، حيث تستورد المكسيك 90 في المائة من لحوم الخنزير التي تستهلكها من جارتها الشمالية.
ومن المقرر أن يبدأ تطبيق بعض الرسوم على الفور، في حين سوف يتم تطبيق بقية الرسوم يوم الخميس أو بحلول نهاية العام.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض يوم الاثنين سارة ساندرز خلال إيجاز صحافي دوري: «تربطنا علاقات قوية بالمكسيك وكندا والاتحاد الأوروبي، وتلك (العلاقات) ستستمر على الرغم من وجود الرسوم الجمركية».
ويسعى الرئيس الأميركي من خلال فسخه معظم الاتفاقيات التجارية القائمة وإعادة هيكلة البعض منها، إلى تقليل عجز الميزان التجاري الأميركي.
وانخفض العجز التجاري الأميركي بالفعل في أبريل (نيسان) لأدنى مستوى في سبعة أشهر مع ارتفاع الصادرات إلى مستوى قياسي بدعم من زيادة شحنات المواد الصناعية وفول الصويا.
وقالت وزارة التجارة الأميركية أمس الأربعاء إن العجز التجاري انخفض 2.1 في المائة إلى 46.2 مليار دولار وهو أقل مستوى منذ سبتمبر (أيلول). وجرى تعديل بيانات مارس (آذار) لتظهر انخفاض العجز التجاري إلى 47.2 مليار دولار عوضا عن التقديرات السابقة البالغة 49 مليار دولار. كما عدلت الحكومة بيانات تجارية ترجع إلى العام 2010.
وبعد التعديل في ضوء التضخم، انكمش العجز التجاري إلى 77.5 مليار دولار من 78.2 مليار دولار في مارس. وانخفض ما يطلق عليه العجز التجاري الحقيقي دون متوسطه في الربع الأول من العام والبالغ 82.5 مليار دولار.
وإذا حافظ العجز التجاري الحقيقي على اتجاهه، فإن التجارة قد تساهم في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من العام بعد أن كان تأثيره محايدا في الربع الممتد بين يناير (كانون الثاني) ومارس.
وزاد عجز تجارة السلع مع الصين، الذي ينطوي على حساسية سياسية، 8.1 في المائة إلى 28 مليار دولار في أبريل. وانكمش العجز مع المكسيك 29.8 في المائة إلى 5.7 مليار دولار في أبريل.
وسجلت الولايات المتحدة عجزا في تجارة السلع مع كندا بقيمة 0.8 مليار دولار في أبريل.
وفي أبريل زادت صادرات السلع والخدمات 0.3 في المائة إلى مستوى قياسي عند 211.2 مليار دولار. وتلقت الصادرات الدعم من زيادة قيمتها 1.3 مليار في شحنات المواد والإمدادات الصناعية مثل زيت الوقود والمنتجات البترولية.
وزادت صادرات فول الصويا 0.3 مليار دولار، كما ارتفعت شحنات الذرة بقيمة مماثلة. لكن صادرات الطائرات التجارية انخفضت 2.8 مليار دولار.
وانخفضت الصادرات إلى الصين 17.1 في المائة في أبريل نيسان.
وانخفضت واردات السلع والخدمات 0.2 في المائة إلى 257.4 مليار في أبريل، متأثرة بتراجع واردات الهواتف الجوالة والأجهزة المنزلية بواقع 2.2 مليار دولار. ونزلت واردات المركبات مليار دولار.
وزادت واردات الولايات المتحدة من النفط الخام مليار دولار في أبريل. ولم تسجل الواردات من الصين تغيرا يذكر في أبريل.



مخاوف التضخم في بريطانيا تزداد بعد الموازنة الجديدة وفوز ترمب

العلم البريطاني يرفرف أمام ساعة «بيغ بن» أعلى مبنى البرلمان في وسط لندن (رويترز)
العلم البريطاني يرفرف أمام ساعة «بيغ بن» أعلى مبنى البرلمان في وسط لندن (رويترز)
TT

مخاوف التضخم في بريطانيا تزداد بعد الموازنة الجديدة وفوز ترمب

العلم البريطاني يرفرف أمام ساعة «بيغ بن» أعلى مبنى البرلمان في وسط لندن (رويترز)
العلم البريطاني يرفرف أمام ساعة «بيغ بن» أعلى مبنى البرلمان في وسط لندن (رويترز)

في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا على وشك تجاوز أزمة التضخم، جاء الإعلان عن زيادة الإنفاق الحكومي الكبير من قبل الحكومة الجديدة، متزامناً مع مخاطر اندلاع حرب تجارية عالمية نتيجة خطط التعريفات الجمركية التي طرحها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مما يهدد بتمديد أمد هذه الأزمة.

وبلغ التضخم في بريطانيا ذروته عند أكثر من 11 في المائة قبل عامين إثر اندلاع الحرب في أوكرانيا، وهو أعلى مستوى بين الدول الكبرى الغنية. لكن تراجع التضخم استغرق وقتاً أطول مقارنة بدول أخرى، ويرجع ذلك جزئياً إلى نقص العمالة الناتج عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفق «رويترز».

ورغم استبعاد عودة التضخم إلى مستويات تتجاوز الـ 10 في المائة، فإن بنك إنجلترا رفع توقعاته للتضخم للأعوام الثلاثة المقبلة بعد إعلان موازنة 30 أكتوبر (تشرين الأول) التي تضمنت زيادة الضرائب على أصحاب العمل، مما ينذر بارتفاع الأسعار والأجور.

وألقى فوز ترمب بظلاله على المشهد الاقتصادي، حيث دفع المستثمرين إلى خفض توقعاتهم بشأن تخفيضات أسعار الفائدة من بنك إنجلترا خلال العام المقبل، ما يضع تحدياً جديداً أمام تعهد رئيس الوزراء كير ستارمر بجعل بريطانيا الاقتصاد الأسرع نمواً بين دول مجموعة السبع.

أثر الموازنة على التضخم

وقالت شركة الاستشارات «بانثيون ماكرو إيكونوميكس» للعملاء في مذكرة يوم الخميس: «نعتقد أن موازنة المملكة المتحدة وانتخاب ترمب سيعززان التضخم ومعدلات الفائدة في المملكة المتحدة».

وتسببت الزيادة الكبيرة في الإنفاق العام المدرجة في الموازنة، وتأثيرها المتوقع على النمو الاقتصادي، في تقليص توقعات المستثمرين من أربعة تخفيضات في أسعار الفائدة بحلول نهاية 2025 إلى ثلاثة تخفيضات فقط.

لكن مع إعلان ترمب عن تعيينات متشددة لإدارته، تقلصت هذه التوقعات مرة أخرى إلى تخفيضين فقط بنهاية 2025، مقارنة بخمسة تخفيضات متوقعة من البنك المركزي الأوروبي في منطقة اليورو.

التداعيات العالمية للتعريفات الجمركية

توجد سيناريوهات قد تُخفف من التضخم، مثل تأثر صادرات الصين إلى الولايات المتحدة سلباً بسبب تعريفات ترمب، مما قد يخفض أسعارها في الأسواق الأخرى.

ومع ذلك، إذا طالت التعريفات الجمركية بريطانيا ودول أخرى وردت بالمثل، فإن الضرر الذي قد يلحق بسلاسل التوريد العالمية قد يؤدي إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم بوتيرة أسرع من المتوقع.

المخاطر التي تواجه البنوك المركزية

قال كبير الاقتصاديين في المملكة المتحدة لدى «بانثيون ماكرو إيكونوميكس»، روب وود: «بنك إنجلترا، كغيره من البنوك المركزية، بالكاد بدأ السيطرة على التضخم ولن يستطيع تجاهل تأثير التعريفات التجارية باعتبارها مجرد صدمة عابرة، خاصة مع استمرار النمو القوي في الأجور».

وأضاف: «لا يمكن للبنك أن يعتبر هذه صدمة مؤقتة. هذا يعني أن تخفيضات أسعار الفائدة ستكون أبطأ من المتوقع».

ويتوقع وود أن يرتفع التضخم في بريطانيا إلى 3 في المائة بحلول الربع الثالث من 2025، متجاوزاً توقعات بنك إنجلترا البالغة 2.8 في المائة.

مستقبل أسعار الفائدة

رغم أن كثيرا من الاقتصاديين يتوقعون أن يخفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة بأكثر مما يتوقعه المستثمرون حالياً، فإن أحمد كايا من «المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية» حذر من أن الارتفاع المتوقع في التعريفات الجمركية قد يدفع البنك إلى اتخاذ موقف متشدد.

وانخفض معدل التضخم الرئيسي في بريطانيا إلى ما دون هدف بنك إنجلترا البالغ 2 في المائة لأول مرة منذ 2021 في سبتمبر (أيلول)، حيث بلغ 1.7 في المائة. لكن مسؤولي البنك يؤكدون أن الضغوط الأساسية ما زالت قوية.

وخفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية فقط من أعلى مستوياتها خلال 16 عاماً عند 5.25 في المائة، في نهج أكثر حذراً مقارنة بمنطقة اليورو والولايات المتحدة.

أسباب التحديات الاقتصادية

قال كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، هو بيل، إن تعافي بريطانيا من تداعيات الجائحة وصدمات أسعار الطاقة أبطأ من دول أخرى. وأضاف أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى خسارة العمالة أثناء الجائحة، أبقيا نمو الأجور عند مستويات مرتفعة لا تتماشى مع أهداف البنك.

من جانبها، أكدت عضوة لجنة السياسة النقدية، كاثرين مان، أن «التطورات السياسية عبر الأطلسي» قد تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي والتضخم في بريطانيا.

ويُعد كل من بيل ومان من بين أكثر المسؤولين تشدداً في بنك إنجلترا، إلا أن المحافظ أندرو بيلي شدد الأسبوع الماضي على أن أسعار الفائدة من المحتمل أن تنخفض بشكل تدريجي، بعد أن كان قد أشار في أكتوبر إلى إمكانية إجراء تخفيضات أسرع.

وفي خطاب ألقاه يوم الخميس، أبدى بيلي قلقه العميق إزاء تصاعد مخاوف الحمائية.

وقال: «الصورة الاقتصادية الحالية غامضة بفعل تأثير الصدمات الجيوسياسية والتفكك الأوسع في الاقتصاد العالمي. وفي ظل الحاجة الملحة إلى اليقظة تجاه التهديدات التي تمس الأمن الاقتصادي، دعونا لا ننسى أهمية الانفتاح على الأسواق والعلاقات التجارية العالمية».