بريطانيا تسمح برفع الأذان عبر مكبرات الصوت في رمضان

خلال دورة ألعاب الكومنولث في غلاسغو

رفع الأذان في مسجد على مقربة من قرية الألعاب
رفع الأذان في مسجد على مقربة من قرية الألعاب
TT

بريطانيا تسمح برفع الأذان عبر مكبرات الصوت في رمضان

رفع الأذان في مسجد على مقربة من قرية الألعاب
رفع الأذان في مسجد على مقربة من قرية الألعاب

أعلنت المتحدثة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، روزماري ديفيس، أن مجلس مدينة غلاسغو وافق على رفع الآذان بالمسجد المركزي في المدينة عبر مكبرات الصوت مساء كل يوم من شهر رمضان وخلال دورة ألعاب الكومنولث، مشيرة إلى أن المسجد يقع على مسافة قريبة من القرية التي ستنظم فيها الألعاب.
وقالت المتحدثة لوكالة الأنباء الألمانية، في دبي أمس، إن رفع الآذان في مسجد على مقربة من قرية الألعاب يهدف إلى مساعدة اللاعبين وعائلاتهم ومسؤولي الألعاب والإعلاميين والزوار الذين سيوجدون في المدينة، على أداء الصلاة والإفطار وقت سماع الآذان.
وتتزامن الأيام الأخيرة من رمضان مع الأسبوع الأول من الألعاب التي تبدأ في 23 يوليو (تموز) الحالي، ويشارك فيها 72 بلدا مسلما أو غالبية سكانها من المسلمين، ويقدر عدد اللاعبين المسلمين الصائمين خلال الألعاب بـ400 لاعب. ولفتت إلى أن الطهاة والمطاعم في غلاسغو سيعملون على مدار الساعة ليكون اللاعبون الصائمون قادرين على تناول الطعام بما هو مسموح به في الساعات الأولى المبكرة من كل يوم، وستتوافر قوائم الأطعمة في أماكن الألعاب والضيافة خلال دورة الألعاب.
وذكرت ديفيس أن المملكة المتحدة تشهد مظاهر احتفاء واسعة بشهر رمضان، و«هذا يؤكد التنوع الثقافي والديني الذي تتميز به المملكة، وهو تنوع سنحرص عليه دائما ونقدم له كل الدعم ونحميه».
إلى ذلك، قالت ديفيس في تقرير سيجري نشره الأسبوع المقبل على موقع «وزارة الخارجية البريطانية بالعربية» إن بريطانيا تحرص دائما على حماية التنوع فيها ودعمه، مشيرة إلى أنه خلال أولمبياد لندن 2012 قدمت بريطانيا خدمات خاصة بالمسلمين، مثل وجبات الإفطار وغرف مخصصة للصلاة بالفنادق وفي أماكن المسابقات.
وأضافت: «في الجيش البريطاني، جرى تشكيل جمعية إسلامية تقوم بتمثيل مصالح الضباط والجنود المسلمين، وجرى تعيين إمام لهم أيضا، وفي شهر رمضان يمكن للأفراد الصيام باستثناء من إرسالهم أو إعدادهم للمشاركة في جولات عملياتية، وكذلك يحصلون على إجازة في عيدي الفطر والأضحى، فضلا عن الطعام الذي يتوافق مع الشريعة الإسلامية، ووجبات الإفطار والسحور».
وكان رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، توجه بالتهنئة عبر الفيديو لجميع المسلمين بمناسبة حلول شهر رمضان، وأشاد بمساهماتهم في المجتمع البريطاني.
وقال كاميرون في رسالته: «أعمال الخير ما هي إلا واحدة مما يرمز إليه الإسلام. وهنا في بريطانيا، يعد المسلمون من أكبر المتبرعين، حيث تبرعاتهم تفوق ما يتبرع به أتباع أي دين آخر. ونحن نشهد روح العطاء هذه طوال السنة، من مساجد تدير أندية رياضية للأطفال المحليين، ومسلمين يبيعون زهورا بمناسبة ذكرى العسكريين الذين ضحوا بحياتهم في الحروب، وأفراد من أنحاء البلاد لبسوا أحذيتهم المطاطية وشمروا عن سواعدهم لمساعدة العائلات التي تضررت من عواصف الأمطار التي شهدناها هذا الشتاء».
وأضاف: «سوف تدعم الحكومة مجددا في العام الحالي حملة (الإفطار الكبير) حين يفتح مئات آخرون من المجتمعات المحلية - من ليدز وحتى ليوتن، ومن ووكنج وحتى مانشستر - أبوابهم لاستقبال مواطنين من الأديان كافة لتناول وجبة الإفطار بعضهم مع بعض وليتعرفوا إلى جيرانهم».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)