رواية عراقية عن الحب والحرب

«لماذا تكرهين ريمارك؟» لمحمد علوان جبر

رواية عراقية عن الحب والحرب
TT

رواية عراقية عن الحب والحرب

رواية عراقية عن الحب والحرب

تحل رواية الألماني إريك ريمارك المعروفة «وقت للحب... وقت للحرب» كإشارة عابرة في رواية العراقي محمد علوان: «بدأت بوضع سيناريو بانورامي للحرب معتمداً ثيمة الفصول الأولى من رواية الألماني إريك ماريا ريمارك (للحب وقت... للموت وقت)، وقد وضعت لها عنواناً قال لي برهان إنه عنوان جميل ومناسب (لماذا تكرهين ريمارك؟) حيث اختاره مع هالة عنواناً لإحدى لوحاته، شرحت له بإسهاب إننا جميعا نكره (ريمارك)، رغم أنه كان أفضل من كتب عن الحب وسط الحرب التي شكلت ثيمات رواياته بدءاً من (كل شيء هادئ في الجبهة الغربية). ولا شيء أكثر من هذا».
الرواية تنطوي على ذاكرة أكثر من قرائية عندما يتعلق الأمر بترميز الزمن الشعوري للكتابة، إذ يتحرك بندول السرد بين أقسى أشكال العنف الدائر في المكان، وأرق مشاعر الحب بين البشر، كرسالة - شهادة سردية مشوقة ترسم تجربة شخصيات عانوا أهوال الحرب، على قسوتها، لكنها لم تسلب منهم عواطفهم الشخصية وأحلامهم وطموحاتهم الصغيرة في أن يشبهوا غيرهم من البشر: عشاق ممنوعون من العشق بفعل فاعل، الحرب.
يشتغل محمد علوان على ثيمة الحرب - الحب كشهادة يقدمها بطله الرئيس ماهر الذي هرب من وطنه العراق لأنه مطلوب للسلطة، ويصل بيروت مكاناً للإقامة.
من بيروت، التي أقام فيها وعمل مصمماً في جريدة، يبدأ ماهر حكايته مثقلاً بذاكرة مدينته الشعبية (مدينة الثورة) التي يصر الكاتب على اسمها هذا رغم تغييره بعد 2003 إلى «مدينة الصدر»، ولإصراره دلالة على أنها المدينة التي بناها عبد الكريم قاسم بداية ستينات القرن الماضي لفقراء الأكواخ على أطراف بغداد.
ماهر الشخصية الرئيسية يترك زميل دراسته الابتدائية في بغداد، بينما تمثل أخته «ثريا» وهي الثريا التي تضئ المكان وشخصياته بضوئها الأمومي، منذ طفولة ماهر، شقيقها، عندما كانت تصطحبه إلى المدرسة الابتدائية رفقة صديقه «أكرم».
«ثريا» جعلها الروائي محور السرد ومركز تقاطعات الشخصيات، ورغم أنها شخصية ثانوية، جعلها تمسك بالخيوط المتشابكة للسرد.
فهي، عدا ربطها لبرهان وأكرم، منذ الطفولة، ونمو شخصيتها لتكون حلماً غرامياً لـ«أكرم» لاحقاً، الرابط بين «ناصر جواد» صاحب المزرعة الذي اعتقله الأميركان بتهمة تورطه بإيواء ضابط أميركي مظلي، في مزرعته.
محمد علوان روائي ذكي في إدارة العلاقات السردية، بشكل مقنع، عدا قدرته التخيلية في استثمار الخسارة وتحويلها إلى شعور إيجابي مثل ما حدث في أن تقود الساق الصناعية صاحبها إلى بيت الأرملة، لأن تلك الساق تعود إلى زوجها الميت.
«أكرم» رسّام، ظل رفقة صاحبه «ماهر» حتى تخرجهما من أكاديمية الفنون الجميلة، شابين حالمين بالفن كتحقيق لذاتيهما الطموحة نحو الإبداع. ثم يصبح كاتب سيناريو الأمر الذي يجعله الراوي رواية داخل رواية ويضعه أمام احتمالات وتأويلات عدة، بينما يساعده صديقه «ماهر» في أن يعرض سيناريوهاته على صديقته المخرجة الفلسطينية سميرة اليعقوبي في لبنان.
ثمة «هالة» أيضاً زميلة ماهر ومشروع حب ناقص في بغداد خلال العمل، بعد أن تم نقله إلى مخازن الشالجية، وهو إجراء سلطوي كان تلجأ إليه سلطات صدام حسين بشأن المعارضين. «هالة» شخصية تحضر في النص كمزيج من الذاكرة والحلم (وتحقق الحلم) عندما تصل بيروت للعمل في دائرة تجارية تابعة للحكومة العراقية.
«أكرم» يعتقل ويعذب في بغداد بسبب كتابته سيناريو يكشف فيه محنة ناصر جواد الذي عاش كابوس طيار أميركي علق في أحد أشجار مزرعته.
ثمة سرد شاعري، أو شعر سردي ينتاب الرواية وفق تخيل جميل بشأن ذوي السيقان المبتورة، في العراق، وأظن أن الراوي أعاد إنتاج قصة قصيرة له عنوانها «العكاز الأخير»، ليوظفها عنصراً في هذه الرواية، يقول فيها:
«جندي يفقد ساقه في الحرب، ثم يفتح مقهى، بعد تسريحه من الجيش، فتنشأ علاقات كبيرة بينه وبين أمثاله من معوقي حروبنا. لا يقصد المقهى سوى فاقدي أطراف فتكت بها الألغام أو شظايا القنابل التي كانت تبتر تلك الأطراف بلا رحمة. كان يعتمد على زوجات أصدقائه الموتى في استعارة أطرافهم التي تركوها، وذهبوا إلى قبورهم دونها، وتنشأ علاقة بينه وبين زوجة أحد أصدقائه الموتى بعد أن طلب منها أن تعطيه الطرف الصناعي العائد لزوجها، يقول لها (إنه لم يعد بحاجة إليه)، حينما يعود إلى بيته في آخر الليل، يبقى يفكر في المرأة التي طلبت أن يمهلها أياماً لكي تعطيه الطرف، وحينما تأذن له بأن يأخذه، يجربه في آخر الليل بعد أن يغلق المقهى، لم ينتبه في أول الأمر إلا حينما رأى نفسه يسير بإرادة وهيمنة الطرف الصناعي، يقوده دون تدخل منه إلى بيت الأرملة حيث يجد الباب موارباً والمرأة تنتظره في حديقة الدار...».
يكتب محمد علوان سردياته بإخلاص لاحتمالات متوقعة وغير متوقعة، فهو يطرح في نصه ما يمكن أن يحدث ونقيضه. إنه كاتب يتيح لقارئه سؤال السرد على أنه شريك يقظ ومتفاعل ومنتج.
تنهض الرواية بروافع الخيال الضرورية لاستنقاذ الواقع من نمطيته، لكي تكتسب مشروعيتها الإبداعية، رغم ما يزخر به الواقع العراقي من أساطير يومية بفعل المعاش ومفارقات الحب والحرب التي تغص بها المدن والمقاهي والشوارع وأركان البيوت الخائفة.
ثيمة الرواية «الحب والحرب» بؤرة توتر مزمنة في حياة جيل عراقي مهدد بالحرب والقمع لعقود من التاريخ الحديث، وهو جيل «أبطال» لم ينتصروا إلا بقوة الوازع الذاتي للبقاء على قيد الحياة.


مقالات ذات صلة

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

كتب بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

تفترض بالطبع عندما تقدم على شراء نسخة من مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون الصادرة حديثاً فيما يقرب من 800 صفحة

ندى حطيط
كتب «أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

عن دار «الكرمة» بالقاهرة، صدرت رواية «أبريل الساحر» للكاتبة البريطانية إليزابيث فون أرنيم، التي وُصفت من جانب كبريات الصحف العالمية بأنها نص مخادع وذكي وكوميدي

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
كتب توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم

أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

أراقب باهتمام كبير عالمنا المتغير هذا. لعلك أنت أيضاً تفعل ذلك. تتمعن فيه وهو يعيد تشكيل ذاته مثل وحش أسطوري، في زمن إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ

د. ربيعة جلطي (الجزائر)
ثقافة وفنون قراءات في قصص وروايات لكتاب عرب

قراءات في قصص وروايات لكتاب عرب

عن دار «طيوف» بالقاهرة صدر كتاب «مرايا الفضاء السردي» للناقدة المصرية دكتورة ناهد الطحان، ويتضمن دراسات ومقالات نقدية تبحث في تجليات السرد العربي المعاصر

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الكاتب السعودي فيصل عباس مع السفير البريطاني نيل كرومبتون خلال الأمسية الثقافية

أمسية ثقافية بمنزل السفير البريطاني في الرياض للاحتفال بإطلاق كتاب «حكايا عربي أنغلوفوني»

أقام السفير البريطاني في الرياض أمسية ثقافية في منزله بالحي الدبلوماسي للاحتفال بإطلاق كتاب «حكايا عربي أنغلوفوني» للكاتب السعودي ورئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

كمال داود
كمال داود
TT

كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

كمال داود
كمال داود

تتويج كمال داود بجائزة «الغونكور»، وهي أبرز تكريم أدبي فرانكفوني على الإطلاق، لم يكن مفاجأة، فمنذ أشهر توقّعت عدة تقارير فوز الكاتب الجزائري بالجائزة المرموقة التي كان قد اقترب منها بشكل كبير بعد صدور روايته «مرسو التحقيق المضاد»، العمل الذي وضعه في دائرة الضوء في 2014 بعد أن نال استحسان النخب المثقفة حتى وُصف أسلوبه بـ«البارع والمميز» من قِبل منابر إعلامية مرموقة مثل «النيويورك تايمز».

في روايته الجديدة يُطلّ علينا الكاتب الجزائري بأسلوب أدبي مختلف بعيداً عن السرد الخيالي والأحاديث العفوية التي لمسناها في «مرسو»، فنصّ «الحوريات» مستوحى من الواقع وهو واقع مرّ كئيب، حيث اختار كمال داود تقليب المواجع والنبش في تاريخ الذكريات الدامية التي عاشها وطنه في حقبة التسعينات إبان ما سُمي بـ«العشرية السوداء»، فجاءت اللوحة سوداوية وكأن الجزائر أغنية حزينة وألم مزمن يسكن أعماق الكاتب.

كمال داود

الرواية تبدأ بمونولوج مطوّل لـ«فجر»، وهي فتاة في عقدها العشرين بقيت حبيسة ماضيها وحبالها الصوتية التي فقدتها بعد تعرضها لمحاولة ذبح. المونولوج يمر عبر مناجاة داخلية للجنين الذي تحمله، تخبره فيه عن معاناتها وذكرياتها وعن كفاحها من أجل التحرّر من سلطة الرجال. في الفقرة الثانية تقرر «فجر» العودة إلى مسقط رأسها بحثاً عن أشباحها وعن مبرر تنهي به حياة طفلتها حتى لا تولد في مجتمع ظالم، لتلتقي بعيسى بائع الكتب المتجوّل الذي يحمل جسده آثار الإرهاب وهوساً جنونياً بتوثيق مجازر العشرية السوداء بتواريخها وأماكن وقوعها وعدد ضحاياها. في رحلة العودة تغوص الرواية في جحيم الحرب الأهلية وذكريات الجرائم المروّعة، واضعة تحت أنظارنا مشاهد قاسية صعبة الاحتمال، كالمقطع الذي تستحضر فيه «فجر» ليلة الذبح الذي تعرضت له عائلتها، أو الفقرات التي تروي فيها شخصية «حمراء» ليلة اختطافها لتزوج قسراً وهي لا تزال طفلة. وهي نصوص لها وقعها النفسي إذا ما علمنا بأن الكاتب استوحى كتاباته من الأحداث الواقعية التي عاشها أثناء تغطيته مجازر تلك الحقبة الدامية في تاريخ الجزائر، بينما كان يعمل صحافياً في يومية «لوكوتديان دو أورون» أو أسبوعية وهران.

وأشاد كثير من الأوساط بالقيمة الأدبية للرواية. صحيفة لوموند وصفتها بـ«القوة المذهلة» و«الشاعرية الغامضة». وأشادت صحيفة «لوفيغارو» بالسرد القوي المشحون بالصور الشعرية الصادمة والعواطف الجيّاشة التي تعبّر عن حجم المعاناة. صحيفة «ليبيراسيون» كتبت أنها رواية «أساسية، ومفيدة وشجاعة، وإذا وضعنا جانباً كونها مثقلة بالرموز فإن طاقتها المذهلة تُغلف القراءة». وبالنسبة لصحيفة «سود ويست»، تصرّح بأن «الحوريات» «كتاب رائع وجميل وطموح وإنساني وسياسي للغاية» قبل أن تضيف أن «نفوذ (غاليمار) - دار النشر التي ينتمي إليها كمال داود - ودورها في وصول الرواية إلى التتويج ليس بالهيّن. على أن النقد لم يكن دائماً إيجابياً؛ حيث جاءت وجهات النظر متباينةً بخصوص القيمة الأدبية لرواية كمال داود، ففي قراءات نقدية سابقة لم تلقَ الدرجة نفسها من الاستحسان، فمنهم من عاب على الرواية اللجوء المفرط للرموز بدءاً بالأسماء: «حورية»، «فجر»، «شهرزاد»؛ إلى رمزية الأماكن كالقرية التي شهدت ذبح عائلتها والتي وصلت إليها «فجر» صبيحة عيد الأضحى بينما كان الأهالي يذبحون الأضاحي، حتى كتب أحد النقّاد أن ثقل الرموز سحق القصّة، كما أن تشبث الكاتب بسرد الأحداث الواقعية بتواريخها وأماكنها وعدد ضحاياها جعل القارئ يفقد الصلة بالأسلوب الروائي.

الكاتب استوحى روايته من الأحداث الواقعية التي عاشها أثناء تغطيته الصحافية لمجازر تلك الحقبة الدامية في تاريخ الجزائر

الصحافية والناقدة الأدبية نيلي كابريان من مجلة «لي زان كوريبتبل» وإن كانت قد رحّبت بوجود هذه الرواية وأهميتها، واجهت، كما تقول، مشكلة في «طريقة كتابتها غير المثيرة للاهتمام»: «لقد شعرت بالملل قليلاً بعد فترة من القراءة بسبب الكتابة التي طغى عليها الأسلوب الأكاديمي الفضفاض، فالروايات التي تبدأ بعنوان لا تنجح دائماً، وهو كتاب يهتم فعلاً بمعاناة النساء اللائي ليس لهن صوت، لكن من منظور أدبي، يبقى الأسلوب أكاديمياً منمّقاً، وهو ما جعلني لا أتحمس للاستمرار في القراءة». وبالنسبة للوران شالومو الكاتب والناقد الأدبي المستقل فإن رواية «الحوريات» نصّ شجاع ومُحرج في الوقت نفسه، شجاع لأنه يتعرض لموضوع سياسي حسّاس قد يعرّض صاحبه لمضايقات كبيرة، ولكن وبالرغم من نواياه الحسنة، فإن الكتاب يفتقر للدقة. ويضيف الكاتب: «لم أتعرف على كمال داود في هذا العمل، هو يدّعي أنه شخص آخر وهو ما أصابني بالحساسية، حتى نكاد نراه وهو يحاول تمرير قباقيبه الكبيرة لتبدو كنعال حمراء اللون. الكاتب ركّز في نقده على «السرد المظلم بشكل متصنّع وإرادي لإنتاج إحساس بالعمق، إضافة للجُمل الملتوية المُثقلة بلا داعٍ».

وفي موضوع نقدي آخر مخصّص لرواية «الحوريات» أشاد أرنو فيفيانت الإعلامي والناقد الأدبي بصحيفة «ليبيراسيون» بها واصفاً الرواية بأنها «كتاب (عظيم جداً). على الرغم من طوله (400 صفحة) وكثرة الرموز، فإن الأسلوب الاستعاري يجعل القراءة مذهلة، وهو وإن اقترب من (الغونكور) عام 2014 حين تصور كتابة أخرى لرواية ألبير كامو (الغريب)، فهو، وبعد عشر سنوات، يعود بهذه الرواية الجديدة محاولاً هذه المرة إعادة كتابة (الطاعون) الرواية الأخرى لكامو. ليس فقط لأن الأحداث تدور في مدينة وهران في كلتا الروايتين، ولكن أيضاً بسبب التغيير الذي حدث في أسلوب الكتابة والذي كان قد ميّز رواية (الطاعون) أيضاً».

إليزابيث فيليب الكاتبة الصحافية من مجلة «نوفيل أبسورفاتور» وصفت الرواية بالأساسية والشجاعة لأنها «تتعرض للظلم الذي تواجهه بعض النساء في المجتمعات المحافظة، وهي أساسية من حيث إنها تعطي صوتاً لمن حرم منه». لكنها تصف الرواية في الوقت نفسه بـ«المملّة». وهي تقول بأن تحفُّظها لا يخصّ الأسلوب المنمّق الذي تميزت به الرواية، بل البناء السردي، فـ«الكاتب يدرج القصص الواحدة تلو الأخرى في نوع من التشويش الزمني، محاولاً تبرير ذلك بالسرد الشعري، لكن النتيجة لا تسهّل عملية القراءة التي تصبح أشبه بالتمرين الشاق».