موجة حر تعمّ السعودية... والحرارة تتجاوز 50 درجة

خبير يعتبر الارتفاع {طبيعياً}... وموسم «جمرة القيظ» يحل بعد 50 يوماً

توقعات بارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات خمسينية ترافقها العواصف الرملية
توقعات بارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات خمسينية ترافقها العواصف الرملية
TT

موجة حر تعمّ السعودية... والحرارة تتجاوز 50 درجة

توقعات بارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات خمسينية ترافقها العواصف الرملية
توقعات بارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات خمسينية ترافقها العواصف الرملية

سيطرت موجة حر على معظم مناطق السعودية، وبلغت أقصاها في المنطقة الشرقية التي من المتوقع أن تتجاوز الحرارة فيها 50 درجة مئوية بحسب عايض البلوي مدير إدارة التحاليل والتوقعات بالهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، الذي رجّح ألا تتجاوز هذه الموجة ثلاثة أيام.
وأوضح البلوي لـ«الشرق الأوسط» أن أكثر المناطق السعودية سخونة هي المنطقة الشرقية، يليها المناطق الوسطى (الرياض والقصيم) ثم المناطق الساحلية الغربية وأخيرا المرتفعات، مشيراً إلى أن كل عام يشهد موجة حر شبيهة بهذه إيذاناً بدخول فصل الصيف.
ووصف ما تناولته وسائل إعلام من شدة حرارة هذه الموجة وكونها لم تحصل منذ أكثر من 100 عام على مستوى السعودية ودول الخليج بـ«التهويل والمبالغة». وتابع: «لا توجد سجلات تؤكد إن كانت هذه المعلومة صحيحة أم لا، لكن الوضع إلى الآن طبيعي جداً بما أننا في الصيف».
وعن توقعاته لصيف هذا العام قال البلوي: «ينتظرنا صيف ساخن، وقد تزيد درجة حرارته عن العام السابق بدرجة طفيفة (من درجة إلى درجتين)، وربما لن يشعر الناس بهذه الزيادة». ووافقه في الرأي خالد الزعاق عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، الذي أكد أن الحر متوقع خلال هذه الأيام لأن هذا الوقت هو بداية الصيف الفعلي الذي يبدأ مع موسم مربعانية القيظ التي تستمر 40 يوماً. وأضاف الزعاق لـ«الشرق الأوسط» أن شدة حرارة الصيف لا تأتي إلا بعد نهاية هذه الأربعين، فتصل درجات الحرارة إلى أعلى معدلاتها، أما ما يشاع من أنها موجة حر غير مسبوقة، فهي من التهاويل التي عرفناها ومن المبالغات التي لا تتكئ على أسس علمية.
وقال: «درجات الحرارة خلال هذه الأيام طبيعية ولا تزال في المستوى الطبيعي، ولن تصل إلى أعلى معدلاتها إلا في موسم (جمرة القيظ) الذي سيأتي بعد 50 يوماً، أي في شهر ذو القعدة (أواخر يوليو (تموز) والذي سيكون أشد الأشهر سخونة لهذا العام». وكانت الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة أصدرت مؤخراً التقرير المناخي لفصل الصيف للعام الحالي 2018، ذكرت فيه أن الصيف يبدأ بناء على تقويم الأرصاد الجوية من 1 يونيو (حزيران) وينتهي في 31 أغسطس (آب) . بينما يبدأ هذا الصيف فلكياً في 21 يونيو وينتهي في 23 سبتمبر (أيلول) . ويتصف فصل الصيف بعوامل طقس متعددة مثل توقع معدلات درجات الحرارة أعلى من معدلها الفصلي على معظم مناطق المملكة وتزداد تلك الاحتمالية بنسبة عالية على شمال المملكة، وكذلك على شرق ووسط المملكة وأجزاء من الربع الخالي، خصوصاً خلال شهري يوليو وأغسطس، وقد تصل درجة الحرارة العظمى إلى الخمسينات، مع ارتفاع في معدل سرعة الرياح السطحية من شمال إلى وسط المملكة، وارتفاع عدد حالات العواصف الرملية ووجود العواصف الرعدية الممطرة.
وبحسب التقرير، تسجل المنطقة الشرقية بشكل عام أعلى حرارة في البلاد، خصوصاً محافظة الأحساء بمعدل حرارة عظمى 45.9 درجة مئوية وصغرى 29.6 درجة مئوية.
وتأخذ معدلات الحرارة العظمى بالانخفاض تدريجيا كلما اتجهنا من شرق المملكة إلى غربها، وكذلك نحو المنطقة الشمالية وعلى الساحل الغربي بشكل متفاوت، بينما تسجل المرتفعات الجنوبية الغربية أقل معدلات درجات حرارة عظمى في السعودية.
وتوقع التقرير أن يتركز هطول الأمطار على الأجزاء الجنوبية الغربية والغربية، مرجحاً أن تكون أعلى من معدلها، مُنبهاً من وجود بعض حالات التطرف المناخي التي قد تهطل منها أمطار غزيرة، علماً أن هذه الحالات يمكن التنبؤ بها من خلال التوقعات قصيرة المدى.
وتضمن التقرير أيضا الملامح التاريخية لدرجات الحرارة السطحية لفصل الصيف منذ عام 1985م وحتى 2016م، ويتضح من خلال تحليل البيانات المناخية التاريخية لتلك الفترة أن شهري يوليو وأغسطس هما الأكثر ارتفاعا في معدلات درجات الحرارة، خاصة العظمى خلال أشهر فصل الصيف، كما أن معدلات درجات الحرارة على المناطق الساحلية الشرقية تكون أعلى من تلك المناطق على الساحل الغربي، مبيناً أن فصل الصيف يكون جافاً بوجه عام يشمل كل مناطق المملكة تقريباً ويستثنى من ذلك المناطق الجنوبية الغربية خاصة المرتفعات، إذ يلاحظ وجود نسب هطول مرتفعة التي تنتج بشكل أساسي عن تقدم شريط التقارب المداري البيني شمالاً إلى تلك المناطق، أو عن تأثير دورات رياح محلية هناك.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)