وجه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، رسالة إلى رئيس الوزراء الأردني، د. هاني الملقي، بعد قبول استقالته، عبر فيها عن اعتزازه وتقديره لجهود رئيس الحكومة السابقة في خدمة الأردن، وما أبداه من حرص على أداء الواجب، وتحمل المسؤولية بكل أمانة وإخلاص وشجاعة في اتخاذ القرارات الصعبة، التي لا تحظى بالشعبية أو الرضى، ولكنها تصب في مصلحة الوطن العليا في هذه الظروف الصعبة.
وقال الملك في رسالته: «إن التحديات التي تحيط بالأردن غير مسبوقة بتشعبها وتنوعها وامتدادها، منها ما هو إقليمي على حدودنا المباشرة، ومنها ما هو أبعد، وفي العالم الأرحب».
وأكد العاهل الأردني على أن الأردن لم يكن بمنأى عن هذه التحديات، و«قد واجهناها بعزيمة وإصرار وثبات، في النواحي السياسية والأمنية والاجتماعية، وحتى في بعض النواحي الاقتصادية، حتى غدونا مثالاً للاستقرار والمصداقية والاعتدال. وحافظنا على علاقات عربية وإسلامية ودولية قوية ومتوازنة، دون خضوع لتجاذبات أو أحلاف غير مقبولة».
وقال العاهل الأردني: «إن استمرارية الأحداث على مدى سنين طويلة، أثرت بشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية وبالتحديد المالية منها، نتيجة الضغط المتزايد على الخزينة والقطاع التجاري والاستثمار، وأثرت على معدلات النمو. ولما كانت تبعات الإنفاق المتزايد على الدولة الأردنية، وفي جزئها الأكبر نيابة عن المجتمع الدولي، فقد عانينا، كخزينة ومواطنين، من الفجوات التمويلية وارتفاعات في أسعار الكثير من السلع والحاجات الضرورية، مما أثر بشكل مباشر على مستوى حياة المواطن ولقمة عيشه».
وأشار إلى تزامن هذه التطورات مع انخفاض حاد في مستويات المساعدات «التي كانت تعين وطننا في إرساء قواعد الأمن في المنطقة، وخدمة أشقائه اللاجئين إلى هذا البلد الحر الأبي».
وقال الملك مخاطبا الملقي: «لقد بذلتم قصارى جهدكم، أنت وفريقك الوزاري، في مواجهة التراكمات والعجوزات المالية الجمة، من خلال الاستمرار بالإصلاح الشامل والمثابرة والبحث عن البدائل المتاحة، ولا تزال الأوضاع في غاية الدقة وبحاجة إلى وعي وانتباه الجميع».
وأكد على استمرارية هذه الحكومة في تصريف الأعمال حتى تشكيل الحكومة الجديدة، ومعبرا عن اعتزازه وتقديره لما بذلت من جهود وما قدمت من خدمات ستبقى موضع ثقة وتقدير.
وكان الدكتور الملقي رفع إلى الملك عبد الله الثاني رسالة استقالة حكومته، قال فيها أن حكومته جاءت في ظل تحديات محلية وإقليمية معقدة وظروف بالغة الدقة والحساسية. وإنها عملت بكل عزيمة وإخلاص: «مترجمة رؤاكم الملكية السامية، بوضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، مؤمنين بأن الأردن وشعبه يستحقون كل جهد مخلص»، مشيرا إلى أن الحكومة استطاعت، في هذه المرحلة الصعبة، أن تحقق مؤشرات إصلاحية ملموسة في مختلف القطاعات والمجالات. فقد أنجزت خلال العامين الماضيين استحقاقات ديمقراطية إصلاحية، شهد لها القاصي والداني بالنزاهة والشفافية، تمثلت بالانتخابات النيابية لمجلس النواب الثامن عشر، وانتخابات المجالس البلدية واللامركزية، كجزء مهم ورئيس من مسيرة الإصلاح السياسي التي تقودونها، جلالتكم، بكل عزيمة وثبات.
كما أطلقت الحكومة خطوات جادة ومهمة، في مسيرة الإصلاح الإداري، وتطوير القطاع العام، ومحاربة الفساد بمختلف أشكاله؛ وهي خطوات أساسية، يمكن البناء عليها من أجل النهوض بالقطاع العام، ومواصلة تطويره وتحسينه، ليكون قادرا على أداء أفضل الخدمات للمواطنين، وليواكب مبادئ الإدارة الحديثة، اللازمة لتعظيم العطاء ومواصلة الإنجاز.
وقال بأن الحكومة سخرت جميع إمكاناتها المتاحة، من أجل تحسين واقع الخدمات المقدمة للمواطنين، وتطوير البنى التحتية والخدمية في قطاعات الصحة والتعليم والنقل والمياه وغيرها من القطاعات الحيوية، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات جادة في مجال تعزيز الحماية الاجتماعية ورعاية مختلف الفئات.
وأكد الملقي أن الإصلاح الاقتصادي شكل التحدي الأبرز في هذه المرحلة، فقد أخذت الحكومة على عاتقها الاستمرار في برامج التصحيح المالي والاقتصادي، وتحقيق أهدافه المنشودة، حيث نجحت في إنجاز جلّ متطلبات البرنامج، والتي لقيت إشادة دولية واسعة، وفق مؤشرات جيدة تخدم مستقبل الاقتصاد الوطني، وتعزز من قدرة الأردن على جلب الاستثمار والحصول على المنح والمساعدات الضرورية التي يحتاجها، حيث عانت المملكة من حصار اقتصادي بسبب الظروف الإقليمية الضاغطة والمستمرة.
وقال الملقي بأن مشروع قانون ضريبة الدخل، يشكل آخر الإجراءات الضرورية التي كانت ستقوم بها الحكومة ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي. وقد حرصت الحكومة على الخروج بصيغة من شأنها أن تحقق العدالة الضريبية، من خلال تعزيز التصاعدية الضريبية، بالإضافة إلى محاربة التهرب الضريبي، الذي هو مطلب وطني حاضر. وقد راعت الحكومة ضمن مشروع القانون الطبقتين الوسطى ومحدودة الدخل، بحيث لا تترتب عليهما أعباء ضريبية.
لكن، ورغم كل ذلك، لم يلق مشروع قانون ضريبة الدخل توافقا أو تأييدا عاما، رغم الجهود المضنية التي بذلتها الحكومة للتعريف بأهميتها. وقد أكدت الحكومة احترامها المطلق لكل الآراء المطروحة حوله، وتقديرها لجميع المطالب التي ينادي بها المواطنون، عبر مختلف الأدوات، بما في ذلك الوقفات الاحتجاجية التي جرت خلال الأيام الماضية.
وختم الملقي رسالته بالقول: في ظل النقاش الوطني العام، واحتراما لكل الآراء والمواقف الشعبية، التي يعبر عنها أبناء الوطن بكل مسؤولية وحضارية، وحرصا مني، ومن أعضاء الفريق الوزاري، على المصلحة الوطنية العليا، فإنني أستأذنكم، بإعفائي من المهام الموكلة إلي كرئيس للوزراء، تاركا الموقع لمن سيتشرف بحمل أمانة المسؤولية، ويحظى بخدمة وطنه ومليكه، لتتواصل مسيرة البناء والإصلاح والإنجاز.