رياض حجاب.. الطامح للسلطة نظاما ومعارضة

لم ينفك رئيس الوزراء السابق رياض حجاب، منذ انشقاقه، يحسن صورته الجديدة بوصفه معارضا طامحا إلى تولي مناصب قيادية موازية لتلك التي شغلها داخل مؤسسات النظام السوري.
ورغم مبادرات «حسن نية» عدة وإقامته مراسم دفن ابن شقيقته، قائد أحد الألوية العسكرية في دير الزور، في مدينة إسطنبول التركية بحضور قياديين في الائتلاف السوري المعارض، فإن ذلك لم يشفع له في تبديل صورته في أذهان عدد ليس بقليل من المعارضين السوريين. هؤلاء لم يتقبلوا بعد انتقاله إلى صفوف المعارضة وارتفاع أسهمه في الوقت الراهن لتولي رئاسة الائتلاف المعارض بالتوافق، خلفا لرئيسه الحالي أحمد الجربا الذي ستنتهي ولايته خلال أيام.

«لا يمكن الفصل بين نتائج انشقاق رياض حجاب وسيرته قبل انشقاقه عن النظام»، وفق ما يؤكده رئيس كتلة الديمقراطيين في الائتلاف المعارض فايز سارة لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن «الوقائع تدل على أن حجاب كان ابنا عميقا للنظام، وبالتالي فمن الطبيعي ألا يصبح ابنا عميقا للثورة، من دون إنقاص أهمية انشقاق الرجل عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد في مرحلة من مراحل الثورة، وهي خطوة لها أهميتها رغم ضعف النتائج التي ترتبت عليها».
وإذا كانت مسيرة رياض حجاب داخل النظام شديدة الوضوح في انتقاله عبر حلقاتها من الأبسط إلى الأشد تعقيدا وفاعلية داخل النظام، فإن مسيرته في «صفوف الثورة كانت مصحوبة بالالتباس»، بحسب ما يوضح سارة، لافتا إلى أن حجاب «أخذ مسافة من قوى المعارضة الناشطة في الخارج، فآثر تجنب الانخراط في تشكيلاتها القائمة عند انشقاقه، ولا سيما المجلس الوطني السوري أو أي مكونات فيه، ولا حتى في التشكيلات القائمة خارجه على كثرتها وتوزعها السياسي والمدني، لكن ذلك لم يمنعه من المشاركة الحذرة في لقاءات وحوارات مع قيادات مختلفة ومع مبعوثين لدول عربية وأجنبية، عقدت في عمان والدوحة في صيف وخريف عام 2012، كما رفض حجاب المشاركة العملية في تكوين الجسد المعارض الجديد، ممثلا بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الذي تم الإعلان عنه في الدوحة أواخر عام 2012».
وكان حجاب شغل منصب وزير الزراعة بعد تدرجه في إدارة شؤون محافظتي القنيطرة واللاذقية في الفترة ما بين عامي 2008 و2011 في حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل سفر، التي شكلت بعد شهرين من انطلاق الحراك الشعبي المعارض. وبحسب سارة فإن هذه «الحكومة أخذت على عاتقها مهمة التصدي لحركة الاحتجاج والتظاهر، وقابلت السوريين بالرصاص قتلا وجرحا، وبالملاحقة والاعتقال على أوسع نطاق، من دون أن يؤدي ذلك مع سياسات أخرى إلى وقف الثورة والمظاهرات»، مضيفا: «لقد توسع نهج هذه الحكومة وتعددت أساليبها في ممارسة القتل والملاحقة والاعتقال وتدمير الممتلكات، وهذا بين الأسباب التي عجلت بانشقاق حجاب بعد شهرين من تشكيله حكومته».
ورغم أن النظام السوري حاول امتصاص حدث انشقاق حجاب في السادس من أغسطس (آب) 2012 معلنا عبر وسائل إعلامه أنه «أقيل من منصبه»، فإن ذلك الانشقاق شكل صفعة قاسية للنظام السوري، لا سيما أن ناطقا باسم حجاب أعلن الأسباب التي دفعت رئيس الوزراء السابق إلى الإقدام على خطوته متهما النظام بارتكاب «أقصى جرائم الإبادة والقتل البربري ضد شعب أعزل، يطالب بالعيش الكريم الحر»، مشيرا إلى «انشقاقه عن نظام القتل والإرهاب وانضمامه إلى صفوف ثورة الحرية والكرامة».
وكان فصيل من الجيش السوري الحر قد خطط ونفذ عملية نقل حجاب من سوريا إلى الأردن عبر الحدود البرية بين البلدين.
بعد انشقاقه، تفرغ حجاب لتأسيس كيان إداري تنظيمي سوري معارض باسم «التجمع الحر للعاملين في الدولة»، بهدف «جمع وحشد الكوادر السورية التي شردها نظام الأسد في إطار حربه على الشعب السوري». ويرى الكثير من المعارضين أن حجاب أراد عبر تأسيس هذا التشكيل السياسي خلق غطاء مؤسساتي معارض للوصول إلى رئاسة الائتلاف المعارض. في حين تؤكد مصادر معارضة قريبة من حجاب أنه «لم يكتف بممارسة العمل السياسي داخل المعارضة، بل قام بدعم لواء (الفاتحون من أرض الشام) في مدينة دير الزور موكلا مهمة قيادة اللواء إلى ابن أخته محمد عبد الفتاح الشاطي الذي قتل خلال اقتحام الجيش النظامي لحي الرشيدية أواخر العام الماضي».
الأسوأ في مسار حجاب، بحسب ما يؤكد سارة لـ«الشرق الأوسط»، هو «طريقة تعامله مع المعارضة السورية»، ويوضح: «في اليوم الذي انضم فيه للائتلاف، تقدم بترشحه لرئاسته، ورغم وعوده العلنية في كلمة ألقاها أمام الهيئة العامة بالترحيب بالنتائج التي سيظهرها الاقتراع، واستعداده للعمل في كل الأحوال على إنجاح الائتلاف، والمشاركة الجدية والمسؤولة في أنشطته، فإنه انسحب من الائتلاف عند إعلان نتيجة خسارته في الانتخابات». وانطلاقا من هذا المسار، يلاحظ سارة أن «حجاب لم يقدم جهدا ولم يسهم بدور إيجابي في نضال المعارضة السورية من أجل تحقيق أهداف الثورة من أجل الحرية والعدالة والمساواة، التي يطمح إليها السوريون، بخلاف دوره النشط والفاعل عندما كان في صفوف النظام وفي مركز القرار فيه».
في المقابل، يرفض عضو الهيئة السياسية في الائتلاف المعارض أحمد رمضان في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» الربط بين الحقبة التي أمضاها حجاب داخل النظام وتلك التي نشط خلالها في صفوف المعارضة، موضحا أن «استراتيجية الائتلاف كانت منذ بداية الثورة تقضي بتشجيع المسؤولين داخل النظام للانشقاق عنه، ودعوتهم للعب دور في المعارضة»، متسائلا: «كيف يمكن أن نوفق بين هذه الاستراتيجية وبين اتهام المنشقين بأنهم كانوا مع النظام؟». ويصف خطوة انشقاق حجاب بـ«الموقف الكبير؛ إذ عرّض حياة عائلته للخطر».
ويشدد رمضان على أن «المرحلة الحالية تحتاج في رئاسة الائتلاف المعارض إلى شخصية سياسية ذات خبرة في المجال السياسي وتقدير على المستوى الوطني تعمل ضمن برنامج سياسي مع عموم أقطاب المعارضة السورية»، لافتا إلى أن «حجاب يتمتع بهذه الصفات بوصفه رجل دولة وشخصية تحظى بالاحترام على مستوى التعامل السياسي». كما أشاد رمضان بـ«الكفاءة التي يتمتع بها حجاب على الصعيدين السياسي والإداري كونه تدرج في أكثر من منصب حكومي».
وبخلاف رمضان، لا يرى الكاتب والمحلل السوري المعارض عبد الناصر العايد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أي «قدرات استثنائية لدى حجاب تخوله قيادة الائتلاف المعارض في هذه المرحلة الحساسة». ويوضح أن «تسلمه عددا من المناصب الحكومية داخل النظام ليس دليلا على كفاءته؛ لأن المناصب داخل النظام السوري غالبا ما توكل على أساس الولاء وليس على أساس الكفاءة»، لافتا الانتباه إلى «علاقة متينة ربطت حجاب بالأجهزة الأمنية السورية وجعلته يتنقل بين عدد من المناصب بشكل تصاعدي».
وفي حين يضع العايد «خطوة انشقاق حجاب في السياق الطبيعي لأن أي شخص يشاهد ارتكابات هذا النظام لا بد أن ينشق فورا»، يشير إلى أن «انشقاقه لا يخوله أبدا أن يترأس أكبر هيئة سياسية للمعارضة السورية». ويتساءل: «النظام اختار هذا الشخص ليكون رئيس السلطة التنفيذية عنده، وحين تأتي المعارضة لتختاره اليوم على رأس الائتلاف، فلماذا قامت الثورة إذن؟».

* من نقابي بعثي إلى رئيس حكومة
* مسيرة رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب، الذي يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة الزراعية، تبدأ عمليا من توليه منصبه الأول في الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، وهو المنظمة النقابية للطلبة التي خضعت، ولا تزال، منذ تأسيسها للحزب الحاكم ولأجهزة الأمن بصورة مباشرة. وتولى حجاب في هذه المؤسسة منصب رئيس المكتب الإداري في دير الزور في الفترة الممتدة بين 1989 و1998، قبل أن يصبح أمينا لفرع حزب البعث الحاكم في دير الزور، حيث بقي في منصبه هذا بين 2004 و2007، تزامنا مع حركة ثقافية اجتماعية وسياسية في المدينة كما في أنحاء سوريا الأخرى، والمعروفة باسم «ربيع دمشق».
وشهد مسار رياض حجاب عبر الإطارين النقابي والسياسي بين اتحاد الطلبة وحزب البعث تطورا مهما، بانتقاله إلى مسؤوليات مباشرة في السلطة التنفيذية، حيث جرى تعيينه محافظا للقنيطرة في عام 2008، ثم محافظا للاذقية. وفي هاتين المنطقتين خصوصية مهمة، حسبما يؤكد عضو الائتلاف المعارض فايز سارة لـ«الشرق الأوسط»، إذ تتجاوز السلطة والإدارة على ما يمكن أن تكون عليه في محافظات سورية أخرى، فالقنيطرة محافظة التماس مع إسرائيل ولها خصوصية أمنية، وحال اللاذقية ليس أقل أهمية من الناحية الأمنية والسياسية، وفيها كثير من مراكز القوى أبرزها آل الأسد الذين يصعب تسييرهم وضبطهم بالشكل التقليدي لآليات الضبط المعروفة في المحافظات الأخرى، ما يتطلب علاقات خاصة وأدوات مختلفة مع رأس النظام في دمشق ومع الأجهزة الأمنية، التي لا شك أنها الحاكم الفعلي في سوريا.
في أبريل (نيسان) 2011، أي بعد أسابيع على انطلاق الحراك الشعبي المناوئ للنظام، شغل حجاب، وهو متزوج ولديه أربعة أولاد، منصب وزير الزراعة في حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل سفر واستمر وزيرا حتى السادس من يونيو (حزيران)، تاريخ استقالته من الحكومة.
بعدها، كلفه الرئيس السوري بشار الأسد، في مرسوم رئاسي حمل رقم 149، بتشكيل حكومة جديدة، فكان ذلك وبقي في منصبه نحو شهرين، قبل أن يعلن في 6 أغسطس 2012 انشقاقه عن النظام، وغادر سوريا مع عائلته إلى الأردن لينضم منذ ذلك الحين إلى صفوف المعارضة السورية.
ويبدو الآن أن رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب الأكثر حظوظا في الوصول إلى رئاسة الائتلاف، في ظل تقارير إعلامية قبل أيام أفادت باجتماع ضم عددا من أعضاء الائتلاف المعارض، قرروا خلاله التوافق على التصويت لمصلحة حجاب، في اجتماع الهيئة العامة للائتلاف في الخامس من الشهر المقبل.
وتعليقا على هذه التسريبات، نفى الناطق باسم الائتلاف المعارض لؤي الصافي وجود أي اسم «مرشح رسميا» للرئاسة، واضعا ما نشرته بعض وسائل الإعلام في سياق «التكهنات والتوقعات»، مشيرا إلى أن «تحركات داخل الكتل السياسية الممثلة في الائتلاف للتفاهم على مرشح، وثمة أسماء يجري تداولها، ومن المرجح أن تُرشح نفسها أو يجري ترشيحها من قبل كتلها».