«جدة التاريخية»... غنية بالآثار والعمران

أبو الجدايل: أحلامنا تحققت بعد الأمر الملكي بإنشاء إدارة المشروع

إدارة مشروع جدة التاريخية
إدارة مشروع جدة التاريخية
TT

«جدة التاريخية»... غنية بالآثار والعمران

إدارة مشروع جدة التاريخية
إدارة مشروع جدة التاريخية

يمثل أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أمس، بالموافقة على مقترح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إنشاء إدارة باسم «إدارة مشروع جدة التاريخية»، نقلة كبرى تأتي ضمن ما توليه القيادة السعودية من اهتمام ومحافظة على جدة التاريخية بوصفها موقعاً غنياً بالآثار والتاريخ، ونموذجاً مميزاً للتراث العمراني.
ويعد ارتباط إدارة مشروع جدة التاريخية بوزارة الثقافة، امتداداً لتطوير المناطق التاريخية، مثل مشروع بوابة الدرعية والهيئة الملكية لتطوير العلا وتحسين بيئتها وتطويرها والحفاظ على قيمتها التاريخية، كما تعتبر جدة التاريخية مؤشراً للاهتمام بكل المواقع الأثرية التاريخية في السعودية، وإن الاهتمام بباقي المواقع الأثرية آتية في الطريق.
وأكد مازن السقاف، الباحث والمؤرخ التاريخي، أن ارتباط إدارة مشروع جدة التاريخية بوزارة الثقافة يمنحها ميزة إضافية ودوراً فاعلاً مرتقباً؛ كون التراث بشكل عام المادي والمعنوي يحمل أهمية كبرى في تغذية العقل ومده بالقيم ويسهم في تشكيل الوعي العام والحفاظ عليه ونقله عبر الأجيال والحرص على ضمان استمراريته.
ولفت السقاف إلى أن إنشاء إدارة مستقلة بجدة التاريخية سيعزز الاهتمام بالمنطقة ويحل الكثير من المشكلات التي كانت تواجه المستثمرين والقائمين على إثرائها، وتعتبر مؤشراً للاهتمام بكل المواقع الأثرية التاريخية في المملكة.
إلى ذلك، قال خالد أبو الجدايل، الباحث في تاريخ جدة التاريخية والمهتم بتراثها، لـ«الشرق الأوسط»: «تحقق الحلم الذي طالبنا به، فجدة التاريخية كانت تحتاج إلى خطة تنفيذية شاملة لتطويرها وهو ما لم يتحقق إلا بوجود هيئة أو إدارة مستقلة ذات صلاحيات ومسؤوليات ولديها القدرة على دراسة وتخطيط المشاريع واعتماد موازنة للتنفيذ خلال فترة زمنية محددة».
وأوضح أبو الجدايل، مؤلف كتاب «روى لي والدي وصحبه» الذي يتحدث عن مدينة جدة التاريخية، أن المهتمين بجدة التاريخية من مستثمرين ومحبي التراث العمراني والمؤرخين تقدموا بمقترح لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لإنشاء هيئة أو إدارة خاصة بالمنطقة التاريخية بجدة، تقوم بعملية تطويرها وتنظيمها والارتقاء بها إلى مصاف مناطق التراث العمراني العالمي، مؤكداً أن استجابة ولي العهد لهذه المطالب تؤكد ما توليه القيادة السعودية من اهتمام ومحافظة على جدة التاريخية لجعلها نموذجاً مميزاً للتراث العمراني.
وتطرق إلى أن الرؤية هي أن تصبح منطقة جدة التاريخية سياحية من الدرجة الأولى، مبيناً أن التراث العمراني والتاريخي في مدينة جدة يمتد إلى ثلاثة آلاف سنة، وبقي فيها 40 في المائة فقط من ماضيها.
وأكد المهندس محمد باهميم، المهتم بتراث جدة التاريخية والحياة الاجتماعية، أن المملكة العربية السعودية أبدت اهتماماً كبيراً بالمواقع الأثرية والتراثية التي تعزز العمق التاريخي والحضاري للمملكة، وجاءت منطقة جدة التاريخية من بين أهم ثلاثة مواقع وضعتها على قائمة اهتمامها، لتكون في مقدمة مواقع التراث الوطني السعودي المرشحة للتسجيل في قائمة التراث العالمي لدى منظمة اليونيسكو.
وقال باهميم: «المعالم التاريخية والأثرية تلعب دوراً أساسياً في الترويج للسياحة، ولا سيما عشاق التاريخ»، لافتاً إلى أن الآثار والثقافة تربطهما روابط وطيدة؛ كونها هي التي تحدد هوية المجتمع.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».