د. شادي حميد: عرفت مرسي ملتزما لكنه ليس استراتيجيا ولا صاحب رؤيا مستقبلية

الخبير في مركز «بروكنغز» بواشنطن يقول في حوار مع {الشرق الأوسط} إن الإسلاميين حتى في تونس سيظلون يثيرون معارضة محمومة

د. شادي حميد
د. شادي حميد
TT

د. شادي حميد: عرفت مرسي ملتزما لكنه ليس استراتيجيا ولا صاحب رؤيا مستقبلية

د. شادي حميد
د. شادي حميد

قال خبير أميركي يدرس المنظمات الإسلامية في الدول الإسلامية، وخاصة الإخوان المسلمين في مصر، بأن الولايات المتحدة يجب أن تدعو لإشراك الأحزاب الإسلامية في الأنظمة الديمقراطية، شريطة أن تؤمن هذه الأحزاب بنبذ العنف، وبالعملية الديمقراطية. وقال: إن الولايات المتحدة يجب أن لا تميل نحو أي جانب في «الحرب الباردة» وأحيانا «الساخنة»، في الشرق الأوسط، بين الإسلاميين وغير الإسلاميين.
وذكر الدكتور شادي حميد، الزميل في قسم العلاقات الأميركية بالعالم الإسلامي في مركز «بروكنغز» بواشنطن، أنه يؤمن إيمانا قويا بأن فهم الحركات الإسلامية فهما حقيقيا يستوجب شيئا بسيطا، وهو الحديث معهم. لمعرفتهم، ومحاولة فهم مخاوفهم، ومحاولة فهم تطلعاتهم.
وأشار حميد إلى أنه قضى بعض الوقت مع محمد مرسي قبل أن يصبح رئيسا لمصر. وقال: «في ذلك الوقت، لا أنا، وربما لا هو، كنا نحلم بأنه سيصبح، ليس فقط أول رئيس في مصر ينتخب انتخابا ديمقراطيا، ولكن، أيضا، واحدا من أكثر قادة الاستقطاب في تاريخ مصر».
وزاد قائلا: «عرفت مرسي كواحد من الإخوان المسلمين الملتزمين والمنفذين. لكنه، قطعا، ليس صاحب رؤية مستقبلية، وليس مفكرا استراتيجيا.
وعرفته لا يعطي المعارضين الليبراليين حقهم. قلل من شأنهم، ونظر إليهم كمنعزلين عن طبيعة الشعب المصري. طبعا، هذا يمكن أن يكون مقبولا من زعيم حزب سياسي، لكن، ليس من رئيس دولة».
وحميد، أميركي ولد في أميركا، ونال بكالوريوس وماجستير من جامعة جورج تاون (واشنطن)، ودكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أكسفورد. وعمل في قسم الدبلوماسية الشعبية في الخارجية الأميركية. ومساعدا للسيناتور ديان فاينشتاين (ديمقراطية من ولاية كاليفورنيا)، ومدير الأبحاث في قسم ديمقراطية الشرق الأوسط (بوميد) في جامعة ستانفورد (ولاية كاليفورنيا). ومدير أبحاث في مركز «بروكنغز» فرع الدوحة، وانتقل أخيرا إلى رئاسة «بروكنغز» في واشنطن.
وصدر لحميد أخيرا كتاب «تمبتيشانز أوف باور» (إغراءات السلطة: الإسلاميون والديمقراطية غير الليبرالية في الشرق الأوسط الجديد).
وفيما يلي نص الحوار:

* ما هي انطباعاتك عن القادة الإسلاميين الذين قابلتهم؟
- أنا أومن إيمانا قويا بأن فهم الحركات الإسلامية فهما حقيقيا يستوجب شيئا بسيطا، وهو الحديث معهم. يستوجب معرفتهم، ومحاولة فهم مخاوفهم، ومحاولة فهم تطلعاتهم.
قضيت بعض الوقت مع محمد مرسي قبل أن يصبح رئيسا لمصر. في ذلك الوقت، لا أنا، وربما لا هو، كنا نحلم بأنه سيصبح، ليس فقط أول رئيس في مصر ينتخب انتخابا ديمقراطيا، ولكن، أيضا، واحدا من أكثر قادة الاستقطاب في تاريخ مصر.
عرفت مرسي كواحد من الإخوان المسلمين الملتزمين والمنفذين. لكنه، قطعا، ليس صاحب رؤية مستقبلية، وليس مفكرا استراتيجيا.
وعرفته لا يعطي المعارضين الليبراليين حقهم. قلل من شأنهم، ونظر إليهم كمنعزلين عن طبيعة الشعب المصري.
طبعا، هذا يمكن أن يكون مقبولا من زعيم حزب سياسي، لكن، ليس من رئيس دولة.
في الجانب الآخر، كان مرسي زعيم الإخوان المسلمين الوحيد الذي يقدر على تقديم انطباعات مرتجلة عن الرؤساء الأميركيين السابقين.
* كيف يختلف الإسلاميون في مصر عن الإسلاميين في تونس؟
- توجد في تونس ما لا توجد في دولة أخرى في المنطقة: منظمات مجتمع مدني، وإعلام، وأحزاب معارضة، قوية، وحيوية، وعلمانية من دون خجل. حتى «الأسلمة» المعتدلة، أو الرمزية، تواجه مقاومة كبيرة عند كل منعطف.
لم يكن «الأب المؤسس»، الحبيب بورقيبة، حاكما مستبدا فقط، بل كان، أيضا، متأثرا بالتقاليد الفرنسية، مثل العلمانية، وفصل الدين عن السياسة فصلا كاملا. يتناقض هذا مع التقاليد الأنجلوساكسونية التي تسمح بمجالات واسعة للتعبير عن الانتماءات الدينية، في ظل الفصل بين الكنيسة والدولة.
وفي تونس، وعلى مدى عقود، ظل التأثير الفرنسي يؤثر تأثيرا لا يمكن تجاهله، أو إلغاؤه. ويبدو أن كثيرا من أعضاء حزب النهضة (الإسلامي) يعترفون بذلك. مثلا يوجد في تونس قانون الأحوال الشخصية الذي هو واحد من أكثر القوانين تقدمية في المنطقة. ويتمتع بتأييد شعبي واسع. لهذا، هادنه قادة حزب النهضة في نهاية المطاف. ليس لأنهم يتفقون معه بالضرورة، ولكن، لأنهم مضطرون لذلك.
لهذا، يمكن القول بأنه، رغم أن حزب النهضة والإخوان المسلمين في مصر ينتميان إلى نفس المدرسة الفكرية، لكنهما تطورا بشكل مختلف تماما. ويعود ذلك إلى الخصوصيات المحلية لكل واحد منهما.
ويوجد اختلاف آخر يكمن في شخصية ودور القائد التاريخي والمؤسس راشد الغنوشي في بناء هوية حزب النهضة، وفي المحافظة على وحدته، رغم ظهور اختلافات داخلية أحيانا. لكن، بالنسبة لـ«الإخوان المسلمين» في مصر، وباستثناء حسن البنا، فإنهم يفتقرون إلى قادة شعبيين، وإلى مثقفين. توجد مؤسساتية قوية، وشاملة، ويطغى «التنظيم» على الأفراد والشخصيات. لكن، بمرور الزمن، يعرقل هذا دور هؤلاء في تطوير الجماعة.
* لماذا فشل الإسلاميون في مصر؟
- أولا، لا نقدر على القول: إن مصر شهدت «حكما إسلاميا». وذلك لأنه، خلال رئاسة مرسي التي استمرت سنة واحدة فقط، لم تكن هناك «أسلمة» حكومية. ورغم قوة الإسلاميين في الجهازين التشريعي والتنفيذي، لم يقروا قانونا «إسلاميا»، غير قانون الصكوك، قانون الأوراق المالية الإسلامية.
كان الإخوان المسلمون، كعادتهم، يحسبون ويتأنون. لكن، كانت بعض حساباتهم خطأ.
وأركز هنا على أهمية عدم الخلط بين المعارضة المتنامية لـ«الإخوان المسلمين» ومعارضة «الأسلمة». إذا نظرنا إلى أسباب حركة «تمرد» لعزل مرسي، لن نجد أي سبب له صلة بعقيدة الإخوان الدينية المحافظة. كانت معارضة حكومة مرسي على النحو الآتي:
أولا: على المستوى الجماهيري، كان هناك إحباط أساسي بسبب فشل حكومة مرسي في حل المشاكل الاقتصادية، وتحقيق الاستقرار.
ثانيا: على مستوى النخب الليبرالية، كان هناك سبب أهم من ذلك هو الانقسام العقائدي الأساسي الموجود في قلب السياسة العربية.
لا بد من الاعتراف بهذه النقطة الأخيرة. وهي أن هذه النخب الليبرالية خافت من الإخوان المسلمين. ليس فقط بسبب ما فعلوا، ولكن، أيضا، بسبب ما يمكن أن يفعلوا في المستقبل. لهذا، سيظل الإخوان المسلمون، أو حتى الإسلاميون أكثر اعتدالا مثل حركة النهضة، دائما يثيرون معارضة محمومة، بغض النظر عما يقولون أو يفعلون.
طبعا، يمكن أن تكون هذه المخاوف مجرد تكهنات، وهذا، في حد ذاته، مشكلة. لكن، أساس هذه المخاوف هو الاختلاف العقائدي بين الإسلاميين وغير الإسلاميين. وذلك لأن لكل جانب تصورا مختلفا لما يجب أن تكون عليه الدولة:
أولا: اختلافات أساسية، وربما ميتافيزيقية، عن معنى الدولة، وطبيعتها، والهدف منها.
ثانيا: اختلافات يومية في حل المشاكل التي يواجهها الشعب المصري. وهي مشاكل تراكمت خلال عقود. ولا بد أن يواجهها أي رئيس، إسلامي أو غير إسلامي.
لهذا، أقدر على أن أقول بأن أي ثورة تسبب، طبيعيا، عدم استقرار. وتزيد تطلعات الشعب، وهي تطلعات، في الواقع السياسي، لا يمكن تحقيقها.
ولهذا، حذر كثيرون الإخوان المسلمين في مصر ألا يترشحوا لرئاسة الجمهورية. لكن، لأكثر من سبب، دفعوا نحو الترشيح.
* هل صحيح أن الإسلاميين لا يؤمنون بالديمقراطية؟ وأنهم، بمجرد استخدامها للوصول إلى الحكم، سيتخلون عنها؟
- أنا أفهم أسباب هذا الخوف. لكنه خوف تصويري وتوقعي. أبدا، لم يحدث في الماضي أن إسلاميين جاءوا الحكم، كما يقال، عن طريق «شخص واحد، صوت واحد، مرة واحدة».
لكن، توجد أمثلة لأحزاب إسلامية اشتركت في النظام الديمقراطي، واحترمته. في دول عربية، وفي جنوب وجنوب شرقي آسيا.
وكما شرحت في كتابي، وجدت أن من أكثر الممارسات الديمقراطية الحزبية الداخلية هي داخل أحزاب إسلامية. وأعطي مثالا بجبهة العمل الإسلامي في الأردن. بيد أنه في الجانب الآخر، ربما يقول شخص بأن سيناريو «شخص واحد، صوت واحد، مرة واحدة» يمكن أن يحدث في المستقبل. وأنا، كمحلل سياسي، لا أقدر على نفي شيء لم يحدث بعد.
وهناك نقطة أخرى، وهي أننا يجب أن نطبق نفس الاختبار على الجانب الآخر، على الأحزاب العلمانية. وذلك حتى نقدر على تقديم أحكام مقبولة ومقنعة. ويجب، أيضا، أن يبرهنوا على صدق قولهم بأن الإسلاميين لا يؤمنون بالديمقراطية.
وأعود مرة أخرى إلى الاختلاف بين «الديمقراطية» و«الديمقراطية الليبرالية». يقول الإخوان المسلمون في مصر وحزب النهضة في تونس بأنهم ملتزمون بالديمقراطية. لكني أقول: ليس معنى هذا أنهم ليبراليون، أو يريدون أن يكونوا. على الأقل، في المستقبل القريب.
لهذا، أستطيع أن أقول بأن أغلبية الإسلاميين تريد استخدام الديمقراطية لتحقيق أهداف غير ليبرالية. بحكم أن لهم أهدافا إسلامية عقائدية.
لكن، لا يعني هذا أنهم ضد الديمقراطية.
* كتبت أنه «يمكن أن يقدر القمع على تحويل الأحزاب الإسلامية نحو الاعتدال». ماذا تقصد بذلك؟
- عندما بدأت أبحاثي في الحركات الإسلامية، افترضت، وكان ذلك إحساسا بديهيا، بأنه كلما اشترك الإسلاميون في العملية الديمقراطية، صاروا معتدلين. لكن، لم تبرهن على ذلك الأبحاث التي أجريتها خلال السنوات القليلة الماضية. أعرف أن كثيرين لن يقبلوا هذا الرأي. لكني راض به. إنها حجة وصفية عن الآثار التي يسببها القمع، تحت ظروف معينة. وليست معيارا منتظما. لا أقصد أن القمع «شيء طيب». لكن، أقصد أن القمع يمكن أن يسبب في تغيير التصرفات والخيارات.
هذه نقطة. النقطة الثانية هي أني فرقت بين «القمع الخفيف»، مثل الذي عاناه الإخوان المسلمون خلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك، وبين «القمع الأبدي» مثل قرارات ما بعد عزل الرئيس مرسي: حل تنظيم الإخوان المسلمين، واعتبارهم إرهابيين.
ليتحول الإسلاميون نحو الاعتدال، لا بد من شروط. مثلا وجود قاعدة شعبية للتنظيم، ووجود هامش للتحرك، مهما كان محدودا. وكما فصلت في كتابي، يغري عملية التحول نحو الاعتدال وجود تهديد بالقمع، وليس، بالضرورة، القمع نفسه.
* كتبت بأن الإسلاميين مقتنعون بأن «الولايات المتحدة، والدول الغربية الأخرى، لن تسمح لهم بالفوز». هل هذا صحيح؟
- صحيح أن الإسلاميين يؤمنون بذلك، وهو شيء أساسي بالنسبة لهم. والسبب الرئيس لذلك هو تجربة الإسلاميين في الجزائر. في الجزائر، كاد الإسلاميون الذين انتخبوا انتخابا ديمقراطيا أن يصلوا إلى الحكم. فإذا بهم يرون مختلف الدول الغربية تؤيد، مباشرة أو ضمنا، انقلابا عسكريا ضدهم.
أعتقد أنه، مع الربيع العربي، كانت هناك فرصة ألا يتكرر ذلك. وفعلا، وصوابا، كانت إدارة الرئيس باراك أوباما مستعدة لقبول نتائج الديمقراطية في مصر، رغم مخاوفها نحو الإخوان المسلمين.
لكن، ردود الفعل الأميركية والأوروبية بعد الإطاحة بمرسي، جعلت الإخوان المسلمين يحسون بأن ردود الفعل هذه ناقضت الترحيب الأول. ولهذا، عادوا إلى هلعهم بأن الولايات المتحدة، تظل، دائما، تريد هزيمتهم. أضف إلى هذا تصريحات مسؤولين أميركيين كبار. مثل وزير الخارجية جون كيري، الذي قال: إن العسكريين «أعادوا الديمقراطية». أو قول آخرين إن الإخوان المسلمين «سرقوا» الثورة المصرية.
* بالإضافة إلى تجارب الإسلاميين في مصر وتونس، توجد دولتان في المنطقة يحكمهما إسلاميون: إيران والسودان. وحكمت طالبان الإسلامية أفغانستان لبضع سنوات. ما هو تقييمك للإسلاميين في هذه الدول؟
- عندما جاء الإخوان المسلمون في مصر إلى الحكم، قال كثير من الناس بأن حكمهم سيكون مثل النظام الديني في إيران. لكن، المقارنة مع إيران، وأيضا، مع السودان، أو أفغانستان، غير نزيهة. وذلك للأسباب الآتية:
أولا: وصل الإسلاميون في إيران إلى الحكم عن طريق ثورة، لا عن طريق انتخابات ديمقراطية. (وفي السودان، عن طريق انقلاب عسكري. وفي أفغانستان، عن طريق حرب أهلية).
ثانيا: تصير الثورات، بطبيعتها، راديكالية. ويفسر هذا السياسة غير المعتدلة للإسلاميين في إيران، على الأقل، خلال السنوات الأولى بعد الثورة.
في مثل هذه الظروف، لم يجد الإسلاميون في مصر وتونس «نموذجا» إسلاميا يقتدون به. ولم تكن تجارب إيران، والسودان، وأفغانستان، تناسب تجربتهم. لهذا، بعد ربيع العرب في مصر وتونس، وجد الإسلاميون في هاتين الدولتين أنفسهم غير مستعدين بالمقارنة مع ما كان يجب. وجدوا أنفسهم في ظروف جديدة. وصاروا يتعلمون يوما بعد يوم، من دون رؤيا مستقبلية كافية عمن هم؟ وماذا يريدون؟ وماذا سيحققون في المدى القريب، وفي المدى المتوسط؟ ربما لهذا، كان لا بد أن يحدث لهم ما حدث لهم.



​اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا... وتكتم حوثي على الإصابات

تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
TT

​اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا... وتكتم حوثي على الإصابات

تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)

كان الصياد اليمني محمد يحصل بسهولة على رزقه اليومي، وتوفير احتياجات أسرته الغذائية، حيث يذهب إلى البحر في سواحل محافظة شبوة الواقعة إلى الشرق من مدينة عدن، لكن هذا الأمر أصبح صعباً بعد أن اضطر للجلوس بجوار طفله الذي أصيب بالكوليرا.

تعلّم محمد الصيد في سن مبكرة، وورث معرفة البحر من أسلافه، ويُكافح لتوفير احتياجات أسرته المكونة من تسعة أفراد، حيث تقع قرية حورة التي يسكنها على بُعد 50 كيلومتراً من أقرب مركز طبي، وكانت هذه الرحلة تمثل سفراً مرعباً لمعظم القرويين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف التنقل أو العلاج. ويقول الرجل إنه عندما يمرض أحد من السكان، يصبح توفير الرعاية الصحية اللازمة له عبئاً ثقيلاً.

اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا بعد تسجيل أكثر من 100 ألف إصابة (الأمم المتحدة)

وتؤكد الأمم المتحدة أن عودة انتشار الكوليرا تسبب في تسجيل عشرات الآلاف من حالات الاشتباه، منها أكثر من 30 ألف حالة منذ بداية العام، ورصدت ازدياد عدد الحالات في محافظة شبوة بشكل مُلاحظ ضمن أكثر الفئات ضعفاً ممن لديهم وصول محدود للخدمات الصحية الأساسية أو ليس لهم القدرة على الوصول إلى هذه الخدمات أصلاً.

وفي حين أن الأمطار الغزيرة والفيضانات زادت من انتشار الكوليرا، يذكر الصياد أنه شهد وفاة امرأة في الطريق إلى أقرب مركز صحي بسبب توقف الحركة بفعل الفيضانات الأخيرة، ولهذا ذكرت المنظمة الدولية للهجرة أنها استجابت لهذه الأزمة وقامت بإعادة فتح مركز «حورة» الطبي الذي صُمم لمعالجة مجموعة واسعة من المشكلات الصحية، مع التركيز بشكل رئيسي على الكوليرا.

تطوع مجتمعي

بينت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير حديث أنه وفي سبيل تمكين المجتمعات أسهمت جهودها في مكافحة الكوليرا بأكثر من مجرد تقديم الخدمات الطبية، حيث حشدت فريقها من متطوعي المجتمع المحلي لرفع الوعي بمكافحة الوباء، والالتزام بمساعدة المجتمعات في إدارة مواجهة تفشيه.

وتقول المتطوعة جميلة إنها تأثرت بشدة بمعاناة المجتمع، لذا قررت أن تصبح عاملة صحية لمساعدتهم. وذكرت أنه وطوال فترة تفشي الكوليرا تضمنت الأهداف الرئيسية تقديم الخدمات الصحية الأساسية، وتحسين الثقافة الصحية للمجتمع، والترويج لممارسات الصحة العامة، من خلال المتطوعين الذين ساعدوا بشكل كبير في تقديم الإرشادات الصحية العامة.

متطوعون يمنيون يتولون توعية السكان بطرق الوقاية من الكوليرا (الأمم المتحدة)

ووفق التقرير الأممي، فإن تغيير ممارسات المجتمع والتأسيس لعادات جديدة كانت مهمة مليئة بالتحديات، ولكن هِمّة المتطوعين كانت عالية، وإنه ومن خلال الزيارات المنزلية، شجعوا العائلات على تنفيذ أنشطة تحمي صِحتهم وسلامتهم، ابتداء من الترويج للوعي بنظافة اليدين وانتهاء بالدعوة لتطبيق ممارسات المياه النظيفة، وتعزيز الشعور بالمسؤولية الجماعية.

وبحسب الهجرة الدولية بدأت فرق التطوع أنشطتها في مركز «حورة» الطبي، ولكن تفشي الكوليرا تعدى سكان القرية، حيث أثر أيضاً على المهاجرين من القرن الأفريقي الذين يواجهون تحديات كبيرة في الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية، وللتعامل مع هذه الاحتياجات طلبت المنظمة مساعدة فرقها الطبية المتنقلة الموجودة على طرق الهجرة الرئيسية.

تعاون وثيق

طبقاً لما ذكرته منظمة الهجرة الدولية، فإنها وبالتعاون الوثيق مع وزارة الصحة العامة والسكان في اليمن والمكاتب الصحية المحلية، وسّعت جهودها بشكل مستمر لتقديم المساعدات الفورية للمناطق المتأثرة بالكوليرا والإسهال المائي الحاد.

وتضمنت استراتيجية المنظمة إيجاد خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة داخل المراكز لمنع انتقال العدوى بين المرضى والطاقم الطبي. وتقديم أجهزة الكلورة ذاتية العمل، ومواد معالجة المياه، وحقائب النظافة والتعامل مع الكوليرا للمجتمعات الضعيفة.

وزير الصحة اليمني يتفقد مركز عزل الكوليرا في محافظة أبين (إعلام حكومي)

وتبين «الهجرة الدولية» أن المتطوعين في مركز «حورة» الطبي تعاملوا مع المشاكل الصحية الفورية بخاصة الكوليرا، ولم يقتصر دورهم على إحداث تغيرات إيجابية لتعزيز الرعاية الصحية للجماعات الضعيفة فحسب، ولكن ومنذ بدء التفشي، كان المتطوعون يقدمون خدمات الرعاية الصحية والجلسات التثقيفية للنساء والأطفال والرجال الذين لطالما حُرموا من هذه الخدمات في السابق.

وتواصل الحكومة اليمنية الكفاح بالتعاون مع المنظمات الدولية لمواجهة هذا الوباء، خاصة مع بدء موسم الأمطار الحالي، إذ سارعت إلى افتتاح مراكز لعلاج حالات الإصابة بالكوليرا في جميع المحافظات الخاضعة لسيطرتها، إلا أن الحوثيين يواصلون التكتم على أرقام الإصابات ويرفضون تخصيص مراكز لعلاج هذا الوباء.

وتظهر أحدث بيانات منظمة الصحة العالمية أن عدد الإصابات في مناطق سيطرة الحوثيين بلغت أكثر من 93 ألف حالة، حتى مطلع شهر يوليو (تموز) الحالي، فيما تم تسجيل بقية الحالات وتمثل نسبة 17 في المائة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.