د. شادي حميد: عرفت مرسي ملتزما لكنه ليس استراتيجيا ولا صاحب رؤيا مستقبلية

الخبير في مركز «بروكنغز» بواشنطن يقول في حوار مع {الشرق الأوسط} إن الإسلاميين حتى في تونس سيظلون يثيرون معارضة محمومة

د. شادي حميد
د. شادي حميد
TT

د. شادي حميد: عرفت مرسي ملتزما لكنه ليس استراتيجيا ولا صاحب رؤيا مستقبلية

د. شادي حميد
د. شادي حميد

قال خبير أميركي يدرس المنظمات الإسلامية في الدول الإسلامية، وخاصة الإخوان المسلمين في مصر، بأن الولايات المتحدة يجب أن تدعو لإشراك الأحزاب الإسلامية في الأنظمة الديمقراطية، شريطة أن تؤمن هذه الأحزاب بنبذ العنف، وبالعملية الديمقراطية. وقال: إن الولايات المتحدة يجب أن لا تميل نحو أي جانب في «الحرب الباردة» وأحيانا «الساخنة»، في الشرق الأوسط، بين الإسلاميين وغير الإسلاميين.
وذكر الدكتور شادي حميد، الزميل في قسم العلاقات الأميركية بالعالم الإسلامي في مركز «بروكنغز» بواشنطن، أنه يؤمن إيمانا قويا بأن فهم الحركات الإسلامية فهما حقيقيا يستوجب شيئا بسيطا، وهو الحديث معهم. لمعرفتهم، ومحاولة فهم مخاوفهم، ومحاولة فهم تطلعاتهم.
وأشار حميد إلى أنه قضى بعض الوقت مع محمد مرسي قبل أن يصبح رئيسا لمصر. وقال: «في ذلك الوقت، لا أنا، وربما لا هو، كنا نحلم بأنه سيصبح، ليس فقط أول رئيس في مصر ينتخب انتخابا ديمقراطيا، ولكن، أيضا، واحدا من أكثر قادة الاستقطاب في تاريخ مصر».
وزاد قائلا: «عرفت مرسي كواحد من الإخوان المسلمين الملتزمين والمنفذين. لكنه، قطعا، ليس صاحب رؤية مستقبلية، وليس مفكرا استراتيجيا.
وعرفته لا يعطي المعارضين الليبراليين حقهم. قلل من شأنهم، ونظر إليهم كمنعزلين عن طبيعة الشعب المصري. طبعا، هذا يمكن أن يكون مقبولا من زعيم حزب سياسي، لكن، ليس من رئيس دولة».
وحميد، أميركي ولد في أميركا، ونال بكالوريوس وماجستير من جامعة جورج تاون (واشنطن)، ودكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أكسفورد. وعمل في قسم الدبلوماسية الشعبية في الخارجية الأميركية. ومساعدا للسيناتور ديان فاينشتاين (ديمقراطية من ولاية كاليفورنيا)، ومدير الأبحاث في قسم ديمقراطية الشرق الأوسط (بوميد) في جامعة ستانفورد (ولاية كاليفورنيا). ومدير أبحاث في مركز «بروكنغز» فرع الدوحة، وانتقل أخيرا إلى رئاسة «بروكنغز» في واشنطن.
وصدر لحميد أخيرا كتاب «تمبتيشانز أوف باور» (إغراءات السلطة: الإسلاميون والديمقراطية غير الليبرالية في الشرق الأوسط الجديد).
وفيما يلي نص الحوار:

* ما هي انطباعاتك عن القادة الإسلاميين الذين قابلتهم؟
- أنا أومن إيمانا قويا بأن فهم الحركات الإسلامية فهما حقيقيا يستوجب شيئا بسيطا، وهو الحديث معهم. يستوجب معرفتهم، ومحاولة فهم مخاوفهم، ومحاولة فهم تطلعاتهم.
قضيت بعض الوقت مع محمد مرسي قبل أن يصبح رئيسا لمصر. في ذلك الوقت، لا أنا، وربما لا هو، كنا نحلم بأنه سيصبح، ليس فقط أول رئيس في مصر ينتخب انتخابا ديمقراطيا، ولكن، أيضا، واحدا من أكثر قادة الاستقطاب في تاريخ مصر.
عرفت مرسي كواحد من الإخوان المسلمين الملتزمين والمنفذين. لكنه، قطعا، ليس صاحب رؤية مستقبلية، وليس مفكرا استراتيجيا.
وعرفته لا يعطي المعارضين الليبراليين حقهم. قلل من شأنهم، ونظر إليهم كمنعزلين عن طبيعة الشعب المصري.
طبعا، هذا يمكن أن يكون مقبولا من زعيم حزب سياسي، لكن، ليس من رئيس دولة.
في الجانب الآخر، كان مرسي زعيم الإخوان المسلمين الوحيد الذي يقدر على تقديم انطباعات مرتجلة عن الرؤساء الأميركيين السابقين.
* كيف يختلف الإسلاميون في مصر عن الإسلاميين في تونس؟
- توجد في تونس ما لا توجد في دولة أخرى في المنطقة: منظمات مجتمع مدني، وإعلام، وأحزاب معارضة، قوية، وحيوية، وعلمانية من دون خجل. حتى «الأسلمة» المعتدلة، أو الرمزية، تواجه مقاومة كبيرة عند كل منعطف.
لم يكن «الأب المؤسس»، الحبيب بورقيبة، حاكما مستبدا فقط، بل كان، أيضا، متأثرا بالتقاليد الفرنسية، مثل العلمانية، وفصل الدين عن السياسة فصلا كاملا. يتناقض هذا مع التقاليد الأنجلوساكسونية التي تسمح بمجالات واسعة للتعبير عن الانتماءات الدينية، في ظل الفصل بين الكنيسة والدولة.
وفي تونس، وعلى مدى عقود، ظل التأثير الفرنسي يؤثر تأثيرا لا يمكن تجاهله، أو إلغاؤه. ويبدو أن كثيرا من أعضاء حزب النهضة (الإسلامي) يعترفون بذلك. مثلا يوجد في تونس قانون الأحوال الشخصية الذي هو واحد من أكثر القوانين تقدمية في المنطقة. ويتمتع بتأييد شعبي واسع. لهذا، هادنه قادة حزب النهضة في نهاية المطاف. ليس لأنهم يتفقون معه بالضرورة، ولكن، لأنهم مضطرون لذلك.
لهذا، يمكن القول بأنه، رغم أن حزب النهضة والإخوان المسلمين في مصر ينتميان إلى نفس المدرسة الفكرية، لكنهما تطورا بشكل مختلف تماما. ويعود ذلك إلى الخصوصيات المحلية لكل واحد منهما.
ويوجد اختلاف آخر يكمن في شخصية ودور القائد التاريخي والمؤسس راشد الغنوشي في بناء هوية حزب النهضة، وفي المحافظة على وحدته، رغم ظهور اختلافات داخلية أحيانا. لكن، بالنسبة لـ«الإخوان المسلمين» في مصر، وباستثناء حسن البنا، فإنهم يفتقرون إلى قادة شعبيين، وإلى مثقفين. توجد مؤسساتية قوية، وشاملة، ويطغى «التنظيم» على الأفراد والشخصيات. لكن، بمرور الزمن، يعرقل هذا دور هؤلاء في تطوير الجماعة.
* لماذا فشل الإسلاميون في مصر؟
- أولا، لا نقدر على القول: إن مصر شهدت «حكما إسلاميا». وذلك لأنه، خلال رئاسة مرسي التي استمرت سنة واحدة فقط، لم تكن هناك «أسلمة» حكومية. ورغم قوة الإسلاميين في الجهازين التشريعي والتنفيذي، لم يقروا قانونا «إسلاميا»، غير قانون الصكوك، قانون الأوراق المالية الإسلامية.
كان الإخوان المسلمون، كعادتهم، يحسبون ويتأنون. لكن، كانت بعض حساباتهم خطأ.
وأركز هنا على أهمية عدم الخلط بين المعارضة المتنامية لـ«الإخوان المسلمين» ومعارضة «الأسلمة». إذا نظرنا إلى أسباب حركة «تمرد» لعزل مرسي، لن نجد أي سبب له صلة بعقيدة الإخوان الدينية المحافظة. كانت معارضة حكومة مرسي على النحو الآتي:
أولا: على المستوى الجماهيري، كان هناك إحباط أساسي بسبب فشل حكومة مرسي في حل المشاكل الاقتصادية، وتحقيق الاستقرار.
ثانيا: على مستوى النخب الليبرالية، كان هناك سبب أهم من ذلك هو الانقسام العقائدي الأساسي الموجود في قلب السياسة العربية.
لا بد من الاعتراف بهذه النقطة الأخيرة. وهي أن هذه النخب الليبرالية خافت من الإخوان المسلمين. ليس فقط بسبب ما فعلوا، ولكن، أيضا، بسبب ما يمكن أن يفعلوا في المستقبل. لهذا، سيظل الإخوان المسلمون، أو حتى الإسلاميون أكثر اعتدالا مثل حركة النهضة، دائما يثيرون معارضة محمومة، بغض النظر عما يقولون أو يفعلون.
طبعا، يمكن أن تكون هذه المخاوف مجرد تكهنات، وهذا، في حد ذاته، مشكلة. لكن، أساس هذه المخاوف هو الاختلاف العقائدي بين الإسلاميين وغير الإسلاميين. وذلك لأن لكل جانب تصورا مختلفا لما يجب أن تكون عليه الدولة:
أولا: اختلافات أساسية، وربما ميتافيزيقية، عن معنى الدولة، وطبيعتها، والهدف منها.
ثانيا: اختلافات يومية في حل المشاكل التي يواجهها الشعب المصري. وهي مشاكل تراكمت خلال عقود. ولا بد أن يواجهها أي رئيس، إسلامي أو غير إسلامي.
لهذا، أقدر على أن أقول بأن أي ثورة تسبب، طبيعيا، عدم استقرار. وتزيد تطلعات الشعب، وهي تطلعات، في الواقع السياسي، لا يمكن تحقيقها.
ولهذا، حذر كثيرون الإخوان المسلمين في مصر ألا يترشحوا لرئاسة الجمهورية. لكن، لأكثر من سبب، دفعوا نحو الترشيح.
* هل صحيح أن الإسلاميين لا يؤمنون بالديمقراطية؟ وأنهم، بمجرد استخدامها للوصول إلى الحكم، سيتخلون عنها؟
- أنا أفهم أسباب هذا الخوف. لكنه خوف تصويري وتوقعي. أبدا، لم يحدث في الماضي أن إسلاميين جاءوا الحكم، كما يقال، عن طريق «شخص واحد، صوت واحد، مرة واحدة».
لكن، توجد أمثلة لأحزاب إسلامية اشتركت في النظام الديمقراطي، واحترمته. في دول عربية، وفي جنوب وجنوب شرقي آسيا.
وكما شرحت في كتابي، وجدت أن من أكثر الممارسات الديمقراطية الحزبية الداخلية هي داخل أحزاب إسلامية. وأعطي مثالا بجبهة العمل الإسلامي في الأردن. بيد أنه في الجانب الآخر، ربما يقول شخص بأن سيناريو «شخص واحد، صوت واحد، مرة واحدة» يمكن أن يحدث في المستقبل. وأنا، كمحلل سياسي، لا أقدر على نفي شيء لم يحدث بعد.
وهناك نقطة أخرى، وهي أننا يجب أن نطبق نفس الاختبار على الجانب الآخر، على الأحزاب العلمانية. وذلك حتى نقدر على تقديم أحكام مقبولة ومقنعة. ويجب، أيضا، أن يبرهنوا على صدق قولهم بأن الإسلاميين لا يؤمنون بالديمقراطية.
وأعود مرة أخرى إلى الاختلاف بين «الديمقراطية» و«الديمقراطية الليبرالية». يقول الإخوان المسلمون في مصر وحزب النهضة في تونس بأنهم ملتزمون بالديمقراطية. لكني أقول: ليس معنى هذا أنهم ليبراليون، أو يريدون أن يكونوا. على الأقل، في المستقبل القريب.
لهذا، أستطيع أن أقول بأن أغلبية الإسلاميين تريد استخدام الديمقراطية لتحقيق أهداف غير ليبرالية. بحكم أن لهم أهدافا إسلامية عقائدية.
لكن، لا يعني هذا أنهم ضد الديمقراطية.
* كتبت أنه «يمكن أن يقدر القمع على تحويل الأحزاب الإسلامية نحو الاعتدال». ماذا تقصد بذلك؟
- عندما بدأت أبحاثي في الحركات الإسلامية، افترضت، وكان ذلك إحساسا بديهيا، بأنه كلما اشترك الإسلاميون في العملية الديمقراطية، صاروا معتدلين. لكن، لم تبرهن على ذلك الأبحاث التي أجريتها خلال السنوات القليلة الماضية. أعرف أن كثيرين لن يقبلوا هذا الرأي. لكني راض به. إنها حجة وصفية عن الآثار التي يسببها القمع، تحت ظروف معينة. وليست معيارا منتظما. لا أقصد أن القمع «شيء طيب». لكن، أقصد أن القمع يمكن أن يسبب في تغيير التصرفات والخيارات.
هذه نقطة. النقطة الثانية هي أني فرقت بين «القمع الخفيف»، مثل الذي عاناه الإخوان المسلمون خلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك، وبين «القمع الأبدي» مثل قرارات ما بعد عزل الرئيس مرسي: حل تنظيم الإخوان المسلمين، واعتبارهم إرهابيين.
ليتحول الإسلاميون نحو الاعتدال، لا بد من شروط. مثلا وجود قاعدة شعبية للتنظيم، ووجود هامش للتحرك، مهما كان محدودا. وكما فصلت في كتابي، يغري عملية التحول نحو الاعتدال وجود تهديد بالقمع، وليس، بالضرورة، القمع نفسه.
* كتبت بأن الإسلاميين مقتنعون بأن «الولايات المتحدة، والدول الغربية الأخرى، لن تسمح لهم بالفوز». هل هذا صحيح؟
- صحيح أن الإسلاميين يؤمنون بذلك، وهو شيء أساسي بالنسبة لهم. والسبب الرئيس لذلك هو تجربة الإسلاميين في الجزائر. في الجزائر، كاد الإسلاميون الذين انتخبوا انتخابا ديمقراطيا أن يصلوا إلى الحكم. فإذا بهم يرون مختلف الدول الغربية تؤيد، مباشرة أو ضمنا، انقلابا عسكريا ضدهم.
أعتقد أنه، مع الربيع العربي، كانت هناك فرصة ألا يتكرر ذلك. وفعلا، وصوابا، كانت إدارة الرئيس باراك أوباما مستعدة لقبول نتائج الديمقراطية في مصر، رغم مخاوفها نحو الإخوان المسلمين.
لكن، ردود الفعل الأميركية والأوروبية بعد الإطاحة بمرسي، جعلت الإخوان المسلمين يحسون بأن ردود الفعل هذه ناقضت الترحيب الأول. ولهذا، عادوا إلى هلعهم بأن الولايات المتحدة، تظل، دائما، تريد هزيمتهم. أضف إلى هذا تصريحات مسؤولين أميركيين كبار. مثل وزير الخارجية جون كيري، الذي قال: إن العسكريين «أعادوا الديمقراطية». أو قول آخرين إن الإخوان المسلمين «سرقوا» الثورة المصرية.
* بالإضافة إلى تجارب الإسلاميين في مصر وتونس، توجد دولتان في المنطقة يحكمهما إسلاميون: إيران والسودان. وحكمت طالبان الإسلامية أفغانستان لبضع سنوات. ما هو تقييمك للإسلاميين في هذه الدول؟
- عندما جاء الإخوان المسلمون في مصر إلى الحكم، قال كثير من الناس بأن حكمهم سيكون مثل النظام الديني في إيران. لكن، المقارنة مع إيران، وأيضا، مع السودان، أو أفغانستان، غير نزيهة. وذلك للأسباب الآتية:
أولا: وصل الإسلاميون في إيران إلى الحكم عن طريق ثورة، لا عن طريق انتخابات ديمقراطية. (وفي السودان، عن طريق انقلاب عسكري. وفي أفغانستان، عن طريق حرب أهلية).
ثانيا: تصير الثورات، بطبيعتها، راديكالية. ويفسر هذا السياسة غير المعتدلة للإسلاميين في إيران، على الأقل، خلال السنوات الأولى بعد الثورة.
في مثل هذه الظروف، لم يجد الإسلاميون في مصر وتونس «نموذجا» إسلاميا يقتدون به. ولم تكن تجارب إيران، والسودان، وأفغانستان، تناسب تجربتهم. لهذا، بعد ربيع العرب في مصر وتونس، وجد الإسلاميون في هاتين الدولتين أنفسهم غير مستعدين بالمقارنة مع ما كان يجب. وجدوا أنفسهم في ظروف جديدة. وصاروا يتعلمون يوما بعد يوم، من دون رؤيا مستقبلية كافية عمن هم؟ وماذا يريدون؟ وماذا سيحققون في المدى القريب، وفي المدى المتوسط؟ ربما لهذا، كان لا بد أن يحدث لهم ما حدث لهم.



«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة المبرم قبل نحو شهرين، وسط حديث إسرائيل عن أن هناك تعثراً وشروطاً إسرائيلية للانتقال لتلك المرحلة.

تلك الجهود التي تشمل تحركات واتصالات أميركية ومصرية بخلاف اجتماع عسكري بالدوحة، تعزز فرص التوصل إلى حل لإنهاء تعثر المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب ما يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، معتقدين أن هناك ترقباً للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لحسم الانتقال من عدمه.

وعاد الحراك الأميركي بشأن غزة مكثفاً، وأطلع ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، مبعوثا ترمب، وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين، على المستجدات بشأن اتفاق غزة خلال مؤتمر عبر الفيديو، وفق ما نقلته وكالة «رويترز».

فلسطيني يجمع قوالب الخرسانة الخفيفة لبناء مأوى لعائلته قبل حلول فصل الشتاء في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن توم برّاك مبعوث ترمب يصل إلى إسرائيل، الاثنين، لبحث بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدة أن «الزيارة بالغة الحساسية، وتقيّم مدى استعداد إسرائيل للتقدم نحو المرحلة الثانية، وتعكس نفاد صبر الرئيس ترمب إزاء تعثر الانتقال إلى المرحلة التالية من خطته لقطاع غزة، وستناقش قوات الاستقرار بغزة».

وأوضحت أن «برّاك يرى أن تركيا يجب أن تكون جزءاً من قوة الاستقرار، بفضل قدراتها العسكرية ونفوذها في غزة، ولكن إسرائيل تعدّ ذلك خطاً أحمر، إذ ترى أن أي طرف يحتفظ بعلاقات مع (حماس) لا يمكن أن يُصنف قوةَ استقرار، وإشراكه (في القوة الدولية) قد يقوض الاتفاق».

ورأت الهيئة زيارة برّاك، رغم أنه مهتم أكثر بشؤون سوريا ولبنان، «خطوة تحضيرية مباشرة للقاء المرتقب بين نتنياهو وترمب بفلوريدا في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي»، في ظل انشغال ويتكوف وكوشنر بملف أوكرانيا.

وتأتي تلك الزيارة عشية استضافة الدوحة اجتماعاً للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة 25 دولة، الثلاثاء، لبحث هيكل القيادة وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة، بحسب ما ذكره مسؤولان أميركيان لـ«رويترز» قبل أيام.

وسبق أن تحدثت القناة «14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الولايات المتحدة حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة إلى إمكانية تأجيله مجدداً.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي، أن المساعي الأميركية تعكس وجود ضغوط لتسهيل التفاوض بشأن المرحلة الثانية، التي تبدو معقدة للغاية مع مساعي نزع سلاح القطاع وتشكيل قوات الاستقرار ولجنة إدارة القطاع، مشيراً إلى أن «تلك الملفات لم تحسم بعد، وليست هناك ملامح بشأن إنجازها قريباً والأمور ضبابية».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، بأنه «أياً كانت المساعي فيجب أولاً وقف التماهي بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأن تضغط واشنطن بقوة على نتنياهو، غير ذلك ستذهب التحركات الأميركية بلا نتائج مؤثرة، خصوصاً أن هناك حديثاً عن توجه للقفز للبند 17 من اتفاق غزة الذي يسمح ببدء تحركات فردية إسرائيلية في أماكن سيطرتها وإعمارها، وهذا أمر خطير».

ووسط تلك المساعي الأميركية، والمخاوف، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال اتصال هاتفي، الاثنين، مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من خطة ترمب، وأهمية نشر قوة الاستقرار الدولية المؤقتة لمراقبة وقف إطلاق النار، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، الاثنين، عن مصدر أمني، أن تنفيذ المرحلة الثانية «غير وشيك»، مع استمرار مساعي إسرائيل لاستعادة جثة الرهينة ران غويلي، التي تعد آخر جثة تطالب باستعادتها من قطاع غزة، فيما أفاد موقع «والا» العبري بأن تل أبيب تربط التقدم في الاتفاق باستعادة الجثة.

ويرى السفير هريدي أن إسرائيل تتعمد إفساد التوجه للمرحلة الثانية بتلك الذرائع، مشيراً إلى أن «القاهرة تعمل على إنهاء تلك الذرائع وتوسيع دائرة التحركات، لدفع واشنطن نحو إجبار نتنياهو على تنفيذ الاتفاق، وهذا سيتضح أكثر خلال لقاء القمة مع ترمب أواخر الشهر».

وشدد الرقب على أن «محددات المرحلة الثانية 3 أمور رئيسية؛ هي وصول قوات الاستقرار، وتشكيل لجنة إدارة القطاع، ووجود جهاز شرطي فلسطيني لتسلم غزة، وجميع ذلك لم يحدث، وبالتالي سيتأخر الانتقال لتلك المرحلة، ما لم يحسم ترمب الأمر مع نتنياهو خلال القمة المرتقبة».


الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
TT

الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)

تفجّرت مشادة كلامية بين رجل الأعمال المصري البارز نجيب ساويرس، وعضو مجلس النواب مصطفى بكري، حول قيمة الحد الأدنى للأجور في البلاد.

وبدأت المهاوشة على خلفية دعوة ساويرس لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 ألف جنيه شهرياً (الدولار يساوي نحو 47.48 جنيه)، إلا أن الرد من بكري جاء لاذعاً، متهماً رجل الأعمال بـ«البطولة الوهمية»، مطالباً إياه بأن يبدأ بنفسه بتطبيق الحد الأدنى في شركاته قبل أن يطالب الدولة.

رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس (صفحته الرسمية)

كان نجيب ساويرس قال قبل أيام، خلال كلمته في مؤتمر توظيفي، إن مؤسسة «ساويرس للتنمية الاجتماعية» تواصل جهودها في دعم وتأهيل الشباب لسوق العمل، بما يسهم في رفع دخولهم من مستويات متدنية قد لا تتجاوز ألفي جنيه إلى نحو 14 و15 ألف جنيه، وهو ما اعتبره «الحد الأدنى الضروري للمعيشة وضمان حياة كريمة للمواطن في ظل التضخم الحالي».

وقرر «المجلس القومي للأجور» في فبراير (شباط) الماضي زيادة الحد الأدنى من 6 آلاف جنيه لتصل إلى 7 آلاف جنيه بدأ تطبيقها في مارس (آذار) الماضي.

وتأتي دعوة رجل الأعمال المصري وسط مطالبات مجتمعية وبرلمانية متزايدة برفع مستويات الدخل في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات وتكاليف المعيشة، ومع تذبذب مؤشرات التضخم.

وأصدر البنك المركزي المصري، الأربعاء الماضي، بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بيان التضخم عن نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي أظهر استمرار التراجع الطفيف في وتيرة ارتفاع الأسعار؛ حيث بلغ معدل التضخم السنوي في الحضر 12.3 في المائة مقارنة مع 12.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) السابق عليه.

ورغم أن مطلب ساويرس لاقى دعماً شعبياً واسعاً، وهو ما اتفق عليه أيضاً البرلماني والإعلامي مصطفى بكري، فإنه أضاف في تغريدة له على حسابه بمنصة «إكس»، موجهاً حديثه لرجل الأعمال: «ما رأيك أن تبدأ أنت بالمبادرة وترفع رواتب الموظفين عندك»، واتهم ساويرس بأن رواتب الأغلبية لديه «لا تتعدى 5760 جنيهاً شهرياً، وهناك من هو أقل من ذلك».

وأثارت هذه المهاوشة الافتراضية تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من يرى أن ساويرس يسلط الضوء على قضية فعلية تتعلق بضعف الأجور، ومن يعتبر أن بكري محق في مطالبته لرجل الأعمال بأن يكون قدوة في مؤسساته الخاصة قبل أن يطالب الدولة بالتغيير.

وأيد كثير من نشطاء التواصل الاجتماعي أن يكون الحد الأدنى للأجر 15 ألف جنيه، وتمنوا أن يصل صوت ساويرس إلى المسؤولين في مصر.

كما تفاعل عدد من الإعلاميين مع ما نادى به رجل الأعمال، وقال الإعلامي عمرو أديب، خلال برنامجه «الحكاية»، مساء الأحد، «إن مصر تحتاج إلى وزارة للرحمة، وأن المجتمع المصري لن ينجو بالاقتصاد ولكن سينجو بالرحمة».

وأشار إلى أنه طالب بهذا الرقم قبل سنوات ما عرضه للانتقاد وقتها، موضحاً «أن الحد الأدنى الحالي للأجور البالغ 7 آلاف لا يطبق في أغلب الشركات».

بدوره، قال الإعلامي محمد علي خير، في برنامجه «المصري أفندي»، إن ملف الأجور في مصر أصبح أحد أخطر ملفات العدالة الاجتماعية، مشدداً على أن الدخول الحالية لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، خصوصاً للشباب المقبل على الزواج.

وأضاف: «الحديث عن أجور 4000 و5000 و6000 و7000 جنيه لم يعد مقبولاً في ظل الغلاء الحالي وتراجع القدرة الشرائية»، مؤكداً أن الأجور في مصر تحتاج إلى تغيير جذري وليس حلولاً شكليةً.

كما تبادل العديد من النشطاء الرؤى حول الحد الأدنى المناسب للراتب، لضمان حياة كريمة للملايين من العاملين.

وتطور الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المصري منذ إقراره لأول مرة في يناير (كانون الثاني) 2022، حيث بدأ بـ2400 جنيه، ثم ارتفع إلى 2700 جنيه في يناير 2023، و3000 جنيه في يوليو (تموز) 2023، ثم 3500 جنيه في يناير 2024، و6000 جنيه في مايو (حزيران) 2024، ليصل إلى 7000 جنيه اعتباراً من مارس 2025.

في المقابل، انتقد بعض المدونين كلمات بكري المنتقدة لمطلب رجل الأعمال البارز، مطالبين إياه بمساندة ساويرس في كلامه بدلاً من السخرية منه. كما طالبه آخرون، كونه إعلامياً بارزاً وصوتاً للمواطن في البرلمان، بفتح النقاش عن الحد الأدنى للرواتب والمعاشات.

بينما سخر طرف ثالث من المهاوشة الافتراضية، لافتين إلى أن طرفيها رجلان يملكان الملايين، ويتنازعان حول أجور ومستحقات البسطاء، في حين أن المحصلة النهائية ستكون غياب أي نتيجة إيجابية من الطرفين.


أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
TT

أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)

على الرغم من أن التدخلات التنموية في اليمن تمكّنت من إحداث فارق ملموس في تحسين سبل العيش، تزداد تحذيرات وكالات الأمم المتحدة من اتساع فجوة تمويل الأعمال الإنسانية في اليمن، مع سعيها إلى الاستجابة الطارئة لحماية الأطفال والفئات الأكثر هشاشة من الوصول إلى مستويات شديدة من نقص الاحتياجات.

نفاد الإمدادات

وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عن حاجتها إلى 126.25 مليون دولار، لتنفيذ خطتها الإنسانية في البلاد للعام المقبل، وضمان استمرار خدمات الصحة والتغذية والمياه والتعليم والحماية لملايين الأطفال الذين يعتمد غالبيتهم على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، محذرة من أن استمرار التدهور قد يحرم أعداداً متزايدة من الرعاية الأساسية.

وتراجعت حاجة «اليونيسف» إلى تمويل نشاطها في اليمن للعام المقبل بنسبة 40 في المائة عن العام الحالي، الذي طلبت فيه تمويلاً بمبلغ 212 مليون دولار.

ونبهت المنظمة الأممية إلى أن إغلاق أكثر من 3000 مركز تغذية، ونفاد الإمدادات الحيوية بحلول أوائل العام المقبل، يجعلان حياة مئات الآلاف من الأطفال عرضة للخطر.

ملايين الأطفال اليمنيين يواجهون خطر سوء التغذية ونقص الخدمات الصحية (الأمم المتحدة)

بدورها، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) نداء تمويلياً بقيمة 86.57 مليون دولار، لدعم سُبل العيش الزراعية وتعزيز القدرة على الصمود لنحو 9.15 مليون شخص في اليمن خلال العام نفسه.

تدخلات زراعية

تقدّر «فاو» أن اليمن يُعد ثالث أكبر أزمة غذاء في العالم، حيث يواجه أكثر من نصف السكان مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم نحو 41 ألف شخص معرضون لخطر المجاعة، بعد عقد من بدء النزاع المسلح، والتطورات الأخيرة التي عطّلت سلاسل التوريد، إلى جانب الانهيار الاقتصادي والتغيرات المناخية القاسية.

ويتوقع المنسق العام للجنة اليمنية العليا للإغاثة، جمال بلفقيه، أن نقل مكتب منسق الشؤون الإنسانية إلى العاصمة المؤقتة عدن سيساعد بشكل كبير على تنفيذ خطط الاستجابة الإنسانية وتغيير مسار العمل الإنساني وبيان أثرها، داعياً إلى الشراكة بين المنظمات الدولية والقطاع الخاص في اليمن، لتوفير السلع الأساسية والشراء من السوق المحلية.

فجوة تمويل الإغاثة في اليمن تهدد بتراجع كبير في القدرة الشرائية للسكان وفق خبراء (أ.ف.ب)

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يبدي المسؤول الإغاثي الحكومي قلقه من أن اختطاف الجماعة الحوثية العاملين في الوكالات الأممية، وممارسة الابتزاز باستخدام الورقة الإنسانية سيعوقان أداء المنظمات ويؤثران سلباً على الدعم الخارجي، مبدياً تفاؤله بأن تؤدي الإجراءات الاقتصادية الحكومية إلى تحسين أسعار المواد الأساسية، مما يساعد في تحسين القوة الشرائية.

وتوضح الوكالة الأممية أن 17.68 من التمويل سيُوجّه إلى صالح تدخلات زراعية طارئة لتحقيق تعافي سُبل المعيشة، ويشمل ذلك توزيع البذور، وتطعيم الماشية، وإعادة تأهيل البنى التحتية الزراعية والمائية، في مساعٍ للحد من اعتماد السكان الكامل على المساعدات الغذائية، فيما سيُستخدم المبلغ المتبقي لتعزيز القدرة على الصمود للفئات المستهدفة.

وبسبب مواجهة برنامج الغذاء العالمي عجزاً كبيراً في تمويله، تم تقليص المستفيدين من خدماته إلى النصف، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية وسحب ما بين 200 و300 مليون دولار سنوياً من الأسواق المحلية، حسبما أورده المستشار الاقتصادي في مكتب الرئاسة اليمنية، فارس النجار.

تعزيز صمود الريف

وبينما يحتاج البرنامج الأممي إلى أكثر من 300 مليون دولار للستة الأشهر المقبلة، لم يحصل سوى على 106 ملايين دولار فقط.

طفل يتلقى العلاج من سوء التغذية في أحد مستشفيات صنعاء (الأمم المتحدة)

ويقدّر النجار أن سوء التغذية سيؤدي إلى خسارة مستقبلية في إنتاجية الفرد ما بين 10 و15 في المائة، مما يعني اقتصاداً أصغر وناتجاً أقل لعقد كامل إذا لم تجرِ حماية الفئات الأضعف، لافتاً إلى أن عدم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية سيضع اليمنيين أقرب من أي وقت مضى أمام سيناريوهات المجاعة.

في غضون ذلك، كشف الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) عن أن التدخلات التنموية متوسطة المدى يمكن أن تُحدث فرقاً ملموساً حتى في ظل استمرار النزاع، وأن هذه التدخلات عززت من تحسين سبل العيش والأمن الغذائي لعشرات الآلاف من السكان في المناطق الريفية في اليمن، رغم استمرار النزاع وانهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية.

جاء ذلك بعد أن أظهر مشروع تنمية سبل العيش الريفية، المنفذ بين عامَي 2021 و2024، أن تحسين الوصول إلى المياه وتحديث أنظمة الري أسهما في خفض استهلاك المياه بنسبة وصلت إلى 80 في المائة، إلى جانب زيادة الإنتاج الزراعي، وتحسين دخل آلاف الأسر في خمس محافظات يمنية.

تنمية سبل العيش الريفية تُسهم في تحسين الإنتاج الزراعي وتحسين دخل آلاف الأسر (إيفاد)

وذكر «إيفاد»، في تقرير حديث، أن إجمالي تمويل المشروع وصل إلى 5.3 مليون دولار، وشمل 5 محافظات و31 مديرية، واستفاد منه أكثر من 84 ألف شخص في نحو 12 ألف أسرة ريفية. وركزت التدخلات على تحسين الوصول إلى المياه، وإعادة تأهيل أنظمة الري، وحماية الأراضي الزراعية من الفيضانات، بالإضافة إلى دعم المزارعين بمدخلات زراعية وتدريب تقني.

ونوه «إيفاد» إلى أن اعتماد نهج التعاقد المجتمعي، بالشراكة مع صندوق التنمية الاجتماعية ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، مكّن المجتمعات المحلية من قيادة عملية التخطيط والتنفيذ، مما عزّز الحوكمة المحلية والتماسك الاجتماعي في بيئات تعاني هشاشة مؤسسية شديدة.

وبيّن التقرير أن تحديث البنية التحتية المائية أسهم في خفض استهلاك مياه الري بنسبة تتراوح بين 70 و80 في المائة، وتحسين إنتاجية المزارعين، إلى جانب حماية 131 هكتاراً من الأراضي الزراعية. كما استفاد أكثر من 3300 مزارع من المدارس الحقلية والأعمال الزراعية، فيما تلقت 4000 امرأة ورجل تدريبات في مجالات التغذية والزراعة المنزلية.