«الإخفاء القسري»... سلاح الميليشيات الليبية لتكميم أفواه المعارضين السياسيين

محامون وإعلاميون ونشطاء بين أبرز الضحايا

TT

«الإخفاء القسري»... سلاح الميليشيات الليبية لتكميم أفواه المعارضين السياسيين

فجّر خطف محمد أبو عجيلة، الناشط الليبي مؤسس حراك «صوت الشعب»، عاصفة غضب ضد الميليشيات المسلحة في طرابلس، وسط مطالب بضرورة التحرك للإفراج عن جميع المخطوفين في سجون الجماعات المسلحة بالعاصمة.
وتقدمت أسرة أبو عجيلة ببلاغ إلى النائب العام، أمس، تتهم فيه الميليشيات المسلحة بخطف نجلها، واقتياده إلى مكان مجهول. فيما قال حقوقيون لـ«الشرق الأوسط» إن ميليشيا كتيبة «باب تاجوراء» خطفت أبو عجيلة عقاباً له على تنظيمه مظاهرة في منطقة رأس حسن بطرابلس للمطالبة بطردها من العاصمة، وتسليم سلاحها.
وخُطف أبو عجيلة نهاية الأسبوع الماضي، في عملية وُصفت بأنها تستهدف «تكميم أفواه» النشطاء السياسيين، الذين يطالبون بتفكيك الميليشيات المسلحة، وإخراجها من أنحاء العاصمة، ومحاسبتها على «مجمل الجرائم» التي ارتكبتها في حق المواطنين.
وقال عبد المنعم الحر، الأمين العام ‏للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا، إن عمليات الخطف والإخفاء القسري في ليبيا «أصبحت تتم بشكل أسبوعي تقريباً».
وأضاف الحر في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن «الكُل أصبح مستهدفاً، وللأسف فإنه في ظل غياب سيادة القانون وعجز النيابة العامة على ملاحقة الجناة، واستمرار الجناة في الإفلات من العقاب، جعل هذه الجماعات الخارجة عن القانون تزدهر وتنمو أكثر».
وتتهم تقارير إعلامية محلية ميليشيات «باب تاجوراء»، التي يقودها الأزهري فنان بقتل ناشطَين دون محاسبة. فيما تُوجه اتهامات مماثلة لكتيبة «قوة الردع الخاصة»، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني، بخطف رئيس جائزة «سبتميوس» المحامي والصحافي سليمان قشوط، ومدير الجائزة محمد اليعقوبي من داخل أحد مقاهي مدينة طرابلس قبل أسابيع.
وسبق لميليشيات «باب تاجوراء» أن اعتدت من قبل على المدونة مريم الطيب، التي قالت حينها عبر حسابها على «فيسبوك» إن تلك الميلشيات هاجمتها وسرقت هاتفها.
وطوى النسيان عددا من المخطوفين في ليبيا، دون الكشف عن مصيرهم. ففي مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي خطف مسلحون ثلاثة مهندسين أتراك، وآخر من جنوب أفريقيا كانون يعملون في مشروع محطة كهرباء أوباري (جنوب) البلاد.
وقال عضو مجلس النواب بمدينة طرابلس، رفض ذكر اسمه لدواع أمنية، إن الجماعات المسلحة المنتشرة في ربوع العاصمة ترى في نفسها قوة دائمة ومستقرة، نظراً «للدعم الكبير الذي تحصل عليه من المجلس الرئاسي ورئيسه فائز السراج»، مبرزاً أنه «لا يجب أن ننسى أن حكومة الوفاق مدينة لتلك المجموعات، التي تقوم على حمايتها منذ تشكيلها، ودخول أعضائها إلى العاصمة».
وسبق للمبعوث الأممي الدكتور غسان سلامة القول إن «التشكيلات المسلحة في العاصمة تستعرض عضلاتها، دون مراعاة لسلامة المدنيين... وليبيا لا تحتاج اليوم إلى مزيد من الأسلحة، لأنها بلد به 20 مليون قطعة سلاح».
من جهته، رأى الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا أن عمليات الخطف تقوض أي تحركات لإجراء انتخابات في البلاد، وتحدث عن انتهاك حق الإنسان في اختيار من يحكمه أو حق العيش في بيئة آمنة مستقرة. وقال في هذا السياق إنه «لا يمكن الحديث عن ممارسة الحقوق السياسية في ظل انتشار الجماعات المسلحة، والخطف والقتل خارج إطار القانون... وهناك كثير من رؤوساء الأحزاب السياسية الذين لا يستطيعون دخول العاصمة، مما يحول دون مشاركتهم في العملية الانتخابية».
وجددت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أمس، دعوتها للنائب العام بفتح تحقيق حول ما سمته «الممارسات والانتهاكات والجرائم الجسيمة لحقوق الإنسان، وضمان التحرك العاجل، وتقديم المتورطين في ارتكابها للعدالة ومحاسبتهم».
وأبدت اللجنة في بيان سابق، تخوفها من «تصاعد وتيرة حوادث الخطف والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، التي تمارسها بعض المجموعات والتشكيلات المسلحة بالعاصمة، والتي تحظى بشرعية ودعم حكومة الوفاق». وقالت إن هذه العمليات تستهدف شرائح كثيرة من المجتمع، من بينهم محامون وإعلاميون وصحافيون، ونشطاء ومدافعون عن حقوق الإنسان، وأعضاء الهيئات القضائية، لافتة إلى أن تصاعد مؤشرات الخطف يدل على عدم جدية تحرك المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني والسلطات، وكذا الأجهزة الأمنية لإيقاف هذه الظاهرة، التي باتت تخيف عموم المواطنين على حياتهم.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.