غيتا لحريشي... مصممة تلعب على أصالة القفطان بالمعاصرة

لم يسلم أحد من المصممين الذين زاروا المغرب من سحر القفطان، من إيف سان لوران إلى أوسكار دي لارونتا وبيير بالمان، وآخرين دغدغ خيالهم بأحلام شرقية بعيدة. أغلبهم استلهموا منه وأضفوا عليه لمسات نجحت في إدخاله إلى العالمية.
كان ذلك عندما كان مفهوم تصميم القفطان في المغرب غريباً، لأن من كان يقوم به خياطون محترفين يحترمونه إلى حد التقديس ولا يتجرأون على تغيير أساسياته، من القصات إلى التطريزات. الآن هناك جيل جديد من المصممين المغاربة أخذوا على عاتقهم مهمة تطويره ليناسب زبونة شابة لا تريد أن تتخلى عنه لما يحمله من أصالة وعراقة وجمال، وفي الوقت نفسه تريد التخفيف من عنفوانه وفخامته لكي يناسب حياتها العصرية. المصممة الشابة غيتا لحريشي، ابنة هذا الجيل وتعرف تماما ما تريده بنات جنسها وجيلها في الوقت ذاته. ورثت المهنة عن والدتها، المعروفة في الأوساط المخملية المغربية كواحدة من المصممات المتمرسات. وبعد أن أنهت غيتا دراستها في باريس عادت إلى مسقط رأسها، مدينة الدار البيضاء، لتبدأ مسيرتها في عالم الأزياء. لم تكن تعرف قبل أن تذهب إلى باريس، أنها أدمنت رائحة الأقمشة وصوت خرخشتها وهي تتلوى بين مقص والدتها لتتحول بعدها إلى قطعة تحاكي التحف. فرغم أنها عملت في عدة بيوت فرنسية في بدايتها، فإن رغبتها في أن توظف ما تعلمته في عاصمة الأناقة في القفطان كانت تلح عليها يوما بعد يوم. لهذا عندما عادت إلى مدينتها، كانت مقتنعة بأن القفطان لا يجب أن يتوقف عند جيل بعينه، وبأنه يتحمل ترجمات كثيرة يمكن أن تدخله خزانة امرأة شابة وعصرية من دون أن تؤثر على تاريخه وقيمته. فكرتها تلخصت في أن تُقدمه على شكل فساتين سهرة وقطع عصرية أخرى، على رأسها «الجامبسوت» على أن تُدخل عليه الصنعة المغربية التقليدية. كان مهما بالنسبة لها أن تربط الماضي والحاضر بخيوط، إما ذهبية أو فضية تُعرف في عالم القفطان التقليدي بـ«الصم». وهي «صنعة» لا يُتقنها سوى «معلم» محترف. وكانت النتيجة قفاطين على شكل فساتين، يمكن ارتداؤها في كل المناسبات، سواء كانت عُرسا فخما أو حفل عشاء في مكان حميم. تقول غيتا إنها بعد عودتها من باريس وطرحها الفكرة على والدتها المتمرسة في هذا المجال منذ عشرات السنوات، لم تجد أي ممانعة، بل العكس «رحبت بالأمر ورأت فيه نوعا من الاستمرارية، وكانت مقتنعة بأنني إذا دخلت هذا المجال علي أن أضع عليه بصمتي، بحيث يعكس شخصيتي وطموحاتي. ذهبت إلى أبعد من ذلك ووفرت لي الحرفيين أنفسهم الذين يعملون معها. من حُسن حظي أني أعرفهم جميعا لأني كنت ألعب بينهم وأنا طفلة». بالنظر إلى إنجازاتها التي تظهر في مشاركتها في معارض عالمية، كان أسبوع لندن للموضة واحدا منها، إلى جانب إقبال نساء من الطبقات النخبوية على تصاميمها. تعتقد أن مسيرتها بدأت منذ سنوات إلا أن الحقيقة أنها لم تنطلق سوى في عام 2013 واختارت كاسم لعلامتها «هاند مايد»، أي صنع باليد، لتؤكد أنه رغم التصاميم العصرية فإن الأساس تقليدي يتجسد في التفاصيل المصنوعة باليد. تُعلق على الأمر بقولها: «هدفي الأول والأخير أن أحقق المعادلة بين الأصالة والمعاصرة، من خلال فساتين وقطع أوروبية تطبعها اللمسة المغربية».
أول تشكيلة قدمتها غيتا لحريشي كانت عبارة عن فساتين سهرة طويلة وأخرى قصيرة يجمع بينها قاسم مشترك مهم وهو «صنعة المعلم المغربي». وشد «الجامبسوت» على وجه الخصوص الأنظار ليُصبح ماركتها المسجلة، كونه يظهر في معظم تشكيلاتها إن لم نقل كلها. لكن بحسها التجاري فإن غيتا لا تريد أن تخسر المرأة الناضجة التي لا تزال تعشق القفطان بشكله التقليدي، لهذا تقدم لها دائما خيارات تقليدية، إما بتصاميم جاهزة أو مفصلة على المقاس. وتشير إلى أن هذه المرأة، تُساهم بشكل غير مباشر في الدفع بحركة الإبداع إلى الأمام، بمعنى أنها تساعد على تمويل جموح المصممة الشابة للابتكار. فقد تكون توصلت إلى الوصفة التي تُرضيها بالنظر إلى نجاحاتها، لكنها لا تزال تطمح «لما هو أكثر» حسب قولها. فقد يكون الراحل إيف سان لوران روج للقفطان بلغته الفرنسية، إلا أنها ترى أن هناك فُرصة أيضاً كبيرة للترويج له بلغتها المغربية الشابة.