«مناورات عكسية» لـ«داعش» بعد فقد الأرض

دعوة العدناني «رمضان شهر الجهاد» تلقى طريقاً

«داعش» تبنى سلسلة اعتداءات انتحارية على ثلاث كنائس في إندونيسيا (رويترز)
«داعش» تبنى سلسلة اعتداءات انتحارية على ثلاث كنائس في إندونيسيا (رويترز)
TT

«مناورات عكسية» لـ«داعش» بعد فقد الأرض

«داعش» تبنى سلسلة اعتداءات انتحارية على ثلاث كنائس في إندونيسيا (رويترز)
«داعش» تبنى سلسلة اعتداءات انتحارية على ثلاث كنائس في إندونيسيا (رويترز)

بهجمات انتحارية فردية وأسرية كانت تفاصيلها في فرنسا وإندونيسيا وأفغانستان وليبيا أخيراً، ظهر تنظيم «داعش» الإرهابي بقوة من جديد على المشهد، بعد أشهر من «الخفوت» عقب الهزائم التي مُني بها في الأراضي التي كانت تحت سيطرته في سوريا والعراق. الهجمات الداعشية تؤكد أن التنظيم يحاول لفت النظر إليه عقب فرار كثير من عناصره وفقدانه القدرة على السيطرة بعد سنوات من تصدر المشهد الدموي.

قال مختصون في الحركات الأصولية، وخبراء أمنيون، إن التنظيم نشط بقوة الأيام الماضية وقام بـ«مناورات عكسية» لتهديد دول العالم، بعد أن فقد أرض «الخلافة المزعومة». وأضاف الخبراء لـ«الشرق الأوسط»، إن استهداف «داعش» لعدد من الدول قبل شهر رمضان محاولة منه لإحياء دعوة عمرها 3 سنوات بأن رمضان «شهر الجهاد»... والتنظيم يعمل الآن من خلال ثلاثة مستويات: «الخلايا النائمة»، و«الذئاب المنفردة»، و«الأسرة الإرهابية الكاملة».
وشهدت الأشهر الماضية نجاحاً كبيراً في محاربة التطرف على المستوى العسكري، حيث نجح التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية في السيطرة على الأراضي التي كان يسيطر عليها «داعش»... وقد أسفر هذا عن تراجع كبير في قدرات التنظيم العسكرية والميدانية، ورغم أنه يحاول مواصلة نشاطه عبر شن هجمات خاطفة على بعض الدول، فإنه لم يحقق نتائج تذكر حتى الآن.
وتبنى «داعش» أخيراً اعتداءً إرهابيّاً بالسكين في ميدان «الأوبرا» بباريس أوقع قتيلاً و5 جرحى، وهو الحادث رقم 79 في مسلسل الهجمات الإرهابية التي ضربت العاصمة الفرنسية منذ وقوع حادث تولوز الذي عده خبراء نقطة الانطلاق لموجة الهجمات الإرهابية... ووفق معلومات من مصادر مقربة من التحقيقات، فإن «النيابة العامة في فرنسا كانت قد أدرجت منفذ الاعتداء الإرهابي من قبل على قائمة المتهمين بالتطرف».
وفي إندونيسيا، نفذت عائلة من 6 أفراد بينهم طفلتان سلسلة اعتداءات انتحارية استهدفت 3 كنائس في سورابايا ثاني أكبر المدن، ما أدى لمقتل 9 وإصابة 40 آخرين، وأعلن «داعش» مسؤوليته عن الاعتداءات... وتعد التفجيرات التي استهدفت الثلاث كنائس الأكثر دموية منذ سنوات.
وفي أفغانستان، تبنى تنظيم «داعش» قبل أيام الهجوم الذي استهدف مبنى حكوميّاً بمدينة جلال آباد شرق البلاد، وراح ضحيته 15 شخصاً، وخلّف عشرات الجرحى.
كما أعلن «داعش» مسؤوليته عن تفجيرين انتحاريين استهدفا مكاتب المفوضية العليا للانتخابات الليبية في طرابلس، وقتلا ما لا يقل عن 12 شخصاً عندما اقتحم مهاجمون المبنى وأضرموا فيه النار.
وقال أحمد بان، الخبير المتخصص في الحركات الأصولية بمصر، إن اعتداءات «داعش» الأخيرة على فرنسا وإندونيسيا وأفغانستان وليبيا عبارة عن «مناورات عكسية» نتيجة لتراجع سيطرة التنظيم في سوريا والعراق، فالتنظيم يسعى لمفهوم «الخلافة الافتراضية» على الإنترنت لجذب المزيد من الأتباع للقيام بأي عمليات في الدول دون الرجوع له، من خلال ثلاثة مستويات؛ الأول «الخلايا النائمة»، والثاني «الذئاب المنفردة»، والثالث هو مفهوم «الأسرة الإرهابية»، مثلما حدث في إندونيسيا، فضلاً عن تهديداته بتفجير كأس العالم واستهداف لاعبين بأسمائهم، وجميعها محاولة للظهور على المشهد من جديد بعد «خفوت» دام لأشهر.
ونشر «داعش» قبل 3 أيام صورة مرعبة تظهر «إرهابيين» وهم يقطعون رأسي نجمين كرويين ممددَيْن على أرضية ملعب كرة قدم، قبل أسابيع من انطلاق نهائيات كأس العالم في روسيا... وتعد هذه المرة الثانية التي يهدد «داعش» فيها بمهاجمة المونديال، بعد أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين نشر صورة لميسي، والنجم البرازيلي نيمار مقتولين من قبل «إرهابيين».
وقال مراقبون إنه قبل عامين اعتمد «داعش» من خلال منشوراته تطبيق فكرة «الذئاب المنفردة» التي يدعو من خلالها أتباعه في أي مكان بالعالم إلى تنفيذ عمليات إرهابية بأي شكل وبأي طريقة، دون الاعتماد على تخطيطات موسعة.
وأضاف المراقبون أن خطر «الذئاب المنفردة» بدأ يظهر الآن بعد سقوط التنظيم فعلياً، وذلك بسبب عوامل ثلاثة وهي: الأولى الخطورة الذاتية لفكرة «الذئاب المنفردة» نفسها. والثانية أنه مع سقوط التنظيم فإننا الآن أمام مشكلة «الفارين» من «داعش»، خصوصاً هؤلاء الذين خرجوا من بلدانهم دون أن تتمكن أجهزة الاستخبارات من التعرف عليهم وتحديد هوياتهم. والثالثة الوجود الإلكتروني الحقيقي للتنظيم، وقدرته على استقطاب أتباع جُدد.
وسبق أن حذر مسؤولون دوليون من أن تنظيم «داعش» سيعمل على إقامة «خلافة افتراضية» في الفضاء الإلكتروني يواصل من خلالها التواصل مع أنصاره وتجنيد الناشطين... ولم تتوقف وكالة «أعماق» ذراع التنظيم الإعلامية عن البث وتبني الاعتداءات والحض على تنفيذ هجمات، فيما لا يزال من الممكن الاطلاع بسهولة على نشرات التنظيم المتوافرة بلغات عدة، وهي تدعو مؤيدي «الخلافة»، أياً كانوا، وأكثر من أي وقت مضى إلى التحرك، وتمدهم بنصائح وشروح لتنفيذ اعتداءات قاتلة.
وقال الباحث عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن التنظيم يُجند عناصر جُدداً عبر الإنترنت، ويعرِّفهم طرق صناعة المتفجرات واستخدام الأسلحة وكيفية الهروب من مراقبة السلطات في الدول، وهؤلاء الأشخاص المجهولون هم «الذئاب المنفردة» أو «الخلايا النائمة»، ويتم التواصل مع هؤلاء المجندين الجُدد عبر حسابات وهمية وأسماء حركية وعبارات وألفاظ لا يعرفها إلا هم.
ويقول الخبراء إن الغرب واجه مأزقاً خطيراً تمثل في عودة مُقاتلي «داعش» إلى دولهم عقب خسائره في سوريا والعراق. وأكدوا أن «الخطورة الأكبر التي تُسبب لأوروبا فزعاً ليست في العمليات التي قد يقوم بها عناصر التنظيم، لكن في التمدد الداعشي والدعوة لمبادئ التنظيم واكتسابه أنصاراً ومتعاطفين جُدداً، حينها قد يكون من الصعب السيطرة على زحفهم وانتشارهم».
وعن هدف «داعش» من تنفيذ هذه الهجمات قبل أيام من حلول شهر رمضان، قال بان، إن «داعش» يُكثف من دعايته في شهر رمضان لأنه من وجهة نظره «هو شهر الجهاد»، وهذا ما يريد توصيله لعناصره المقاتلة للقيام بعمليات إرهابية خلال رمضان لنيل الثواب - على حد زعمهم - لافتاً إلى أن التنظيم يحاول أن يستغل أي ثغرة في أي دولة لينفذ من خلالها لتنفيذ أي من عملياته.
ودعا «داعش» في يونيو (حزيران) عام 2015 أن يكون رمضان هو شهر «الجهاد» و«التعرض للشهادة»، وذلك في تسجيل صوتي منسوب إلى المتحدث باسمه أبو محمد العدناني. وطالب العدناني في التسجيل الذي بثته مواقع وحسابات إلكترونية متطرفة حينها، عناصره بالحرص على «الغزو في هذا الشهر الفضيل والتعرض للشهادة فيه».
كما دعا «داعش» في تسجيل صوتي آخر في يونيو 2017 إلى شن هجمات في الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وأستراليا والعراق وسوريا وإيران والفلبين وفرنسا خلال شهر رمضان، ونشر التسجيل الصوتي على قناة التنظيم بتطبيق «تليغرام» ونسب إلى أبو الحسن المهاجر.
وقال الأكاديمي المصري، الدكتور محمد أحمد الدش، إن «التطورات الأخيرة في المواجهة مع تنظيم (داعش) وهزائمه المتلاحقة كشفت عن ترك بعض جنوده مناطق النزاع المسلح في سوريا والعراق، والتوجه إلى دول غربية، تلك التي ينتمي إليها بعض هؤلاء الجنود، وأول ما يتبادر إلى الأذهان هو قيام العائدين إلى بلادهم بعمليات إرهابية داخل هذه الدول على غرار ما حدث قبل ذلك من عمليات تفجيرية منفردة»، مشيراً إلى أن الخطورة الأكبر التي تسبب للغرب فزعاً ورعباً ليست في تلك العمليات وحدها، لكن في التمدد الداعشي داخل بلدانهم نتيجة الدعوة إلى مبادئ التنظيم واكتسابه أعواناً وأنصاراً ومؤيدين ومتعاطفين، حينها قد يكون من العسير السيطرة على زحفهم وانتشارهم، فتصبح تلك البلاد في وقت من الأوقات منطقة نزاع مُسلح.
ويتوعد «داعش» الغربيين دائماً بهجمات «تنسيهم» - على حد زعمه - هجمات نيويورك في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، كما توعَّد في تسجيلات الدول المُنضمة للتحالف الدولي ضده من بينهما أميركا وروسيا وبعض الدول العربية، بتنفيذ هجمات عنيفة، إذا لم يتوقفوا عن دعم أميركا في هجومها على التنظيم.
وقال مراقبون إن «داعش» بالفعل نفذ تهديداته في فرنسا، وهناك تهديدات كثيرة لم تتحقق بعد، قد تكون قيد التخطيط وقد تدخل فقط ضمن الحرب النفسية من التنظيم لتسهم في رسم الصورة التي يسعى من خلالها لإظهار قدرته على الوصول لجميع أنحاء العالم واكتساب صيت أو نفوذ عالمي.
وسبق أن بث العدناني تسجيلاً صوتيّاً عام 2014 وقال للمتعاطفين مع التنظيم: «إذا لم تنجح في إلقاء قنبلة، أو فشلت في فتح النار على مشرك (على حد قوله) فيمكنك طعنه بسكين أو ضربه بالحجر أو سحقه بسيارة»... وفي ديسمبر (كانون الأول) 2016 بث «داعش» إصداراً مرئياً، شرح خلاله طريقة استخدام السكاكين في القتل، والإصدار تناول طريقة استخدام السكاكين، والمواضع التي يجب تركيز الطعن فيها، وأفضل أنواع السكاكين ومواصفاتها.
من جانبه، قال اللواء عماد عبد المحسن، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية في مصر، إن الموقف على الأرض بالنسبة لتنظيم «داعش» الإرهابي صعب للغاية بسبب المقاومة العنيفة ضد التنظيم، لذا فهو يلجأ إلى استراتيجية التخويف بعمليات هنا وهناك عبر أشخاص غير معروفين، وهذه دلالة على الوضع الصعب وخسائره المتعددة، وانحسار نفوذه في المناطق التي يستولى عليها، وهروب الكثير من عناصره من أرض «الخلافة المزعومة».
وعن هجمات متوقعة أخرى لـ«داعش» في رمضان، قال أحمد بان، إن «التنظيم أصبح الآن أكثر حرية لأنه تخلص من أعباء القيادة في الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وأصبح الآن شغله الشاغل تهديد العالم».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.