«مناورات عكسية» لـ«داعش» بعد فقد الأرض

دعوة العدناني «رمضان شهر الجهاد» تلقى طريقاً

«داعش» تبنى سلسلة اعتداءات انتحارية على ثلاث كنائس في إندونيسيا (رويترز)
«داعش» تبنى سلسلة اعتداءات انتحارية على ثلاث كنائس في إندونيسيا (رويترز)
TT

«مناورات عكسية» لـ«داعش» بعد فقد الأرض

«داعش» تبنى سلسلة اعتداءات انتحارية على ثلاث كنائس في إندونيسيا (رويترز)
«داعش» تبنى سلسلة اعتداءات انتحارية على ثلاث كنائس في إندونيسيا (رويترز)

بهجمات انتحارية فردية وأسرية كانت تفاصيلها في فرنسا وإندونيسيا وأفغانستان وليبيا أخيراً، ظهر تنظيم «داعش» الإرهابي بقوة من جديد على المشهد، بعد أشهر من «الخفوت» عقب الهزائم التي مُني بها في الأراضي التي كانت تحت سيطرته في سوريا والعراق. الهجمات الداعشية تؤكد أن التنظيم يحاول لفت النظر إليه عقب فرار كثير من عناصره وفقدانه القدرة على السيطرة بعد سنوات من تصدر المشهد الدموي.

قال مختصون في الحركات الأصولية، وخبراء أمنيون، إن التنظيم نشط بقوة الأيام الماضية وقام بـ«مناورات عكسية» لتهديد دول العالم، بعد أن فقد أرض «الخلافة المزعومة». وأضاف الخبراء لـ«الشرق الأوسط»، إن استهداف «داعش» لعدد من الدول قبل شهر رمضان محاولة منه لإحياء دعوة عمرها 3 سنوات بأن رمضان «شهر الجهاد»... والتنظيم يعمل الآن من خلال ثلاثة مستويات: «الخلايا النائمة»، و«الذئاب المنفردة»، و«الأسرة الإرهابية الكاملة».
وشهدت الأشهر الماضية نجاحاً كبيراً في محاربة التطرف على المستوى العسكري، حيث نجح التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية في السيطرة على الأراضي التي كان يسيطر عليها «داعش»... وقد أسفر هذا عن تراجع كبير في قدرات التنظيم العسكرية والميدانية، ورغم أنه يحاول مواصلة نشاطه عبر شن هجمات خاطفة على بعض الدول، فإنه لم يحقق نتائج تذكر حتى الآن.
وتبنى «داعش» أخيراً اعتداءً إرهابيّاً بالسكين في ميدان «الأوبرا» بباريس أوقع قتيلاً و5 جرحى، وهو الحادث رقم 79 في مسلسل الهجمات الإرهابية التي ضربت العاصمة الفرنسية منذ وقوع حادث تولوز الذي عده خبراء نقطة الانطلاق لموجة الهجمات الإرهابية... ووفق معلومات من مصادر مقربة من التحقيقات، فإن «النيابة العامة في فرنسا كانت قد أدرجت منفذ الاعتداء الإرهابي من قبل على قائمة المتهمين بالتطرف».
وفي إندونيسيا، نفذت عائلة من 6 أفراد بينهم طفلتان سلسلة اعتداءات انتحارية استهدفت 3 كنائس في سورابايا ثاني أكبر المدن، ما أدى لمقتل 9 وإصابة 40 آخرين، وأعلن «داعش» مسؤوليته عن الاعتداءات... وتعد التفجيرات التي استهدفت الثلاث كنائس الأكثر دموية منذ سنوات.
وفي أفغانستان، تبنى تنظيم «داعش» قبل أيام الهجوم الذي استهدف مبنى حكوميّاً بمدينة جلال آباد شرق البلاد، وراح ضحيته 15 شخصاً، وخلّف عشرات الجرحى.
كما أعلن «داعش» مسؤوليته عن تفجيرين انتحاريين استهدفا مكاتب المفوضية العليا للانتخابات الليبية في طرابلس، وقتلا ما لا يقل عن 12 شخصاً عندما اقتحم مهاجمون المبنى وأضرموا فيه النار.
وقال أحمد بان، الخبير المتخصص في الحركات الأصولية بمصر، إن اعتداءات «داعش» الأخيرة على فرنسا وإندونيسيا وأفغانستان وليبيا عبارة عن «مناورات عكسية» نتيجة لتراجع سيطرة التنظيم في سوريا والعراق، فالتنظيم يسعى لمفهوم «الخلافة الافتراضية» على الإنترنت لجذب المزيد من الأتباع للقيام بأي عمليات في الدول دون الرجوع له، من خلال ثلاثة مستويات؛ الأول «الخلايا النائمة»، والثاني «الذئاب المنفردة»، والثالث هو مفهوم «الأسرة الإرهابية»، مثلما حدث في إندونيسيا، فضلاً عن تهديداته بتفجير كأس العالم واستهداف لاعبين بأسمائهم، وجميعها محاولة للظهور على المشهد من جديد بعد «خفوت» دام لأشهر.
ونشر «داعش» قبل 3 أيام صورة مرعبة تظهر «إرهابيين» وهم يقطعون رأسي نجمين كرويين ممددَيْن على أرضية ملعب كرة قدم، قبل أسابيع من انطلاق نهائيات كأس العالم في روسيا... وتعد هذه المرة الثانية التي يهدد «داعش» فيها بمهاجمة المونديال، بعد أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين نشر صورة لميسي، والنجم البرازيلي نيمار مقتولين من قبل «إرهابيين».
وقال مراقبون إنه قبل عامين اعتمد «داعش» من خلال منشوراته تطبيق فكرة «الذئاب المنفردة» التي يدعو من خلالها أتباعه في أي مكان بالعالم إلى تنفيذ عمليات إرهابية بأي شكل وبأي طريقة، دون الاعتماد على تخطيطات موسعة.
وأضاف المراقبون أن خطر «الذئاب المنفردة» بدأ يظهر الآن بعد سقوط التنظيم فعلياً، وذلك بسبب عوامل ثلاثة وهي: الأولى الخطورة الذاتية لفكرة «الذئاب المنفردة» نفسها. والثانية أنه مع سقوط التنظيم فإننا الآن أمام مشكلة «الفارين» من «داعش»، خصوصاً هؤلاء الذين خرجوا من بلدانهم دون أن تتمكن أجهزة الاستخبارات من التعرف عليهم وتحديد هوياتهم. والثالثة الوجود الإلكتروني الحقيقي للتنظيم، وقدرته على استقطاب أتباع جُدد.
وسبق أن حذر مسؤولون دوليون من أن تنظيم «داعش» سيعمل على إقامة «خلافة افتراضية» في الفضاء الإلكتروني يواصل من خلالها التواصل مع أنصاره وتجنيد الناشطين... ولم تتوقف وكالة «أعماق» ذراع التنظيم الإعلامية عن البث وتبني الاعتداءات والحض على تنفيذ هجمات، فيما لا يزال من الممكن الاطلاع بسهولة على نشرات التنظيم المتوافرة بلغات عدة، وهي تدعو مؤيدي «الخلافة»، أياً كانوا، وأكثر من أي وقت مضى إلى التحرك، وتمدهم بنصائح وشروح لتنفيذ اعتداءات قاتلة.
وقال الباحث عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن التنظيم يُجند عناصر جُدداً عبر الإنترنت، ويعرِّفهم طرق صناعة المتفجرات واستخدام الأسلحة وكيفية الهروب من مراقبة السلطات في الدول، وهؤلاء الأشخاص المجهولون هم «الذئاب المنفردة» أو «الخلايا النائمة»، ويتم التواصل مع هؤلاء المجندين الجُدد عبر حسابات وهمية وأسماء حركية وعبارات وألفاظ لا يعرفها إلا هم.
ويقول الخبراء إن الغرب واجه مأزقاً خطيراً تمثل في عودة مُقاتلي «داعش» إلى دولهم عقب خسائره في سوريا والعراق. وأكدوا أن «الخطورة الأكبر التي تُسبب لأوروبا فزعاً ليست في العمليات التي قد يقوم بها عناصر التنظيم، لكن في التمدد الداعشي والدعوة لمبادئ التنظيم واكتسابه أنصاراً ومتعاطفين جُدداً، حينها قد يكون من الصعب السيطرة على زحفهم وانتشارهم».
وعن هدف «داعش» من تنفيذ هذه الهجمات قبل أيام من حلول شهر رمضان، قال بان، إن «داعش» يُكثف من دعايته في شهر رمضان لأنه من وجهة نظره «هو شهر الجهاد»، وهذا ما يريد توصيله لعناصره المقاتلة للقيام بعمليات إرهابية خلال رمضان لنيل الثواب - على حد زعمهم - لافتاً إلى أن التنظيم يحاول أن يستغل أي ثغرة في أي دولة لينفذ من خلالها لتنفيذ أي من عملياته.
ودعا «داعش» في يونيو (حزيران) عام 2015 أن يكون رمضان هو شهر «الجهاد» و«التعرض للشهادة»، وذلك في تسجيل صوتي منسوب إلى المتحدث باسمه أبو محمد العدناني. وطالب العدناني في التسجيل الذي بثته مواقع وحسابات إلكترونية متطرفة حينها، عناصره بالحرص على «الغزو في هذا الشهر الفضيل والتعرض للشهادة فيه».
كما دعا «داعش» في تسجيل صوتي آخر في يونيو 2017 إلى شن هجمات في الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وأستراليا والعراق وسوريا وإيران والفلبين وفرنسا خلال شهر رمضان، ونشر التسجيل الصوتي على قناة التنظيم بتطبيق «تليغرام» ونسب إلى أبو الحسن المهاجر.
وقال الأكاديمي المصري، الدكتور محمد أحمد الدش، إن «التطورات الأخيرة في المواجهة مع تنظيم (داعش) وهزائمه المتلاحقة كشفت عن ترك بعض جنوده مناطق النزاع المسلح في سوريا والعراق، والتوجه إلى دول غربية، تلك التي ينتمي إليها بعض هؤلاء الجنود، وأول ما يتبادر إلى الأذهان هو قيام العائدين إلى بلادهم بعمليات إرهابية داخل هذه الدول على غرار ما حدث قبل ذلك من عمليات تفجيرية منفردة»، مشيراً إلى أن الخطورة الأكبر التي تسبب للغرب فزعاً ورعباً ليست في تلك العمليات وحدها، لكن في التمدد الداعشي داخل بلدانهم نتيجة الدعوة إلى مبادئ التنظيم واكتسابه أعواناً وأنصاراً ومؤيدين ومتعاطفين، حينها قد يكون من العسير السيطرة على زحفهم وانتشارهم، فتصبح تلك البلاد في وقت من الأوقات منطقة نزاع مُسلح.
ويتوعد «داعش» الغربيين دائماً بهجمات «تنسيهم» - على حد زعمه - هجمات نيويورك في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، كما توعَّد في تسجيلات الدول المُنضمة للتحالف الدولي ضده من بينهما أميركا وروسيا وبعض الدول العربية، بتنفيذ هجمات عنيفة، إذا لم يتوقفوا عن دعم أميركا في هجومها على التنظيم.
وقال مراقبون إن «داعش» بالفعل نفذ تهديداته في فرنسا، وهناك تهديدات كثيرة لم تتحقق بعد، قد تكون قيد التخطيط وقد تدخل فقط ضمن الحرب النفسية من التنظيم لتسهم في رسم الصورة التي يسعى من خلالها لإظهار قدرته على الوصول لجميع أنحاء العالم واكتساب صيت أو نفوذ عالمي.
وسبق أن بث العدناني تسجيلاً صوتيّاً عام 2014 وقال للمتعاطفين مع التنظيم: «إذا لم تنجح في إلقاء قنبلة، أو فشلت في فتح النار على مشرك (على حد قوله) فيمكنك طعنه بسكين أو ضربه بالحجر أو سحقه بسيارة»... وفي ديسمبر (كانون الأول) 2016 بث «داعش» إصداراً مرئياً، شرح خلاله طريقة استخدام السكاكين في القتل، والإصدار تناول طريقة استخدام السكاكين، والمواضع التي يجب تركيز الطعن فيها، وأفضل أنواع السكاكين ومواصفاتها.
من جانبه، قال اللواء عماد عبد المحسن، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية في مصر، إن الموقف على الأرض بالنسبة لتنظيم «داعش» الإرهابي صعب للغاية بسبب المقاومة العنيفة ضد التنظيم، لذا فهو يلجأ إلى استراتيجية التخويف بعمليات هنا وهناك عبر أشخاص غير معروفين، وهذه دلالة على الوضع الصعب وخسائره المتعددة، وانحسار نفوذه في المناطق التي يستولى عليها، وهروب الكثير من عناصره من أرض «الخلافة المزعومة».
وعن هجمات متوقعة أخرى لـ«داعش» في رمضان، قال أحمد بان، إن «التنظيم أصبح الآن أكثر حرية لأنه تخلص من أعباء القيادة في الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وأصبح الآن شغله الشاغل تهديد العالم».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».