أزمة نيكاراغوا مستمرة وحصيلة المواجهات 78 قتيلاً

المحتجون يرفعون سقف مطالبهم ورحيل الرئيس أورتيغا

أزمة نيكاراغوا مستمرة وحصيلة المواجهات 78 قتيلاً
TT

أزمة نيكاراغوا مستمرة وحصيلة المواجهات 78 قتيلاً

أزمة نيكاراغوا مستمرة وحصيلة المواجهات 78 قتيلاً

كانت الشرارة التي فجَّرَت الغضب الشعبي منذ خمسة أسابيع قانون إصلاح معاشات التقاعد من خلال زيادة مساهمات الأفراد. ومع أن الحكومة تراجعت عنه بسرعة، إلا أنّ الاحتجاجات ضد القانون أصبحت ذريعة لحركة سخط أوسع، للتنديد بنقص الحريات والمطالبة باستقالة رئيس الدولة. إلا أن الرئيس الثوري دانيال أورتيغا غير مستعد للاستسلام على ما يبدو. وقال عالم الاجتماع والمحلل أوسكار رينيه فارغاس، ردّاً على أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية إن «أورتيغا لن يتخلى عن الحكم كيفما كان، سيقاوم حتى النهاية». وأضاف: «لن يتحرك من هنا، حتى يصبح من المتعذر السيطرة على الوضع».
وأوضح فارغاس، أن الولايات المتحدة، الشريك التجاري الأساسي لنيكاراغوا، لم تتخذ تدابير ضاغطة قوية بما فيه الكفاية لإطاحة الحكومة. وأصدرت واشنطن الجمعة تحذيراً جديداً. ودانت وزارة الخارجية في بيان «أعمال العنف الأخيرة التي قام بها رعاع تسيطر عليهم الحكومة، وأدت إلى وفيات جديدة من المتظاهرين في نيكاراغوا».
وقبل يومين، أسفرت مواجهات بين معارضي أورتيغا وأنصاره عن قتيلين و54 جريحاً.
وأعلنت الخارجية الأميركية أنه «على الحكومة النيكاراغوية تأمين الظروف الملائمة لحوار موثوق به ومنفتح على الجميع، وضمان سلامة المشاركين فيه»، داعية السلطة التنفيذية إلى متابعة توصيات المحكمة الأميركية لحقوق الإنسان. وكانت هذه المحكمة نددت الاثنين بالاستخدام المفرط للقوة من أجل قمع التظاهرات وطالبت بوقف العنف الذي تقوم به الشرطة.
وأشار هذا الخبير إلى أن الرئيس ما زال يستفيد من الدعم الأساسي لأوساط رجال الأعمال حلفائه الأساسيين خلال 11 عاماً في الحكم، وإن كان هذا الدعم يتفتت على ما يبدو. وأعرب رؤساء المؤسسات عن تضامنهم «شفهيّاً» مع المظاهرات ضد الحكومة التي بدأها الطلبة في 18 أبريل (نيسان). لكنهم لم يرغبوا في الانضمام إلى حركة الإضراب الوطني الأخيرة، فيما فعلوا ذلك خلال التمرد على ديكتاتورية سوموزا (1934 - 1979)، كما ذكر فارغاس.
المواجهات أوقعت 78 قتيلاً و900 جريح. ووقف الحوار الوطني في نيكاراغوا، على الرغم من وساطة الكنيسة التي طالبت بها الحكومة، ولم يتراجع الغضب الشعبي، وقسم من الناس يطالبون باستقالة الرئيس أورتيغا، المقاتل السابق، 72 عاماً، بطل الثورة الساندينية التي أطاحت بالديكتاتورية في 1979، تولى حكم البلاد بعد ذلك حتى 1990، ثم عاد إلى الحكم منذ 2007.
لكن حتى الآن، لا يرتسم في الأفق أي حل فوري للأزمة، فيما علق المؤتمر الأسقفي الأربعاء الحوار الوطني بعد ساعات من بدئه فقط، لأنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والمعارضين.
يضاف إلى الحصيلة البشرية الكبيرة للتظاهرات تأثير الإضرابات وعمليات نهب المتاجر وإقفال الطرق، على الاقتصاد. فقد خفضت الحكومة توقعاتها للنمو من ما بين 4.7 و5.2 في المائة إلى ما بين 3 و3.5 في المائة. وهرب السياح من البلاد.
وأكد فيكتور كوادراس أحد قادة الطلبة لحركة الاحتجاج، أنهم «منقسمون» بين الذين يريدون بقاء أورتيغا في الحكم حتى الانتخابات الرئاسية في 2021، والذين يرغبون في استقالته المبكرة. وتسعى منظمة الدول الأميركية أيضاً إلى ممارسة ضغط على دانيال أورتيغا، واقترحت إجراء انتخابات مبكرة. وقال أمينها العام لويس الماغرو الأربعاء، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية، إن «أي شخص يعتقد أنه يتوافر لنيكاراغوا حل غير الحل الانتخابي يرتكب خطأ فادحاً».
وأكد خوسيه باليه النائب السابق لوزير الخارجية والنائب السابق للمعارضة «وجود عرقلة للحوار وهذا أمر خطير، لأنه قد يؤدي إلى استمرار وضع البلاد غير المستقر، حيال تعنت الحكومة». وأضاف في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية أن دانيال أورتيغا «لا يريد تعرض حكمه للخطر»، وأن المتظاهرين ليسوا مستعدين للخروج من الشوارع لأنهم يعرفون أنهم إذا ما فعلوا ذلك «ستزداد قوة الديكتاتورية، ويصبح القمع أقوى، وستحصل حملة من العنف الانتقائي».
وكشف استطلاع للرأي أعدته مؤسسة «كيد - غالوب» بين 5 و15 مايو (أيار)، أن 63 في المائة من النيكاراغويين باتوا يطالبون برحيل الرئيس.



أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
TT

أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)

في إطار سعيهما لتعزيز قبضتهما على السلطة، يهاجم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونائبته وزوجته روزاريو موريو الكنيسة الكاثوليكية، بعدما عملا على سجن أو نفي شخصيات معارضة.
بدأ المقاتل السابق في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بدعم قوي من زوجته، بالتأسيس لاستمرارية في السلطة منذ عودته إليها في عام 2007. وسمحت تعديلات دستورية في العامين 2011 و2014 برفع الحظر المفروض على إعادة انتخاب الرئيس، الذي كان منصوصاً عليه سابقاً في الدستور، حسبما تقول عالمة الاجتماع إلفيرا كوادرا التي تعيش في المنفى في كوستاريكا.
وتشير كودارا لوكالة «الصحافة الفرنسية» إلى أن أورتيغا (76 عاماً) «حوّل بذلك شكل الحكومة التي نصّ عليها الدستور» من أجل الانتقال إلى نظام «استبدادي» يضع «صنع القرار المطلق في أيدي الثنائي الرئاسي».
ومنذ القمع الدامي لاحتجاجات عام 2018 التي كانت تُطالب باستقالة الزوجيْن، تمرّ نيكاراغاوا بـ«أزمة مطوّلة لا يمكن تخطّيها» لأن أورتيغا وزوجته «أكّدا استمراريتهما في السلطة خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ومن خلال مأسسة الدولة البوليسية».
وأُعيد انتخاب أورتيغا لولاية رابعة على التوالي خلال انتخابات غاب عنها جميع منافسيه الأقوياء المحتملين، بسبب اعتقالهم أو إرغامهم على العيش في المنفى.
ولطالما دان المجتمع الدولي أفعال النظام في نيكاراغوا. وطالبت منظمة الدول الأميركية، أول من أمس الجمعة، الحكومة في نيكاراغوا بوقف «المضايقات والقيود التعسّفية» بحق المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات الدينية والمعارضين. وطالبت أيضاً بـ«الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين الذين يُقدّر عددهم بنحو 190».
ويعتبر المحلل والنائب السابق في نيكاراغوا إيليسيو نونييز، الذي يعيش هو أيضاً في المنفى، أن جبهة التحرير الوطني الساندينية «تنتقل من موقع الحزب المهيمن إلى موقع الحزب الواحد (...) مع خلق عبادة شخصية لا مثيل لها حالياً في أميركا اللاتينية».
ومنذ عام، تمّ اعتقال 46 معارضاً أو مجرد منتقد للحكومة وحُكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 13 عاماً. وكان سبعة منهم يريدون الترشّح إلى الرئاسة.
- قمع الإعلام
وكانت وسائل الإعلام أيضاً من الأهداف الأولى للسلطة.
لم تعد صحيفة «لا برينسا» La Prensa، التي كانت تنشر نسخة ورقية، موجودة إلّا على الإنترنت، بعدما اختار صحافيوها المنفى خوفاً من الاعتقال، وذلك عقب مصادرة مقرّها وزجّ مديرها لورينزو هولمان بالسجن.
وأغلقت السلطات أيضاً المحطة التلفزيونية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، بالإضافة إلى عدة إذاعات في أبرشيات مختلفة، وعشرات وسائل الإعلام المستقلة.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. أصدرت نيكاراغوا تشريعاً يستهدف الذين يتلقون أموالاً من الخارج ويفرض تسجيلهم لدى السلطات بصفة «عملاء أجانب». وأثار هذا القانون انتقادات المجتمع الدولي لما يشكله من خطر على الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وبموجب هذا القانون، اعتبرت أكثر من ألف مؤسسة ومنظمة غير حكومية كان بعضها يكرّس عمله للدفاع عن حقوق الإنسان، غير قانونية. وأغلقت جامعات خاصة ومنظمات ثقافية بين عشية وضحاها.
في يوليو (تموز) اضطرت راهبات مجمّع الإرساليات الخيرية الذي أسسته الأم تيريزا، إلى الرحيل من نيكاراغوا، وطُردن كأنّهن «منبوذات»، حسبما قال مركز نيكاراغوا للدفاع عن حقوق الإنسان.
- «كنيسة صامتة»
وتُظهر الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها آخر معقل يحمي من الإجراءات التعسّفية. لكن الموالين للحكومة يعتبرون الكهنة والأساقفة الذين ينتقدون النظام «أنبياء مزيّفين».
ومنعت الشرطة أسقف ماتاغالبا (شمال شرق) المونسنيور رولاندو ألفاريز من التنقّل، منذ 4 أغسطس (آب)، مما يعكس ذروة الأزمة مع نظام يسعى إلى إسكات رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المحلية لقمع أصوات المعارضة.
وقال ألفاريز في إحدى عظاته: «لطالما أرادت الحكومة كنيسة صامتة، لا تريدنا أن نتكلّم وأن نندّد بالظلم».