عادت أطراف الاتفاق النووي أمس، إلى طاولة المفاوضات في فيينا، لبحث تداعيات خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، بحضور مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو. ومنحت طهران مهلة للدول الأوروبية حتى نهاية مايو (أيار) الحالي، لتقديم ضمانات اقتصادية وقانونية تشمل حزمة مقترحات للبقاء في الاتفاق النووي، وذلك بعد يومين من تحديد المرشد الإيراني علي خامنئي شروطاً خمسة لبقاء طهران ضمن الاتفاق. وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إن مستقبل الاتفاق النووي سيحدد في طهران بعدما يجري فريقه مفاوضات خلال الأيام المقبلة حوله.
وجاء الاجتماع الحادي عشر بناء على طلب قدمته الخارجية الإيرانية لمناقشة تداعيات خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 8 مايو الحالي. وبحث الاجتماع هلغا شميد مساعد مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وشارك فيه مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو، إضافة إلى ممثلين من الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) وروسيا والصين.
وقبل الاجتماع بيوم، أصدرت الوكالة الدولية بيانها الحادي عشر تؤكد فيه التزام إيران بالاتفاق النووي، إلا أنها في الوقت نفسه ذكرت أن طهران لا تقوم بما ينبغي القيام به في عمليات التفتيش، وهو الأمر الذي حددته الإدارة الأميركية ضمن 12 شرطاً للعودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق شامل يشمل سلوك إيران بموازاة برنامجها النووي.
وبدا من مواقف المسؤولين الإيرانيين أن طهران مصممة على رهن مستقبل الاتفاق النووي بمواقف الدول الأوروبية بغض النظر عن الموقفين الروسي والصيني. وذلك على الرغم من بعض التوجس في الدوائر الإيرانية عن احتمال تغيير الصين إذا عادت العقوبات على طهران. وناقش الاجتماع بيع النفط والغاز الإيراني، والعلاقات المصرفية، والنقل الجوي.
وقال نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن المحادثات مع القوى الأوروبية بشأن حزمة اقتصادية تهدف إلى إنقاذ اتفاق إيران النووي «ستستمر»، مشیراً إلى أن طهران تتفاوض في الوقت الحالي لمعرفة ما إذا كان بوسع الأوروبيين أن يقدموا حزمة يمكن فعلياً أن تعطي إيران مزايا رفع العقوبات أم لا، ثم بعد ذلك الخطوة التالية ستكون البحث عن ضمانات لتلك الحزمة، «ونحن نريد التزامات قانونية وسياسية من أطراف (الاتفاق) الباقية». ونقل مراسل قناة «بي بي سي» الفارسية كسرى ناجي عن عراقجي قوله: «نتوقع من أوروبا طرح حزمة (الوعود) بحلول الأسبوع المقبل».
وهو ما نقلته وكالة «رويترز» على لسان مصدر مطلع أمس، أن طهران تريد من القوى الأوروبية أن تقدم لها حزمة إجراءات اقتصادية بنهاية مايو الحالي، مشدداً على أن طهران ستقرر في غضون أسابيع قليلة إن كانت ستبقى في الاتفاق أم لا. وقال المسؤول الإيراني: «نتوقع تلقي الحزمة (الاقتصادية) بحلول نهاية مايو... يؤسفني القول إننا لم نرَ الخطة البديلة بعد. الخطة البديلة بدأت تظهر تواً».
في شأن متصل، أوردت وكالة الأنباء الرسمية «إرنا» عن مصدر مطلع على تفاصيل ما يجري في الفريق النووي الإيراني، أن «الحضور الرمزي» أمانو أتى بدعوة من اللجنة المشتركة في الاتفاق، بهدف توجيه رسالة مفادها أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية المرجع الوحيد لإعلان التزام إيران بالتزامات النووي وفق الاتفاق.
المصدر أوضح في الوقت نفسه: «لا طرف غير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يملك أهلية للحديث حول التزامات إيران النووية»،كاشفاً عن مباحثات منفصلة أجراها عراقجي مع ممثلة الاتحاد الأوروبي ورئيس الوفد الروسي المشارك في الاجتماع.
في الاتجاه نفسه، نقلت وكالات إيرانية عن عراقجي أن الدول الأوروبية «تعهدت بالتجاوب مع المطالب الإيرانية لإجراء مفاوضات مكثفة في مجالات النفط والبنوك والقضايا المتعلقة بالاستثمار والتجارة والتأمين والمال للتوصل إلى حلول عملية لضمان المطالب الإيرانية»، مضيفة أن أطراف الاتفاق النووي طمأنت الفريق المفاوض بحفظ الاتفاق. كما أشارت إلى ضرورة التوصل إلى إجماع في مختلف المستويات.
ورأى دبلوماسيون أن احتمالات إنقاذ الاتفاق ضعيفة. ويحاول مسؤولون في أطراف الاتفاق النووي التوصل إلى استراتيجية مع نائب وزير الخارجية الإيراني حتى يتسنى استمرار تدفق النفط والاستثمارات، وفق ما نقلت «رويترز». وقال مسؤول إيراني كبير للصحافيين قبل محادثات اليوم: «بصراحة... لسنا واثقين».
وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية عن المندوب الروسي ميخائيل أوليانوف بأنه أبدى «تفاؤلاً» بعد الاجتماع، عندما أشار إلى امتلاك أطراف الاتفاق النووي فرصاً للنجاح «شرط الإدارة السياسية»، مضيفاً أنه «يجب أن أقول إن خطة التحرك الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) مكسب دولي كبير، ليس ملكاً للولايات المتحدة، بل للمجتمع الدولي كله».
وتوقف أوليانوف عند أبرز المخاوف الإيرانية في الفترة المقبلة، وهي عودة ملفها لمجلس الأمن. وقال إن احتمال إعادة الملف إلى الأمم المتحدة «لم يناقش خلال هذا الاجتماع».
وبحسب آليات الاتفاق النووي، فإن اللجنة المشتركة تعقد اجتماعاً حول إذا ما تلقت طلباً من أحد الأطراف أم لا. وقالت إيران إنها ستقدم شكوى إلى اللجنة ضد الخطوة الأميركية. وتتطلب الشكوى عقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية بعد مناقشتها بين الخبراء. وإذا وصل الاجتماع إلى نتائج ملموسة، فإن الملف سيحال إلى مجلس الأمن لإعادة التصويت حول عودة العقوبات. ورغم إصرار طهران على بحث تقديم الشكوى في اللجنة، فإنها لا تريد عودة الملف إلى مجلس الأمن. وفي حال عودة الملف إلى مجلس الأمن، فإن الفيتو الأميركي سيعادل انهيار الاتفاق النووي وعودة العقوبات السابقة وفق قرارات الأمم المتحدة الملغاة بموجب الاتفاق النووي.
وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أجرى مفاوضات مع نظرائه في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بحضور مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي حول مسار الاتفاق من دون الولايات المتحدة، ونقل رسالة القادة الإيرانيين بالحصول على ضمانات قانونية واقتصادية لضمان مصالح طهران في الاتفاق، لكن موغيريني أعلنت حينها أن الدول الأوروبية لا تقدم ضمانات إلا أنها تحاول البحث عن وسيلة تمكن إيران من الحصول على مزايا اقتصادية لإنقاذ الاتفاق من حافة الهاوية.
ولم يتضح بعد إذا كان الاجتماع ناقش شروطاً أعلنها الاثنين الماضي مايك بومبيو حول البرنامج النووي الإيراني ورد عليها المرشد الإيراني علي خامئني الأربعاء بشروط مشددة موجهة للأوروبيين، وأرسلت مؤشراً إلى احتمال دخول الاتفاق مسار اللاعودة بين طهران والدول الغربية، أم لا.
ومع ذلك، أعادت وكالة أنباء «إيسنا» الحكومية ضمن تغطيتها تفاصيل اجتماع أمس التذكير بشروط خامنئي، في مؤشر على أن إيران اعتمدت شروطاً حددها المرشد الإيراني في مفاوضات أمس. وبين الشروط أن «تتوقف تلك الدول عن مناقشة ملف الصواريخ ونفوذ إيران الإقليمي»، وأن تصدر قراراً «يدين» الولايات المتحدة لخروجها من الاتفاق النووي الذي ينص عليه القرار الأممي 2231، وأن تقدم ضمانات لحصول إيران على تعويضات ضد أي عقوبات بما فيها العقوبات الأميركية، وأن تضمن بيع النفط الإيراني وأن تقيم علاقات تجارية مع البنوك الإيرانية.
وبعد إعلان خامنئي، أعلن روحاني أنه سيتوجه خلال الأيام المقبلة إلى فيينا وجنيف وبكين لبحث المطالب الإيرانية، وذلك بعد أسبوع من جولة ظريف التي شملت موسكو وبكين وبروكسل لبحث تداعيات الاتفاق، وكان الوزير الإيراني وصف مباحثاته في الصين وروسيا بـ«المعقدة» قبل أيام.
بدوره، قال وزير الخارجية الإيراني إن أخذ تلك الضمانات من الأوروبيين ليست مستحيلة، لافتاً إلى أن أطراف الاتفاق «يجب أن تناقش تعويض خروج الولايات المتحدة»، وهو ما اعتبره في تصريح لوكالة «إيلنا» الحكومية كلمة السر وراء اجتماع اللجنة.
وصرح ظريف بأن الاجتماع ناقش رسالة وجهها سابقاً إلى مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني حول تجاوزات إيران والخروج من الاتفاق النووي.
وقال رداً على سؤال حول إمكانية إحالة ملف إيران لمجلس الأمن وعودة العقوبات بعد الشكوى الإيرانية إلى اللجنة المشتركة في الاتفاق، إنه «محتمل» إذا نقل أحد الأطراف الملف إلى مجلس الأمن، مضيفاً أن «الولايات المتحدة خرجت من الاتفاق النووي ولا يمكنها أن تقدم على ذلك»، مشيراً إلى أنه «لا يوجد مبرر أن يقدم أحد الأطراف على فعل ذلك، لأن إيران ملتزمة بتعهداتها».
وشدد وزير الخارجية الإيراني على أن مستقبل الاتفاق النووي سيحدد في طهران، مشيراً إلى أنها تدرس كل السيناريوهات، لكنه تابع أيضاً أنه «يجب أن نرى ماذا يحدث في المستقبل، درسنا كل الاحتمالات وسنأخذ كل الظروف بعين الاعتبار إذا قررنا الخروج من الاتفاق النووي».
وعن إمكانية تحقيق المطلب الإيراني بأخذ ضمانات أوروبية، قال ظريف: «يجب أن نرى على ماذا نحصل (في أوروبا) ثم نعود إلى طهران ونقدم (المعطيات) إلى كبار المسؤولين وسيكون القرار في طهران»، معرباً عن اعتقاده أن الحصول على ضمانات «ليس أمراً مستحيلاً، لكن يجب أن نعلم ماذا بإمكاننا أن نحصل عليه»..
إيران تمهل أوروبا أسبوعاً لتقديم ضمانات تحافظ على الاتفاق النووي
ظريف يستبعد إحالة ملف بلاده إلى مجلس الأمن
إيران تمهل أوروبا أسبوعاً لتقديم ضمانات تحافظ على الاتفاق النووي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة