بلجيكا: مطاعم تنظم إفطاراً مجانياً في رمضان

موائد الرحمن في المساجد والمراكز الإسلامية يومياً

غالبية من المسلمين في سوق بلدية مولنبيك في بروكسل
غالبية من المسلمين في سوق بلدية مولنبيك في بروكسل
TT

بلجيكا: مطاعم تنظم إفطاراً مجانياً في رمضان

غالبية من المسلمين في سوق بلدية مولنبيك في بروكسل
غالبية من المسلمين في سوق بلدية مولنبيك في بروكسل

على بعد أمتار قليلة من محطة قطار جنوب بروكسل، يوجد أحد أكبر الشوارع التجارية، الذي يضم محلات ومطاعم ومقاهي عربية وإسلامية في العاصمة البلجيكية، وفيها يكون الإقبال كبير على المحلات لشراء احتياجات الشهر الكريم والتحضير للإفطار، بينما تتحول بعض المطاعم والمقاهي إلى موائد للرحمن، سواء في بروكسل أو في مدن بلجيكية أخرى تضم أعدادا كبيرة من الجاليات المسلمة.
وتقدم تلك المطاعم إفطارا مجانيا للمسلمين وخاصة من المهاجرين، الذين يعيشون بمفردهم وجاءوا بغرض الدراسة أو العمل، أو من لا يحمل منهم أوراق الإقامة القانونية في البلاد.
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، يقول بسام، وهو شاب في العشرينات من عمره وفضل عدم ذكر جنسيته: «إنه اعتاد على الحضور إلى حي ليمونييه القريب من محطة قطار جنوب بروكسل، حيث يلتقي بأبناء الجالية المسلمة من جنسيات مختلفة على موائد الإفطار الجماعي، وفي أحيان أخرى يذهب إلى موائد الرحمن التي تنظمها المساجد والمراكز الإسلامية يوميا»، وأضاف أنه «يفضل الإفطار مع الآخرين حتى يعيش أجواء رمضان».
ويقول سفيان الجزائري إنه لا يحمل أوراق إقامة ويعيش بمفرده، ويأتي إلى هذا المكان لتناول الإفطار مع الآخرين في ظل أجواء إسلامية وعربية، حيث تقدم لهم الحريرة المغاربية والحليب والتمر. ويؤكد مصطفى، وهو دارس مصري في بروكسل، على أن حضور الإفطار الجماعي في أحد مساجد بروكسل يجعله لا يشعر بالوحدة في رمضان الذي اعتاد أن يمضيه وسط أجواء عائلية في القاهرة.
وفي المحلات التجارية تجد إقبالا على شراء الحلويات المغاربية المعروفة، التي تعرض أمام المحلات لتجذب مزيدا من المشترين الذين يشتهون تلك الحلويات والخبز قبل الإفطار، مما يدفعهم لشرائها حتى لو كان يعلم مسبقا أنه لن يأكل منها سوى كمية قليلة بعد الإفطار. وأشار المغربي ياسين (في الثلاثين من عمره) إلى أن السلع والبضائع التي اعتاد عليها في المغرب موجودة في المحلات التجارية وفي الأسواق الأسبوعية، التي تنظم في معظم أنحاء بروكسل، هذا إلى جانب شراء الخضراوات والفواكه واللحوم بأنواعها المختلفة.
وفي المساجد والمراكز الإسلامية تتوافد أعداد كبيرة من الصائمين، ويقول تامر أبو السعود مدير المركز الإسلامي والثقافي في بروكسل، إن هناك نحو 300 شخص يأتون يوميا للإفطار داخل المركز، هذا إلى جانب تنظيم أنشطة أخرى خلال الشهر الكريم لزوار المركز الإسلامي والثقافي، ويتم تقديم مساعدات للبعض ممن يحتاجون للمساعدة في هذا الشهر، فضلا عن تنظيم دروس دينية وتوزيع الزكاة، وغير ذلك.
كما تنظم المساجد والمراكز الإسلامية إفطارا جماعيا بحضور المسلمين وغير المسلمين، لترسيخ قيم التسامح والعيش المشترك، وخاصة في هذه الفترة الحرجة من وجهة نظر البعض، التي أعقبت هجمات بروكسل في مارس (آذار) 2016، وتوجيه اتهامات من البعض للمسلمين.
ويعيش في بلجيكا نحو مليون مسلم من جنسيات مختلفة، وجاء الجيل الأول منهم في نهاية الخمسينات ومطلع الستينات، وبالتحديد من شمال أفريقيا، للعمل في إعادة إصلاح ما دمرته الحرب العالمية الأولى في بلجيكا ودول أوروبية أخرى. وتعاقبت بعد ذلك الأجيال وأصبحوا جزءا من نسيج المجتمع البلجيكي. وتقول تقارير وإحصائيات إن نصف سكان العاصمة بروكسل في عام 2050 سيكون من المسلمين.



«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.