السباق المبكر نحو الرئاسة يعمق أزمة الحكومة التونسية

TT

السباق المبكر نحو الرئاسة يعمق أزمة الحكومة التونسية

عقدت اللجنة الفنية لـ«وثيقة قرطاج 2» المكلفة وضع خريطة طريق أمام حكومة الوحدة الوطنية التونسية، التي يقودها يوسف الشاهد، اجتماعا أمس، بعد تأخير دام ثلاثة أيام بحجة إجراء مزيد من المشاورات حول الأولويات التي تطالب الحكومة بتنفيذها، ومصير رئيس الحكومة، ومآل الدعوة الرامية إلى إلزامه بعدم الترشح إلى الانتخابات الرئاسية، التي ستجرى في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من السنة المقبلة، في حال أصر على مواصلة رئاسة الحكومة.
وعلى الرغم من الأولويات الاجتماعية والاقتصادية الهامة، التي تحملها «وثيقة قرطاج 2»، فإن الملف السياسي كان العنصر الأهم في النقاشات وفق متابعين للشأن السياسي التونسي، واتضح جليا أن قيادات سياسية تعمل على قطع الطريق أمام طموحات يوسف الشاهد في رئاسية 2019، وهذا يشمل حركة النهضة من خلال دعوة راشد الغنوشي إلزام الشاهد بعدم الترشح، وكذلك قيادات من حزب النداء، التي ظلت مواقفها ضبابية تجاه دعم حكومة الشاهد، أو التخلي عنها.
وجاء تأجيل اجتماع اللجنة يوم الجمعة الماضي بطلب من رئاسة الجمهورية، بحجة بلورة الوثيقة النهائية لخريطة الطريق بشكل أفضل، وهو ما زاد من درجة الغموض، خاصة أنه كان تم الاتفاق النهائي بشأن المحاور الاجتماعية والاقتصادية سابقا، لكن رغم ذلك بقي الغموض يلف مصير حكومة الشاهد.
وبشأن ما تم الاتفاق حوله قبل اجتماع الأطراف السياسية والاجتماعية الموقعة على «وثيقة قرطاج 2»، قال رضا الشكندالي، ممثل حركة النهضة في اللجنة الفنية، إن الوثيقة «تضمنت أكثر من 80 إجراء موزعة على ثلاثة محاور: المحور الاقتصادي الذي يشمل خمسة أبواب، وهي السّياسة الاقتصاديّة في إصلاح المؤسّسات والمنشآت العموميّة، وإصلاح الصّناديق الاجتماعيّة، والإصلاح الإداري والوظيفة العموميّة، وإصلاح منظومة الدّعم. أما المحور الاجتماعي فقد قدم مقترحات بتخصيص منحة للعاطلين عن العمل، وإجراءات أخرى تخص التشغيل، إلى جانب المحور السياسي، والحوار حول التعديل الوزاري، سواء أكان شاملا أم جزئيا».
ووفق أطراف سياسية واجتماعية شاركت في اجتماع أمس، فإنه لن يصدر عن اللجنة الفنية لوثيقة قرطاج 2 أي قرارات، لكنها ستعمل فقط على إنهاء النقاش حول المحاور ذات الأولوية، وإعداد الوثيقة بتفاصيلها، قبل أن تمررها إلى الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج، التي ستمضي عليها في اجتماع يشرف عليه الرئيس الباجي قائد السبسي، وتوقعت أن يكون هذا الاجتماع نهاية الأسبوع الحالي.
وخلال هذا الماراثون من الاجتماعات، هدد الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، الطرف القوي في وثيقة قرطاج الأولى والثانية، بالانسحاب إذا لم يتم الأخذ بالمقترحات والتصورات المتفق عليها، وهو ما قد يفتح المشهد السياسي على سيناريوهات غامضة، ويمدد الأزمة السياسية والاجتماعية، ويهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي للبلاد.
وكان اتحاد الشغل قد طالب بتغيير رئيس الحكومة، واتهمه بالفشل في تنفيذ أولويات وثيقة قرطاج الأولى، وفي مقدمتها تحقيق التنمية والتشغيل، والقضاء على التفاوت بين الجهات. وقد التقطت عدة أطراف سياسية، بينها حزبا الائتلاف الحاكم القويان (حركة النهضة وحزب النداء)، هذه الدعوة، وحاولت الضغط لإلزام يوسف الشاهد وحكومته بعدم الترشح إلى الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، وعدم استغلال منصبه الحالي في تهيئة الظروف التي تخدم طموحاته السياسية.
وكان راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، قد دعا يوسف الشاهد السنة الماضية إلى الإعلان بشكل رسمي أنه غير مهتم بانتخابات 2019، وأبدى تخوفه من أن تكون حكومة الشاهد أو رئيسها، أو بعض وزرائها، يفكرون في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها سنة 2019.
في غضون ذلك، ذكرت أمس صحيفة محلية أن الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي قرر عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وأكدت أنه سيعلن عن هذا القرار قبل نحو شهرين من موعد الانتخابات المقررة في شهر نوفمبر المقبل.
وكانت عدة أطراف سياسية قد نبهت إلى وجود اتفاق ضمني بين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي منذ اجتماع باريس سنة 2012، والذي أفضى إلى اتفاق بينهما حول تولي الباجي الرئاسة إلى سنة 2019، ليتم تسليمها إلى الغنوشي بداية من التاريخ نفسه، وإعلان عدم ترشحه بسبب تقدمه في السن. وفي حال ثبوت قرار الباجي التخلي عن الترشح إلى الانتخابات الرئاسية، فإن جانبا مهما من الاتفاق الغامض بين الرجلين قد يجد طريقه نحو التنفيذ، ويفسح المجال لترشح الغنوشي إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ترشح ممكن، خاصة أن قيادات حركة النهضة لم تنفه.



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.