ليس عن عبث أُطلق اسم «بلاد الأرز» على لبنان لا سيما أن هذه الشجرة المعمّرة تتشابك مع هوية اللبنانيين، الذين اعتادوا رؤيتها على علم لبنان كما على وثائق رسمية يحملونها أينما ذهبوا. وانطلاقاً من الرمزية التي تشكلها شجرة الأرز في لبنان تقيم ساندرا خير صهيون معرض رسم بعنوان «الأرز فينا».
«إنّه بمثابة مساحة ملونة اخترتها لأروي فيها علاقتنا الوطيدة مع أرز لبنان»، تقول الفنانة التشكيلية التي يتضمن معرضها في «بيت بيروت» نحو 25 لوحة من الأكليريك والأكواريل و4 منحوتات تحكي جميعها عن أرز لبنان. وتضيف خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لطالما تساءلت عن هويتنا اللبنانية وما يربطنا ببلدنا حتى في بلاد الانتشار. وعندما كنت أزور غابة الأرز في الشوف جاءني الجواب الشّافي إذ لامستني ضخامة هذه الشجرة وجذورها التي تعود لآلاف السنين فشعرت بتأثيرها غير المباشر علينا والذي لم نحاول يوماً تفسيره».
وتزودنا ساندرا خير صهيون في لوحاتها برسائل مختلفة تختزل بمعانيها قدرة هذه الشجرة على توحيد اللبنانيين. فبنظرها أنّه مهما تعرض أهل لبنان لحروب وعانوا من احتلال لأراضيه على مرّ التاريخ فهم سيبقون مسمّرين بأرضهم تماماً كشجرة الأرز التي حولتها في رسوماتها إلى روح تحيا داخل كلٍّ منّا.
ففي منحوتة «كلنا» التي أرادت الإشارة فيها إلى أول كلمة نردّدها في النشيد الوطني اللبناني، صوّرت مجموعة من الناس بأوراقها المسننة يتوزعون هنا وهناك ليؤلفوا معاً شكل أرزة متراصّة الأغصان للدّلالة على وحدة شعب أخفق الزمن في تفريقه.
أمّا في «الجذور المسافرة» فتصور الفنانة اللبنانية القوة التي يتزود بها المغترب اللبناني انطلاقاً من جذوره، مازجةً في صورة سوريالية ما بين حقائبه وشجر الأرز كأنّه يحملها معه في تنقلاته. وفي لوحتي «الأرز في ذاكرته» و«الأرز في ذاكرتها» تتناول ساندرا الدور الذي يلعبه كل من المرأة والرجل تجاه وطنهما لبنان انطلاقاً من الأرزة التي تسكن أفكارهما. ولم تنسَ أيضاً الإشارة في لوحة «الأرزة والأم الحامل» إلى جيل جديد ينمو في رحم مشبع بعصارة عطر الأرز الجاري في شرايين الأم وابنها. «أرزة لبنان في رأيي ليست مجرد جواز سفر مطبوعة فيه أو أسطورة نتغنى فيها بل هي روح تعيش فينا وعلينا أن نحافظ عليها ونجعلها تكبر معنا» توضح ساندرا خير صهيون.
ولعل ضخامة شجر الأرز دفع بساندرا إلى الاستعارة منه لوحاتها ذات الأحجام الكبيرة التي تتجاوز أحيانا الأمتار الثلاث. «مهما حاولت تكبير مساحة الورق وتوسيعه أو الكانفا التي أرسم عليها فإنّني لن أعطي حجم الأرز حقه. فهي شجرة صلبة مغروزة جذورها في طبقات من الأرض وتفتح أغصانها الشاسعة لتغمر منطقة وتعانق بأوراقها المسننة الفضاء كأنّها من خارج هذا العالم». تقول صهيون شارحة أحجام لوحاتها الموزعة في الطّابق الأول من «بيت بيروت».
حتى «تمثال الشهداء» وهو معلم تاريخي معروف في وسط بيروت، غطته الفنانة التشكيلية بشجر الأرز مستحدثة بذلك مشهدية وطنية عميقة المغزى. وعن الأحمر الذي لوّنت به بعض لوحاتها تقول: «رغبت في أن أشير من خلاله إلى دماء شهداء من لبنان ضحوا بأرواحهم لتبقى أرزته مصونة».
«الأرز فينا» معرضٌ تروي فيه صهيون قصة وطن اختار الأقدمون فيه شجر الأرز رمزية له عن قناعة. وفي زاوية أخرى من المعرض تلفتك لوحتا «المرأة الحجاب» و«القديس شربل» للدلالة على أنّ جميع الأديان في لبنان يلفّها سلامُ شجر الأرز ويُبعد عنها أي شرور أخرى. فيما تأخذك لوحة ثالثة إلى مظاهرة تحوّلت إلى ثورة بفضل أغصان أرز يحملها المتظاهرون عالياً. «لقد غصت في ما ورائيات هذه الشجرة وحوّلتها إلى قلب ينبض بالعيش المشترك والسّلام والحب.
فلا يمكن أن نحصر ثقافتنا وحضارتنا بطبق (تبولة) أو بكسر الرقم القياسي في تحضيرنا لأكبر صحن حمص، وعلى اللبناني أن يتعرّف إلى معاني شجرة الأرز التي يجب أن يترجمها على الأرض وجوداً وكياناً له».
7:57 دقيقة
«الأرز فينا» معرض يحكي قصة لبنان مع الشجرة الخالدة
https://aawsat.com/home/article/1276906/%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B2-%D9%81%D9%8A%D9%86%D8%A7%C2%BB-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D9%8A%D8%AD%D9%83%D9%8A-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A9
«الأرز فينا» معرض يحكي قصة لبنان مع الشجرة الخالدة
يتضمن لوحات فنية تشرح أسباب رمزيتها لبلادنا
«الأرز فينا» معرض يحكي قصة لبنان مع الشجرة الخالدة
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة