البحر الأحمر أدفأ مسطح مائي في العالم وثروة بحثية للعلماء

جامعة «كاوست» تقيّم تكيّف بيئته المحلية وثروته الحيوانية مع التغيرات المناخية

تبلغ مساحة البحر الأحمر نحو 440 ألف كم مربع وتتمتع أعماقه بالمياه الأدفأ عالمياً - لاحظ الباحثون ارتفاع درجات حرارة البحر بسبب التغير المناخي
تبلغ مساحة البحر الأحمر نحو 440 ألف كم مربع وتتمتع أعماقه بالمياه الأدفأ عالمياً - لاحظ الباحثون ارتفاع درجات حرارة البحر بسبب التغير المناخي
TT

البحر الأحمر أدفأ مسطح مائي في العالم وثروة بحثية للعلماء

تبلغ مساحة البحر الأحمر نحو 440 ألف كم مربع وتتمتع أعماقه بالمياه الأدفأ عالمياً - لاحظ الباحثون ارتفاع درجات حرارة البحر بسبب التغير المناخي
تبلغ مساحة البحر الأحمر نحو 440 ألف كم مربع وتتمتع أعماقه بالمياه الأدفأ عالمياً - لاحظ الباحثون ارتفاع درجات حرارة البحر بسبب التغير المناخي

للبحر الأحمر تاريخ تطوري مميز. السبب في ذلك يعود جزئيّا إلى انعزاله عن المحيط الهندي، لذلك لا يمكن العثور على الكثير من الأحياء البحرية التي تستوطن البحر الأحمر في أي مكان آخر. تبلغ مساحته نحو 440 ألف كم مربع، وتتمتع أعماقه بالمياه الأدفأ مقارنة بجميع البحار والمحيطات الأخرى؛ إذ تصل درجة حرارتها إلى 21 درجة مئوية عند عمق 2800 متر.
يؤوي البحر الأحمر عشرات البحيرات المغمورة شديدة الملوحة، التي تمثل أنظمة بيئية ميكروبية متطرفة، لذا فهو يقدم ثروة من الفرص البحثية للعلماء. وبسبب ما يتمتع به من خصائص فريدة، دائماً ما يُنظر إليه على أنه حقل تجارب طبيعية لآثار التغير المناخي على المحيطات.
تحظى جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) بموقع خاص يساعدها على استكشاف هذا المسطح المائي الذي لم يَحظَ بالقدر الكافي من الدراسة على مدار التاريخ كونها تقع على ساحل البحر الأحمر في مدينة ثول السعودية شمال جدة.
إلى ذلك، لاحظ الباحثون في كاوست أن معدل ارتفاع درجات حرارة مياهه بسبب التغير المناخي تعدت المتوسط المسجّل عالميّا، مما قد يشكل تحديا لقدرة الكائنات التي تعيش بالبحر الأحمر على التكيّف بالسرعة الكافية لكي تنجح في البقاء.
التحليلات التي أجراها فريق متعدد الاختصاصات يضم باحثين من ثلاثة أقسام في الجامعة، تقدّم بيانات حيوية من شأنها أن تساعد على توقّع مستقبل التنوّع البيولوجي للأحياء البحرية بالبحر الأحمر إذا دعمتها أدلة مجمّعة حول حدود التحمّل الحرارية للكائنات المحلية.
كما تبيّن أن درجات الحرارة القصوى لسطح البحر ارتفعت عبر حوض البحر الأحمر من شماله إلى جنوبه، إذ سجلت درجات الحرارة الأدنى في خليجي السويس والعقبة في أقصى الشمال. ومع هذا، يشهد الخليجان أعلى معدلات تغيّر مقارنة بباقي الحوض؛ إذ يفوق معدل ارتفاع درجات الحرارة بهما أربعة أضعاف المتوسط العالمي لارتفاع درجات حرارة المحيطات. كما تشير السجلات إلى أن درجات الحرارة القصوى لسطح البحر تتقدم بنحو ربع يوم لكل عقد.
تؤكد طالبة الدكتوراه في علم البحار في كاوست، فيرونيكا تشايديز، أن ثمة حاجة إلى أن تقيّم جهود الرصد الممنهج آثار هذه المعدلات السريعة لارتفاع درجات الحرارة على ظاهرتي ابيضاض الشعب المرجانية والنفوق الجماعي للكائنات البحرية. وحاليّا هناك غياب لهذا النوع من جهود الرصد في البحر الأحمر، بيد أن تشايديز تعمل على اختبار السعات الحرارية لبعض نباتات وحيوانات حوض البحر في المختبر. وقد يساعد نموذجٌ، يدمج بيانات خاصة بدرجات الحرارة وحدود التحمل الحرارية للكائنات البحرية وغيرها من البيانات البيولوجية ذات الصلة، على توقّع آثار ارتفاع درجات الحرارة على النظام البيئي المحلي.
ومن الأحداث المتطرفة التي تؤثر على نظام البحر البيئي العواصف العنيفة التي تحمل الأتربة من أفريقيا إلى المملكة العربية السعودية وتجلب معها العناصر الغذائية التي تنعش المزارع السمكية والأراضي الزراعية، غير أنها تحمل أيضاً جسيمات تعوق أداء أجهزة الطاقة الشمسية.
وفي سياق متصل، استعد فريق آخر، يقوده الأستاذ المساعد في هندسة وعلوم الأرض إبراهيم حطيط، لاكتشاف كيفية تأثير التأرجح الجنوبي لظاهرة النينيو (ENSO) على هطول الأمطار في منطقة التقاء رياح البحر الأحمر Red Sea Convergence Zone، وهي منطقة تتسم بالسماء الملبدة بالغيوم وبالرذاذ، مما يتناقض مع حالة الجو التي تتميز بالاعتدال في المنطقة.
ويوضح حطيط أن «حوض البحر الأحمر ضيق، لذا يتطلب بيانات مكانية عالية الدقة للوصول إلى وصف دقيق للتباينات في منطقة التقاء رياح البحر الأحمر. ويعني ذلك أننا نحتاج إلى مجموعات بيانية مفصلة ودقيقة لتقييم تأثير تقلُّبات التأرجح الجنوبي لظاهرة النينيو على هطول الأمطار بالمنطقة».
طوّر الفريق نموذجا لأنماط هطول الأمطار في الفترة بين عامي 1979 و2016. واشتمل على مزج بيانات مأخوذة من مجموعات بيانية مختلفة. حدد الباحثون أولا مكان نطاق تقارب رياح البحر الأحمر وشدته، وأماكن أنظمة الضغط المرتفع والمنخفض المصاحبة له. ولاكتشاف الآليات المسؤولة عن هطول الأمطار بعد ذلك، عملوا على تحليل متغيرات مختلفة مثل الطاقة الكامنة المتوفرة للحمل الحراري والعامود الكلي لبخار الماء المتكثف والتبخر. يقول هاري داساري المؤلف الأول للدراسة: «ترتبط كثافة هطول الأمطار بالتقاء تدفُّقات مختلفة لبخار الماء، لذا استخدمنا تحليل مقدار الرطوبة لتحديد مصادر الرطوبة ولتقدير حجم هطول الأمطار بالمنطقة».

وجد الباحثون أن منطقة التقاء رياح البحر الأحمر تتحرك في اتجاه الشمال خلال المرحلة الدافئة للتأرجح الجنوبي لظاهرة النينيو، حاملة المزيد من الرطوبة من بحر العرب، ومتسببة في زيادة الأيام التي تهطل فيها الأمطار وفي زيادة شدتها.
ويقول حطيط: «نحن نعمل على بناء نماذج متقدمة للتوقعات القصيرة والطويلة المدى، بالإضافة إلى دراسة مدى ارتباط التغيرات في أنماط حركة دوران الرياح العالمية في أثناء سنوات حدوث ظاهرة التأرجح الجنوبي للنينيو بحالتي الطقس والمناخ في البحر الأحمر والعكس». ومع أن تغيُّر أنماط هطول الأمطار قد لا يشكل ضرراً كبيراً، يُعَدُّ حوض البحر الأحمر موطناً للكوارث الطبيعية مثل العواصف الترابية، والجفاف، والفيضانات.
وترى سابرينا فيتوري - وهي طالبة دكتوراه يشرف على رسالتها مارك جينتون ورافاييل هاسر - أن «هذه الظواهر المناخية المتطرفة يمكن أن تؤثر على المجتمعات والبنية التحتية». ويمكن القول إن التنبؤ بهذه الأحداث أمر صعب، ليس فقط لأنها نادرة الحدوث، بل أيضاً لأن من بين ملايين المجموعات البيانية عدداً ضئيلاً فقط من هذه البيانات يتعلق بالأحداث المتطرفة. ومن شأن زيادة عدد المتغيِّرات التي يجري رصدها (مثل درجة الحرارة وسرعة الرياح) أن تزيد من قدرة نماذج المحاكاة على التوقُّع بشكل أكبر، إلا أنها تتطلب قدراً هائلاً من البراعة الإحصائية؛ من أجل تحديد مزيج الظروف الذي يؤدي إلى الأحداث المتطرفة وتوقُّعه على النحو الصحيح.
وتتَّبِع نماذج المحاكاة متعددة المتغيرات عامة أحد أسلوبين: أولهما الأساليب البارامترية التي تضبط النموذج باستخدام مجموعة من المتغيرات لتقريب سلوك النموذج لما تصفه البيانات بأفضل صورة ممكنة. أما النوع الثاني فهو الأساليب اللابارامترية، وهي طرق إحصائية تُطابق دالة مع البيانات لكنها لا تستخدم افتراضات أو قيوداً أساسية.
ولقد طور الفريق في أثناء إجراء البحث أداة حاسوبية لتنفيذ الأساليب اللابارامترية، وأجرى محاكاة هائلة ومنهجية ليقارن أداء المـُقَدِّر البارامتري واللابارامتري فيما يصل إلى خمسة أبعاد في ظل سيناريوهات مختلفة. قدمت هذه الأساليب رؤية ثاقبة على مستوى الأبعاد الأعلى.
يذكر أن الكائنات الحية في البحر الأحمر تحولت لتتأقلم نسبيا مع التغيرات الطارئة عليه. ويحتوي على الأقل على 25 منفساً مائيّاً حراريّاً مصحوباً بميكروبات غير مدروسة نسبيّاً. هذه الميكروبات عدّلت من جيناتها بحيث تستطيع أن تنمو بقوة في المياه شديدة الملوحة والحرارة. كما يحدد غذاء الأسماك المرجانية أنواع الميكروبات التي تعيش داخل جهازها الهضمي، والتي تؤثر بدورها على نمو هذه الأسماك، ومناعتها، وسلوكها. هذه البكتيريا تساعد على هضم أنواع مختلفة من الطحالب، بالإضافة إلى إمكانية إسهامها كذلك في تطوير منتجات جديدة كالوقود الحيوي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».