الأمير هاري وعروسه يؤجلان شهر العسل

الهدوء يعود إلى قلعة وندسور بعد حفل الزفاف

الأمير هاري وميغان خلال جولة في شوارع ويندسور بعد الزفاف (رويترز)
الأمير هاري وميغان خلال جولة في شوارع ويندسور بعد الزفاف (رويترز)
TT

الأمير هاري وعروسه يؤجلان شهر العسل

الأمير هاري وميغان خلال جولة في شوارع ويندسور بعد الزفاف (رويترز)
الأمير هاري وميغان خلال جولة في شوارع ويندسور بعد الزفاف (رويترز)

قرر الأمير البريطاني هاري وعروسه ميغان ماركل، تأجيل شهر العسل، وسيحضران حفل عيد ميلاد الأمير تشارلز والد العريس، بعد بضعة أيام فقط من زفافهما التاريخي الذي مزج بين الحديث والتقليدي.
وبعد أن تبادل الزوجان عهود الارتباط في كنيسة سان جورج بقصر ويندسور بحضور أفراد العائلة المالكة والمشاهير وتحت أنظار ملايين المشاهدين في مختلف أرجاء العالم، أمضى هاري وميغان، مساء السبت، في حفل خاص مع الأصدقاء. وسيعود العروسان إلى منزلهما في قصر كينسنغتون قبل أن يحضرا أول مناسبة لهما بصفتهما دوق ودوقة ساسكس، وهو عيد الميلاد السبعين للأمير تشارلز.
ويمثل الحفل الذي سيقام في الهواء الطلق بداية الاحتفالات بعيد ميلاد تشارلز الذي يحل في نوفمبر (تشرين الثاني)، ويجري فيه تكريمه لانتمائه إلى الجيش ورعايته لجمعيات خيرية تدعمها الأسرة المالكة. ولم يظهر العروسان صباح، أمس (الأحد)، في الكنيسة عندما توجهت الملكة إليزابيث لحضور القداس، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وحتى الآن لم يعلن عن المكان الذي سيقضي فيه العروسان شهر العسل، وتكهن بعض وسائل الإعلام بأنهما سيذهبان إلى بُتسوانا على الأرجح لزيارة مخيم خاص قضيا فيه بعض الوقت في أغسطس (آب) من العام الماضي قبل بضعة أشهر من إعلان خطبتهما. واشترى هاري ماسة خاتم الخطبة من بُتسوانا، أكبر منتج للماس في العالم.
وكان حفل زفاف الأمير هاري، 33 عاماً، وهو السادس في ترتيب ولاية عرش بريطانيا على ميغان (36 عاماً) وهي مطلقة وأمها أميركية من أصل أفريقي، حفلاً لم تشهد العائلة المالكة مثله من قبل.
إلى ذلك غادرت الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا قلعة وندسور أمس الأحد في حين بدأ الهدوء يعود إلى المدينة في صباح اليوم التالي لحفل الزفاف الملكي للأمير هاري والممثلة الأميركية ميغان ماركل.
ولا يزال بالإمكان الإحساس ببعض الروح الاحتفالية في المدينة. فقد ارتدى أحد عمال النظافة تاجا وهو في طريقه إلى عمله بينما لا تزال تعرض بعض المحال التجارية في المدينة تذكارات ملكية للبيع بأسعار مخفضة.
وأقيمت مراسم الزواج في احتفال مذهل مزج بين الطقوس الإنجليزية القديمة والثقافة الأميركية الأفريقية مما أضفى قدرا كبيرا من الحداثة على الملكية البريطانية التي يرجع تاريخها إلى ألف عام.
وتبادل هاري وميغان وعود الزواج في كنيسة في قلعة وندسور يعود تاريخها إلى القرون الوسطى وعاصرت 39 ملكا وملكة في بريطانيا منذ عام 1066. وحضر مراسم الزواج كثير من أفراد الأسر الملكية والمشاهير وشاهدها ملايين الأشخاص حول العالم عبر شاشات التلفزيون.
واعتمد مصورو «رويترز» على الصبر والترتيبات المتقنة والكثير من الحظ عند اختيارهم لمواقعهم لتغطية الزفاف الملكي في بريطانيا. واختار 12 مصورا من «رويترز» لقطاتهم المفضلة لزفاف الأمير هاري والممثلة الأميركية ميغان ماركل.
ويقول ديلان مارتينيز عن صورة لهاري وويليام عشية الزفاف: «أحببت تلك الصورة لأني كان لدي حدس بأن الأميرين سيتنزهان قليلا عشية زفاف هاري... وفعلا... لقطة جميلة تظهر معجبين حقيقيين». أما ماركو ديوريكا فقد تخير صورة بها ستة شباب ارتدوا أقنعة لميغان وهاري وقال: «هذه صورتي المفضلة لأنها تظهر الاستمتاع المحض للشباب خلال الزفاف الذي قد يكون جادا جدا بالنسبة لهم. عندما تغطي أحداثا بهذا الحجم يجب أن تركز على التفاصيل الصغيرة وهو أمر يمكن أحيانا أن يكون غاية في الصعوبة وسط الآلاف من الناس فيجب أيضا أن تكون محظوظا جدا»، حسب «رويترز».
ويقول توبي ميلفيل عن صورة في بداية جولة العروسين في العربة التي تجرها الخيول في شوارع وندسور: «أحب تلك اللقطة لأن بها مساحة للتنفس. أحب أنها تظهر مسار العربة والطريق الذي تتبعه العين إلى القلعة في الخلفية. إنها تعطي لمحة صغيرة عن حجم هذا الزفاف المذهل».
فيل نوبل تخير صورة لأول مرة يغادر فيها العروسان القلعة ليراهما العامة. وقال إن أصعب التحديات هو إرسالها في ظل بطء الشبكة بسبب الحشود واختيار موقع مبكرا لتجنب الازدحام.
أما هانا مكاي فتقول عن صورة مقربة للعروسين في عربتهما وتظهر الخيول في المقدمة: «تلك المفضلة لدي لأنها التقطت عروسين سعيدين ومسترخيين فيما يسيران بالعربة عبر وندسور. أكبر تحد هو معرفة متى أضغط على الزر لأحصل على اللقطة المثالية. ثانية واحدة مبكرة أو متأخرة قد تعني خسارتك للحظة بأكملها».
دمير ساجولجي تخير صورة مقربة للعروسين وهما يلوحان للمعجبين والمهنئين فيما يظهر على جانبها العلم البريطاني وقال: «الأمر كله يتعلق بزوجين جميلين سعيدين في يومهما المهم. صورتهما وهما يبتسمان ويلوحان للحشود كانت كما تمنيتها تماما. العلم البريطاني الذي أمسك به أحد المحتشدين الذين خيموا قرب بوابة كمبردج قبل أيام.. هذا العلم في ذات اللقطة هو المكافأة الإضافية التي جعلتها صورة خاصة».
كلوده كيلكوين اختارت صورتها لأحد من حضروا لمشاهدة الزفاف من ظهره وهو يرتدي بذلة وقبعة تقليديين فيما يظهر من فوق رأسه العلمان الأميركي والبريطاني.
أما بيتر نيكولاس فتخير صورة التقطها باكرا قبل الزفاف بتسع ساعات لمن خيموا بمتعلقاتهم وبالأعلام خارج أسوار القلعة. اختار دارن ستابلز صورة مقربة لميغان في السيارة التي أقلتها للكنيسة في أول ظهور لها وقال إن التحدي كان نشرها سريعا وتفادي الانعكاس على زجاج السيارة والتقاطها رغم قصره وسط الحشود التي تلوح بالأعلام وتلتقط صوراً (سيلفي).
جون سيبلي حالفه الحظ لالتقاط صورة مقربة جدا لوجه ميغان وهي مع هاري في العربة ويظهر فيها خاتم زواجها وقال «بعد أن انتظرت في موقعي لأكثر من ثماني ساعات كان لدي ثوان معدودة لالتقاط صورة جيدة فيما يمران. قد تخرج صفر اليدين إذا كانا ينظران للاتجاه الآخر. لكن لحسن الحظ ميغان كانت تنظر ناحيتي مبتسمة وتظهر خاتم زفافها».
تخير ماثيو تشايلدز صورة للحشود على جانبي الطريق تتنوع الإضاءة فيها بين ظل الأشجار ونور الشمس.
أما بنواه تسييه فبعد انتظار ست ساعات تسنى له تصوير العروسين في لقطة كانت ميغان فيها مفعمة بالحماسة.


مقالات ذات صلة

ميغان ماركل «الطباخة»... في مسلسل

يوميات الشرق ابتسامةٌ للحياة (أ.ف.ب)

ميغان ماركل «الطباخة»... في مسلسل

أعلنت ميغان ماركل عن بدء عرض مسلسلها المُتمحور حول شغفها بالطهو، وذلك في 15 يناير (كانون الثاني) الحالي عبر منصة «نتفليكس».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لقطة من فيديو تُظهر الأمير هاري يمارس رياضة ركوب الأمواج (إنستغرام)

الأمير هاري يصطحب نجله آرتشي في رحلة ركوب أمواج بكاليفورنيا

نُشرت لقطات للدوق البالغ من العمر 40 عاماً وهو يرتدي بدلة سباحة سوداء برفقة الطفل البالغ من العمر 5 سنوات في مدرسة ركوب الأمواج في كاليفورنيا.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا (الولايات المتحدة))
أوروبا ملك بريطانيا تشارلز الثالث والملكة كاميلا خلال وصولهما قداس عيد الميلاد في كنيسة مريم المجدلية في نورفولك بإنجلترا (أ.ب)

في رسالة عيد الميلاد... الملك تشارلز يشكر الفريق الطبي على رعايتهم له ولكيت (فيديو)

وجّه الملك تشارلز الشكر إلى الأطباء الذين تولوا رعايته ورعاية زوجة ابنه كيت أثناء تلقيهما العلاج من السرطان هذا العام، وذلك في رسالة بمناسبة عيد الميلاد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الملك تشارلز في زيارة لمصنع الشوكولاته (غيتي)

الملك تشارلز يسحب الضمان الملكي من شركة «كادبوري» بعد 170 عاماً

ألغى الملك البريطاني تشارلز الثالث الضمان الملكي المرموق لشركة كادبوري بعد 170 عاماً، على الرغم من أنها كانت الشوكولاته المفضلة لوالدته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الملك البريطاني تشارلز (أ.ف.ب)

علاج الملك تشارلز من السرطان... هل ينتهي هذا العام؟

كشفت شبكة «سكاي نيوز»، اليوم (الجمعة)، عن أن علاج الملك البريطاني تشارلز من السرطان سيستمر حتى العام الجديد.

«الشرق الأوسط» (لندن)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)