مسلسلات رمضان تطغى على جلسات اللبنانيين

تشكّل لهم استراحة المحارب فتنسيهم همومهم السياسية

مسلسل «ومشيت» لكارين رزق الله يشكّل مادة دسمة  يتناولها اللبنانيون في أحاديثهم - «الهيبة - العودة» العمل الرمضاني الناجح  الذي يعود هذه السنة بجزئه الثاني
مسلسل «ومشيت» لكارين رزق الله يشكّل مادة دسمة يتناولها اللبنانيون في أحاديثهم - «الهيبة - العودة» العمل الرمضاني الناجح الذي يعود هذه السنة بجزئه الثاني
TT

مسلسلات رمضان تطغى على جلسات اللبنانيين

مسلسل «ومشيت» لكارين رزق الله يشكّل مادة دسمة  يتناولها اللبنانيون في أحاديثهم - «الهيبة - العودة» العمل الرمضاني الناجح  الذي يعود هذه السنة بجزئه الثاني
مسلسل «ومشيت» لكارين رزق الله يشكّل مادة دسمة يتناولها اللبنانيون في أحاديثهم - «الهيبة - العودة» العمل الرمضاني الناجح الذي يعود هذه السنة بجزئه الثاني

«شو عم تحضر؟» هو السؤال «التراند» الذي يتصدر أحاديث اللبنانيين حالياً في لقاءاتهم وجلساتهم اليومية. فبعيداً عن الأخبار السياسية التي تلقي بكاهلها عليهم لنحو 11 شهراً من السنة الواحدة، يصل شهر رمضان ليقلب هذه المعادلة، ويشغل اللبنانيين بأخبار من نوع آخر محورها مسلسلات وبرامج رمضان التلفزيونية.
في ظل هذا الشهر الكريم يأخذون استراحة قسرية من تصريحات النواب والوزراء التي عادة ما يفرضها عليهم هؤلاء بشكل أو بآخر، وعلى مدى 365 يوماً من السنة. فيقطعون عليهم بذلك طريقاً يعبدونها بجدارة وبشكل يومي في الملاحق ونشرات الأخبار التلفزيونية.
مشكلة بواخر الكهرباء وعقدة انتخاب نائب رئيس مجلس النواب والطعون التي تقدم بها بعض الذين أخفقوا في الوصول إلى المجلس النيابي الجديد، وغيرها من المشكلات السياسية في لبنان، استبدلت اليوم بإطلالة هيفاء وهبي في «لعنة كارما» وأداء مختلف لنادين نسيب نجيم في «طريق» وأحداث مشوقة في «الحب الحقيقي» ونسبة مشاهدة عالية لـ«الهيبة - العودة»، وغيرها من الأعمال الرمضانية التي وضعت أبطال السياسة في خانة التقاعد بعد أن أزاحهم عن الشاشة نجوم الدراما.
وبذلك أصبحت التحية البديهية التي يتبادلها اللبنانيون بين بعضهم البعض بعد «كيفك»، هي «أي مسلسلات تتابع؟» و«من يعجبك من أبطال شاشة رمضان؟» و«كيف لقيت مسلسل كارين رزق الله هذه السنة؟» وإلى ما هنالك من أسئلة تدور في هذا الإطار.
«هي بالفعل مواضيع تجذبنا اليوم وتؤلف مادة دسمة لأحاديثنا عندما نلتقي مع الأصدقاء»، تقول ريتا كرم لـ«الشرق الأوسط»، عندما سألناها عن رأيها في هذا الموضوع. أمّا نور كساب فرأت من ناحيتها، أنّه يحق للّبناني أن ينسى همومه اليومية، ويتطلع إلى أمور أخرى بعيدة كل البعد عنها في هذا الشهر، فتولد متنفساً طبيعياً له، وهو الأمر الذي تستحدثه علينا مسلسلات رمضان. واللافت أنّ ائتلافات وتكتلات مختلفة تحدثها مسلسلات الدراما على الساحة الاجتماعية اللبنانية، بحيث يلاحظ اتفاق هذه المجموعة على لائحة أعمال يتابعونها على هذه القناة أو تلك، مقابل مقاطعة شريحة أخرى لهم كونهم يتابعون باقة مسلسلات أخرى أكثر تشويقاً حسب رأيهم. وتكثر النصائح التي يتداولها اللبنانيون في هذا الصّدد؛ فيتسلل إلى سمعك مثلاً نصيحة يسديها أحدهم إلى صديق يشجعه فيها على متابعة مسلسل «الهيبة - العودة» (على شاشة أم تي في)، بدل «كل الحب كل الغرام» الذي يعرض على قناة أخرى (إل بي سي آي). كما يلفتك اقتناع البعض بخياراتهم إلى حدّ يسمح لهم بأن يطلبوا من الآخرين، وبإصرار، ألا يشاهدوا المسلسل الفلاني لأنّه سخيف وبطيء الحركة وممل، وكأنّهم يعملون في مجال النقد التلفزيوني منذ أمد طويل.
وأحياناً كثيرة تتفاجآ بالحدة والحماوة التي يتعاطى فيها بعض هؤلاء مع موضوع أعمال الدراما الرمضانية، فتنشأ معارك صغيرة بينهم تنتج عنها أصوات مرتفعة حول أحقية تبوء هذا العمل أو ذاك لائحة «تراند» اليوم (الأكثر تداولاً على مواقع التواصل الاجتماعي).
فبرأي بعضهم «تانغو» هو المسلسل الضارب في هذا الموسم، بينما في المقابل تؤكد نسبة أخرى أن «طريق» هو الأفضل، فيما يشير ثالث إلى أنّ بعد «الهيبة - العودة» لا لزوم لمتابعة أي عمل آخر فهو بكفّة والأعمال الثانية بكفّة أخرى، كونه يجمع نجوماً لبنانيين وعرباً.
وهكذا ترتدي أحاديث غالبية اللبنانيين حلّة رمضان وهم يشرحون أثناء ارتشافهم فنجان قهوة، أو يشاركون في مأدبة إفطار رمضانية، أداء كارمن بسيبس في «ليالي أوجيني» وستيفاني صليبا في «فوق السحاب» متجاوزين بذلك فضاء الأعمال المعروضة على شاشاتهم المحلية.
وعلى ركيزة «شو عم تحضر؟» ينطلق شهر رمضان في لبنان لتتحول في منتصفه إلى «شو بعدك عم بتابع؟»، ولينتهي بها المطاف في ختامه إلى واحدة من اثنين «كان مسلسلاً رائعاً»، أو «صدمنا بنهايته فكان فاشلاً»، لتنطبق حسابات الحقل على حسابات البيدر أو بالعكس. وليعودوا بعدها إلى إيقاع أيامهم العادية من جديد متابعين تصريحات السياسيين التي هي بنظرهم تشكل مسلسلاً طويلاً من نوع آخر.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».