حمّى إعلامية فرنسية تواكب «عرس وندسور»

منذ أسبوع وأخبار هاري وميغان تفتتح نشرات الأخبار وتغطي على إضراب النقل

مراسلة قناة إخبارية فرنسية تبعث بتقاريرها على مدى اليوم
مراسلة قناة إخبارية فرنسية تبعث بتقاريرها على مدى اليوم
TT

حمّى إعلامية فرنسية تواكب «عرس وندسور»

مراسلة قناة إخبارية فرنسية تبعث بتقاريرها على مدى اليوم
مراسلة قناة إخبارية فرنسية تبعث بتقاريرها على مدى اليوم

ما الذي يجتذب الفرنسيين إلى أمير يأتي في المرتبة السادسة في تسلسل ولاية العهد في بريطانيا؟ منذ أيام وحمّى غير مسبوقة تجتاح وسائل الإعلام في عاصمة النور، عشية زواج الشاب هاري، حفيد ملكة بريطانيا، والممثلة الأميركية ميغان ماركل. بل إن الاهتمام المسبق بالعرس الأميري المرتقب اليوم، كاد يفوق ما رافق زواج الأمير وليم، نجل ولي العهد والشقيق الأكبر للأمير هاري، لدى ارتباطه برفيقة الدراسة كيت ميدلتون في ربيع 2011.
وأمس، خصّصت يومية «الفيغارو» 6 صفحات لتقارير عن «الحدث الملكي»، وعن الزواج الذي جاء في عنوانها الرئيسي على صفحتها الأولى أنّه «يهزّ الملكية البريطانية».
فإذا كان وليم، الثاني في تسلسل ولاية العهد، قد اختار عروساً من عامة الشعب فإنّ هاري مضى أبعد من ذلك في القفز فوق التقاليد الصّارمة لعائلة وندسور والزواج من شابة أميركية ملونة ومطلقة وتكبره في السن وتشتغل في التمثيل. إنّها قفزة تفاجئ الفرنسيين الذين يتصورون أنّهم أساتذة العالم في شؤون القلب والأكثر تقدماً في العلاقات العاطفية من جيرانهم على الضّفة الأخرى من بحر المانش.
منذ أسبوع وقنوات التلفزيون تخصّص ساعات السّهرة لأفلام وثائقية عن تاريخ العرش البريطاني وتحقيقات عن أفراد العائلة المالكة وطباعهم وهواياتهم ومشروباتهم المفضلة ودرجة شعبيتهم. ولن تبقى زاوية في سيرة الملكة القديمة فيكتوريا، أو سلالتها، والملكة الحالية إليزابيث الثانية، من دون أن تُوَجّه نحوها الأضواء الكشافة. وينسحب هذا على سيرة ولي العهد الأمير تشارلز، والد العريس، وزوجته الحالية كاميلا، وما يقوم به من نشاطات في ميدان الاهتمام بالمعمار التراثي وما تنتجه مزارعه وشركاته من خضار ومواد غذائية طبيعية. لكنّ النقطة التي ما زالت تمتلك مفعول السحر على عواطف ملايين الفرنسيات هي سيرة ديانا سبنسر، والدة العريس التي لُقّبت بأميرة القلوب. إنّها المرأة اللامعة التي لقيت مصرعها على ضفاف نهر السين في باريس، وهي في عزّ شبابها وبين ذراعي حبيبها، كما يليق بتراجيديا إغريقية بنسخة معاصرة. ولعل التشابه بين هاري وديانا في الطّباع هو الذي يفسّر جانبا من الاهتمام الفرنسي البالغ بزواجه. فهو أمير يتيم الأم، شاهده العالم كله وهو يمشي مشية رجل في جنازة والدته، ثمّ تحوّل إلى مراهق متمرد ونزق، قبل أن يستعيد رشده وينخرط في العمل الإنساني الذي كانت الأميرة الراحلة قد خصّصت له جانبا كبيرا من نشاطها في سنواتها الأخيرة. تتنهد الباريسيات المارّات عند النفق الذي اصطدمت سيارة ديانا بأحد أعمدته ويتمنّين لو أنّها عاشت لتشهد عرس الولد الصغير الذي يشبهها.
يومًا بعد يوم كانت حمى العرس الأميري تتصاعد، خصوصاً مع وجود مراسلين من القنوات الفرنسية العامة والخاصة يرابطون عند الطريق الريفي المؤدي لقصر وندسور الملكي، قرب لندن. وطوال نهار أمس، كانوا يفتتحون بتقاريرهم نشرات الأخبار ويواكبون الحدث السعيد الذي غطّى على المشكلات المحلية التقليدية، مثل إضراب عمال السكك الحديد والنشاط الإرهابي الذي تحاول الدولة مواجهته من خلال خطة الطوارئ. وقد أعلنت القناة الثانية، التابعة للدولة، أنّ النجم التلفزيوني ستيفان بيرن، المتخصص في شؤون العائلات الملكية، سيتولّى التعليق على النّقل المباشر لمراسم عرس هاري وميغان. والحقيقة أنّ بيرن لم يكن يجد، طوال الأسبوع الماضي، فرصة لحكّ رأسه نظراً لكثير من البرامج التي شارك فيها أو الإذاعات والصّحف التي حل ضيفاً عليها للحديث عن تاريخ العائلة المالكة البريطانية. وهو قد حصل على سبق صحافي محلي حين تجوّل بكاميرته في أرجاء قصر وندسور وما يحتويه من نفائس فنية وتاريخية، كما دخل القصر الذي يقيم فيه الأمير تشارلز، حالياً، وأنجز فيلماً وثائقياً عنه وعن خفايا علاقته بكاميلا، من الألف حتى الياء.
وإلى جانب العريس، كان من الطبيعي أن تحظى العروس بجانب من الاهتمام. ونظراً لسمعة باريس في ميدان الأناقة والتصميم الرّاقي فقد انصبّت التساؤلات في مظهر ميغان ماركل وطريقتها في اللبس وفي فستان العرس المنتظر ولونه وتفاصيله.
هل سيكون أبيض أم من لون قريب منه، نظراً لأنّه ليس الزواج الأول لها؟ أمّا الأخبار التي تكاثرت في شأن والد العروس وغيابه عن الحفل الكبير، فلم تلفت كثيراً الانتباه لأنّ الفرنسيين، أحفاد الغاليين أهالي مقاطعة ويلز، يركزون على قصة الحب التي جمعت الحبيبين، والباقي ثرثرات «كونسييرج»، أي حارسات بوابات العمارات.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».