وسام الفرسان الفرنسي للإيراني محمد رضا شجريان

انضم إلى قائمة صغيرة من المكرمين العاملين في الموسيقى والسينما

المطرب الإيراني محمد رضا شجريان
المطرب الإيراني محمد رضا شجريان
TT

وسام الفرسان الفرنسي للإيراني محمد رضا شجريان

المطرب الإيراني محمد رضا شجريان
المطرب الإيراني محمد رضا شجريان

كرمت الحكومة الفرنسية المطرب الإيراني محمد رضا شجريان بمنحه وسام الفرسان تقديرا لجهوده في مجال الفن والطرب. وأقيم احتفال بالمناسبة في المقر الرسمي للسفير الفرنسي في طهران وبحضور عدد من الأدباء والمثقفين الإيرانيين. وتسلم شجريان الوسام الرفيع من السفير الفرنسي برونو فوشه، وبذلك فقد انضم شجريان إلى قائمة من الأشخاص الذين تسلموا هذا الوسام من الحكومة الفرنسية.
وقال السفير فوشه خلال تقديمه الوسام بأنه «الشخصية الموسيقية الأعلى من نظرتنا نحن الفرنسيين»، واصفا إياه بكسرى الطرب الإيراني مضيفا: «تعتز الحكومة ووزارة الثقافة والفن الفرنسية بأنها تقدم أعلى أوسمتها الثقافية إليه». وأكد فوشه أن «شجريان ليس فقط فنانا، بل إنه مفكر وأخلاقي أيضا».
وشكر شجريان، السفير الفرنسي بعد تسليمه الوسام واصفا نفسه بـ«خادم الشعب الإيراني». وأضاف المطرب الإيراني المعروف: «إنني سعيد بأن الشعب والحكومة الفرنسية الصديقة والمتعاطفة معنا تهتم بالشأن الثقافي داخل إيران وأشكر ممثل الحكومة الفرنسية لتقديمه لي هذا الوسام».
وفي رسالة وجهها شجريان إلى عزة الله ضرغامي رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيراني قبل أعوام، طالبه فيها بعدم بث آثاره من هذه المؤسسة الحكومية احتجاجا على ما جرى في الانتخابات الرئاسية عام 2009. وقال شجريان في كلمته المقتضبة: «سعيت أن أحافظ على تقاليد الموسيقى الإيرانية القديمة بكل دقائقها وغناها وعظمتها وتنوعها، من العازفين في العهد الإخميني إلى الموسيقيين في العهد الساساني ومن ثم قراء الوحي الإلهي، وأن أضيف شيئا إليه إذا استطعت. وإذا كنت أحاول أن أكون حارسا جادا على هذه التقاليد يعود السبب إلى أنه وفي غياب تلك العمارة العريقة والشعر والأدب الثري والمنمنمات والفروع الأخرى لتلك الحضارة، أصبحت الموسيقى الإيرانية الوريث الوحيد والحارس والمحافظ والممثل لحضارتنا العريقة التي تتجه إلى الاندثار أو على الأقل يمكن القول: إنها تتغير».
جدير بالذكر أن شجريان حاز قبل هذا، على جائزة بيكاسو من وزارة الثقافة الفرنسية ودبلوم فخري من منظمة اليونيسكو في باريس. وهاجمت صحيفة «كيهان» المقربة من المرشد الأعلى الإيراني، تقديم الوسام إلى شجريان قائلة: «في خضم أحداث فتنة 2009 وعندما كان أعداء الشعب الإيراني الألداء يسعون لتدمير نظام الجمهورية الإسلامية بمزاعم مضحكة، وجه المطرب المفتن (محمد رضا.ش) رسالة إلى رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون مطالبا بعدم بث آثاره من هذه الوسيلة الإعلامية الوطنية، فيما هو مدين في شهرته وثروته ومكانته الفنية إلى الثورة الإسلامية. وفي إطار الحرب الناعمة التي تخوضها ضدنا الدول الغربية، تقدم الحكومة الفرنسية بين الحين والآخر وتحت ستار الجوائز الثقافية والفنية، وسام الفرسان إلى نشطاء في إيران».
وبعد المطرب شهرام ناظري، يُعد محمد رضا شجريان، ثاني مطرب إيراني يتسلم وسام الفرسان من فرنسا.
وقد دشن الرئيس الفرنسي السابق الجنرال شارل ديغول هذه الجائزة في العام 1963 وتمنح إلى العسكريين والمدنيين الذين يستحقونها.
ومن إيران حاز على هذه الجائزة كل من محمود حسابي (مؤسس علم الفيزياء والهندسة الجديدة في إيران)، وعباس كيارستمي (مخرج سينمائي)، وبري صابري (مخرجة مسرح)، وجلال ستاري (باحث في الأساطير)، ومحمد علي سبانلو (شاعر)، وليلى حاتمي (ممثلة سينمائية). علاوة على ذلك قدمت الحكومة الفرنسية وسام «آفيسر» وهو أعلى من وسام الفرسان إلى المخرج أصغر فرهادي، وعلي رضا سميع آذر، والبروفسور ناصر دارابيها. وعلاوة على أشعار الشعراء القدماء الإيرانيين الكبار كسعدي الشيرازي وحافظ الشيرازي ومولانا الرومي وبابا طاهر وعمر الخيام والعطار النيسابوري، غنى شجريان لأشعار حديثة من الشعراء المعاصرين كفريدون مشيري ونيما يوشيج وسهراب سبهري وشفيعي كدكني ومهدي إخوان الثالث وهوشنج ابتهاج. كما تلا شجريان عددا من الآيات القرآنية المعروفة في إيران بـ«ربنا» والتي كانت تبث خلال إفطار شهر رمضان من الإذاعة والتلفزيون الرسميين لكن في السنوات الأخيرة تم الحظر على بثها، مما أثار حفيظة الناس في إيران لكن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون لا تزال تمنع بثها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».