بانوراما للتراث في صالة عرض واحدة تجذب انتباه المصريين

يضم بيانات عن الفراعنة وتطور عمارة القاهرة وصورا نادرة للمشاهير

خارطة العالم  و  تراث مصر المصور
خارطة العالم و تراث مصر المصور
TT

بانوراما للتراث في صالة عرض واحدة تجذب انتباه المصريين

خارطة العالم  و  تراث مصر المصور
خارطة العالم و تراث مصر المصور

داخل بهو قاعاته الفخمة ترجمت الكثير من رموز التراث الفني والمعماري والتاريخي والثقافي إلى ما يشبه لوحات تسر الناظرين. هنا في مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي داخل «القرية الذكية» على الطريق الصحراوي في غرب القاهرة، يمكنك الانتقال عبر أزمنة وعصور مختلفة، مستعرضا التراث والثقافة المصرية عبر مراحل التاريخ المتعاقبة، مستخدما أحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة الرقمية المتبعة في العالم، وهو ما بدأ يجتذب انتباه المصريين لزيارته.
وعلى الرغم من صغر سن المكان الذي أنشئ عام 2000 بوصفه جزءا من الخطة القومية التي تبنتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتطوير البنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات في مصر، إلا أنه أصبح الآن معلوما لكثير من المواطنين وأحد الوجهات التعليمية والترفيهية، بعد أن استقبل الكثير من الرحلات المدرسية والجامعية التي تنشد معرفة التاريخ والعلم وقضاء وقت في «القرية الذكية» التي تنتشر فيها أشجار النخيل والزهور والورود.
يقول المهندس محمد فاروق، القائم بأعمال مدير مركز التوثيق الحضاري لـ«الشرق الأوسط»: «المركز هنا يهدف في المقام الأول إلى الحفاظ على التراث المصري الحضاري، وخصوصا فيما يتعلق بالتراث الأثري المنتشر في جميع أنحاء مصر والذي يعاني من خطر التوسع العمراني السريع بجانب المخاطر البيئية الأخرى التي تحيط بالمناطق الأثرية، وحيث إن الحفاظ على تراثنا الحضاري الضخم يتطلب عمليات توثيق دقيقة وشاملة، فقد قام المركز بإنشاء نظام يسمح بحصر وتوثيق المواقع الأثرية باستخدام نظم المعلومات الجغرافية الحديثة.
ويهدف المشروع المتعدد المجالات إلى التوثيق الإلكتروني لكل شيء بدءا من تراث مصر الطبيعي ونشر البيانات، لتشاهد التاريخ المصري في مكان واحد يحمل عبق الماضي الممزوج بالتطور والحداثة. وداخل إحدى القاعات كان هناك صالة عرض بانوراما التراث الحضاري أو بانوراما الحضارة، وتمثل نموذجا لبرنامج وسائط متعددة تعرض بها الموضوعات التراثية الحضارية والطبيعية في عصور مصر المختلفة، بداية من العصر الفرعوني، مرورا بالعصر القبطي والعصر الإسلامي حتى العصر الحديث، وذلك باستخدام أحدث تقنيات العرض التفاعلي والذي يتكون من تسع شاشات بانورامية مسطحة منفصلة ومرتبة في شكل نصف دائري ويتحكم بها جهاز كومبيوتر واحد.
كما توجد ست صالات عرض أخرى في عدة أماكن مثل مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي ومكتبة الإسكندرية ومركز الأقصر للتراث وجامعة القاهرة وشرم الشيخ والجونة، وواحدة أخيرة متحركة استطاع فريق العمل القائم عليها الطواف بها حول العالم وعرضها في كثير من المعارض الدولية والمؤتمرات في البلدان المختلفة مثل فرنسا وألمانيا وتونس والصين وأذربيجان واليابان.
ويؤكد محمد فاروق قائلا: «يقوم المشروع بتجميع كل البيانات عن المحميات الطبيعية والمعلومات التفصيلية عن النباتات والحيوانات والتكوينات الجيولوجية والمعالم الحضارية المميزة للمواقع أو المناطق المحمية فيما يخص تراث مصر الطبيعي كما يقوم أيضا بإقامة المعارض والأنشطة الثقافية المختلفة باستخدام أحدث الوسائل والأساليب التكنولوجية».
ومن جانبه يضيف رامي مصطفي، المسؤول الإعلامي بالمركز لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «يحتوي المركز هنا على كثير من المشاريع التي تساعد في الحفاظ على هوية ثقافتنا وحضارتنا وتراثنا الأصيل وذلك من خلال عدة مشاريع منها خريطة مصر الأثرية وتراث مصر المعماري وتراث مصر الطبيعي والتراث الشعبي المصري وتراث مصر الموسيقي بجانب ذاكرة مصر الفوتوغرافية والتراث العلمي الإسلامي للمخطوطات وبانوراما الحضارة التي تعرض عينات لمنتجات ومخرجات مشروعات وأنشطة المركز المتنوعة في توثيق التراث الحضاري والطبيعي.
ويعكس الجانب الخاص بتراث مصر المعماري ما شهدته كثير من المدن المصرية من نهضة معمارية وعمرانية منذ منتصف القرن التاسع عشر، واستمرت حتى منتصف القرن العشرين، عندما نشأ قلب حديث لمدينة القاهرة مختلف كلية عن قلب المدينة الفاطمية وظهرت أحياء يغلب عليها الطابع الأوروبي، ونتجت عن هذه النهضة عمارة جديدة مزجت بين طرز أوروبية كلاسيكية وملامح مستوحاة من العمارة المحلية، مما جعل هذا النتاج المعماري لهذه الحقبة الزمنية فريدا ورائعا، كما يقول المهندس فاروق، والذي يضيف: «يعد هذا التوثيق منهجيا وغير مسبوق حيث يتميز بسرعة البحث فيه وسهولة استخراج المعلومات كما أنه يخدم متخذي القرار والمعماريين والمؤرخين المهتمين بهذا التراث العظيم».
كما يعكس الجانب الخاص بتوثيق ذاكرة مصر الفوتوغرافية إبداعات مصوري مصر خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، محتفظا بأروع الصور الفوتوغرافية للمشاهير والكثير من المعالم الخاصة بذلك الزمان. ويعلق المهندس فاروق قائلا: «تعرض هنا تباعا مجموعات مشاهير المصورين مسجلة على أقراص كومبيوترية مدمجة بدءا بالمجموعة المتفردة من 1200 صورة مطبوعة أبيض وأسود والمصنفة من أعمال لينرت ولاندروك، وقد جمعت من المتاحف المحلية والدولية وكذلك المقتنيات الخاصة وكل ذلك في إطار سعي المركز المتواصل لإتاحة تلك المجموعات النادرة للباحثين وأمناء المتاحف وجامعي الصور القديمة من خلال وسائط نشر أخرى مثل الكتب المطبوعة وشبكة الإنترنت».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».