في غزة .. مستشفيات تعج بالضحايا وعائلات مفجوعة

قريبات لأحد الضحايا خلال تشييعه في خان يونس أمس (رويترز)
قريبات لأحد الضحايا خلال تشييعه في خان يونس أمس (رويترز)
TT

في غزة .. مستشفيات تعج بالضحايا وعائلات مفجوعة

قريبات لأحد الضحايا خلال تشييعه في خان يونس أمس (رويترز)
قريبات لأحد الضحايا خلال تشييعه في خان يونس أمس (رويترز)

عاشت مستشفيات غزة يوماً عصيباً، أمس، إذ تقاطر عليها آلاف المواطنين يبحثون عن أقربائهم الذين قُتلوا أو أصيبوا في يوم طويل من المواجهات مع جنود الاحتلال، على الحدود بين القطاع وإسرائيل.
عائلة العامودي، القاطنة مدينة غزة، كانت واحدة من العائلات المفجوعة أمس. فقد تلقت نبأ قتل الجيش الإسرائيلي أحد أبنائها، فيما كان شقيقه الآخر يعاني بدوره من جروح خطيرة أصيب بها خلال مشاركته، مع شقيقه، في المسيرات الجماهيرية الحاشدة التي شهدتها حدود قطاع غزة. ووسط حال من الغضب والذهول، استقبلت عائلة العامودي ابنها الأول محمولاً، فيما كان الثاني يخضع لعملية جراحية بهدف إنقاذ حياته. قال أحد أقرباء العائلة المفجوعة: «لا يمكن وصف ما يجري بمجرد كلمات. نشعر بصدمة وبألم كبير وبقلق».
ولم يختلف حال عائلة العامودي عن حال عائلات فلسطينية أخرى كثيرة، فُجعت مثلها بخسارة ابن أو قريب، وكانت تنتظر تسلم جثته لدفنها. فوالدة الشاب إبراهيم المصري، من سكان مدينة غزة، تلقت نبأ مقتله أمس بعد سنوات قليلة من حالة مماثلة عاشتها، بعدما قتل الجيش الإسرائيلي نجلها الأكبر بغارة جوية. توجهت والدة الشاب المصري إلى المستشفى لتوديع نجلها وهي تذرف الدموع، قبل أن تمسك بجسده وهي تردد: «ليش رحت (لماذا ذهبت) وتركتني؟ الله يرضى عنك يا ابني، ليش رحت وتركتني؟».
وفي الأثناء، وصلت إلى المستشفيات المختلفة في غزة عائلات من كل حدب وصوب، تبحث عن أبناء قد يكونون قد قتلوا أو أصيبوا بجروح. وكان المشهد مأسوياً فعلاً في ظل عويل أمهات فقدن فلذات أكبادهن، أو وجدن بعضهم وقد بترت أطرافه، نتيجة الإصابات الخطيرة التي لحقت بهم نتيجة الرصاص المتفجر الذي استخدمه قناصة الاحتلال.
وفي مستشفى «شهداء الأقصى» بقي أهل الشاب أحمد شاهين، من مخيم البريج شرق وسط القطاع، ينتظرون ويبتهلون إلى الله نحو ساعة، وهو في حال غياب عن الوعي، بينما شقيقه التوأم محمد كان مصاباً وفي حالة حرجة جداً، ما اضطر الأطباء إلى بتر قدمه اليسرى المصابة بطلق ناري متفجر. وقال أحمد شاهين لـ«الشرق الأوسط»، بعد استعادته الوعي وإبلاغه بما حصل مع شقيقه، إنه كان برفقة محمد في خيام العودة شرق مخيم البريج، وخلال وقوفهما إلى جانب متظاهرين سلميين آخرين أطلقت قوات الاحتلال النار تجاههم «بشكل عشوائي»، ما أدى إلى إصابة عدد من الشبان، مشيراً إلى أنه اضطر إلى «الارتماء على الأرض لحماية نفسه» قبل أن يتوقف إطلاق النار ويعلم أن شقيقه أصيب. وأوضح أنه اكتشف في المستشفى أن الأطباء قرروا بتر قدم شقيقه بهدف إنقاذ حياته. وأكد أن الاحتلال كان يطلق النار بشكل عشوائي على المتظاهرين السلميين، وأنه في كثير من الأحيان تعمّد الجنود الإسرائيليون القناصة إطلاق النار في الأجزاء العلوية من أجساد المتظاهرين والمناطق الحساسة في أطرافهم. وقال شاهين أن والدته التي تبلغ من العمر نحو 53 عاماً كانت أيضاً حاضرة في المسيرات قبل أن تغادرها للاطمئنان على صحة محمد وصحته في المستشفى.
وقال الشاب إبراهيم القفيدي، من سكان حي الشجاعية شرق غزة، إنه أصيب بطلق ناري في قدمه خلال مشاركته في المظاهرات؛ مشيراً إلى أنه كان بجانب العشرات من المتظاهرين على بعد نحو 300 متر من الجدار الأمني، حين أطلق الجنود القناصة النار بكثافة باتجاههم، ما أدى إلى إصابته وخمسة شبان من المتظاهرين. وأكد القفيدي أن جيش الاحتلال «تعمّد» استهداف الشبان في الأطراف السفلية والعلوية «بهدف تحقيق إصابات قاتلة»، مشيراً إلى أن الاحتلال استخدم طائرات صغيرة لإلقاء قنابل حارقة وقنابل غاز تسببت في حروق وسط المتظاهرين. وأشار القفيدي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه اضطر بعد إصابته بنحو ساعتين لمغادرة مستشفى «الشفاء» إلى منزل عائلته، كون إصابته مصنّفة فقط «ما بين متوسطة إلى طفيفة»، لافتاً إلى أن عدد الجرحى «كبير جداً، ولا يوجد لدى المستشفى ما يكفي من الأسرّة، كما أنه يعاني نقصاً في الأدوية والمعدات والطواقم الطبية».
وأطلقت وزارة الصحة الفلسطينية نداء استغاثة عاجلاً لتوفير الأدوية والمهام الطبية في المرافق الصحية في قطاع غزة، وذلك بسبب العدد الكبير للضحايا.
ودعا أشرف أبو مهادي، مدير عام التعاون الدولي في وزارة الصحة بغزة، المجتمع الدولي إلى «لجم الاعتداءات الإسرائيلية»، مشيراً إلى «إفراط قوات الاحتلال في استخدام القوة تجاه الفلسطينيين المشاركين في مسيرات العودة». وبيّن أن «أكثر من 50 في المائة من الإصابات بالرصاص الحي، في استهداف مباشر للمدنيين العزل من قبل الاحتلال وقناصيه المنتشرين على الحدود».
وكانت وزارة الصحة ومنظمات دولية، من بينها «الصحة العالمية»، و«الصليب الأحمر»، قد حذرت من النقص الحاد في الأدوية في أقسام الحوادث والطوارئ وغرف العمليات في غزة، مشيرة إلى خطورة الوضع القائم والصعوبات التي تواجه الطواقم الطبية في استقبال الجرحى والمصابين وعلاجهم.



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.